في اليوم الـ43 من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستمنع دخول جميع البضائع والإمدادات إلى قطاع غزة بدءا من صباح اليوم، تزامنا مع انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في القطاع، كما أن حكومة نتنياهو أمرت الجيش بإغلاق جميع المعابر المؤدية إلى القطاع، حيث اتُخذ القرار بإيقاف شحنات المساعدات إلى قطاع غزة خلال مباحثات عقدها رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الليلة الماضية، وذلك بالتنسيق مع الجانب الأميركي.
وأفادت مصادر فلسطينية بأن قوات الاحتلال أغلقت معبر كرم أبو سالم التجاري جنوب شرقي قطاع غزة، وأن جيش الاحتلال أعاد جميع الشاحنات بما في ذلك شاحنات الوقود من معبر كرم أبو سالم، وهو ما يُنذر معه بكارثة تجويع سكان قطاع غزة في شهر رمضان الفضيل، وذلك مع استمرار استخدام إسرائيل للتجويع أبشع سلاح حرب ضد الأطفال، وعلى العدل الدولية إنقاذهم من مجاعة وشيكة، خاصة وأن نتنياهو يرتكب جريمة حرب بتجويع الأطفال ويهدد الاستقرار العالمي وتقاعس العدل الدولية عن إنقاذهم يبيد أجيال فلسطين، فكلا البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف يدين قادة إسرائيل وعليهم تسهيل الإغاثة الإنسانية لوقف المجاعة، وعلى المجتمع الدولي أن يتحرك ليس كمراقب بل مشارك فعال لإغاثة غزة وخلق مستقبل عادل للفلسطينيين.
جريمة بتوقيع نتنياهو.. أستاذ قانون دولي يفضح المؤامرة وراء منع المساعدات عن غزة
من جانبه - وصف الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي وعضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولي، قرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بمنع دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بأنه جريمة حرب واضحة ودليل دامغ على سياسة ممنهجة للإبادة الجماعية، خاصة أن هذا القرار يأتي في وقت تحذر فيه منظمات دولية من أن قطاع غزة يواجه أسوأ كارثة إنسانية منذ عقود، مع انتشار المجاعة وتفشي الأمراض بسبب نقص الغذاء والدواء والمياه النظيفة.
وقال الدكتور مهران في تصريحات صحفية، إن قرار نتنياهو منع المساعدات الإنسانية عن قطاع غزة بحجة تعثر مفاوضات المرحلة الثانية، يمثل انتهاكاً صارخاً لقواعد القانون الدولي الإنساني، وتحديداً اتفاقية جنيف الرابعة التي تلزم سلطة الاحتلال بتوفير احتياجات السكان المدنيين الأساسية، حيث أن المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة واضحة تماماً، إذ تنص على وجوب السماح بحرية مرور جميع رسالات الإمدادات الطبية والأغذية الضرورية، وأن المادة 55 أيضا من الاتفاقية نفسها تلزم دولة الاحتلال بتزويد السكان بالمؤن الغذائية والإمدادات الطبية.
التجويع سلاح محظور دولياً
وشدد "مهران": على أن استخدام الجوع كسلاح حرب يُعد جريمة حرب صريحة بموجب المادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وقد يرقى إلى مستوى جرائم ضد الإنسانية عندما يكون جزءاً من سياسة ممنهجة واسعة النطاق ضد السكان المدنيين، خاصة وأن البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف يحظر صراحة في مادته 54 تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، كما يحظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين.
وعن ربط المساعدات الإنسانية بمسار المفاوضات، بين "مهران" أن من المبادئ الأساسية في القانون الدولي الإنساني الفصل التام بين العمل الإنساني والاعتبارات السياسية أو العسكرية، مشددا علي أنه لا يجوز بأي حال من الأحوال استخدام المساعدات الإنسانية كورقة ضغط أو أداة تفاوضية، كما أن الشروط التعسفية التي تفرضها إسرائيل لإدخال المساعدات تتنافى مع روح ونص القانون الدولي الإنساني، وأن القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني تلزم أطراف النزاع بضمان حرية مرور المساعدات الإنسانية للمدنيين في المناطق المحاصرة.
منع المساعدات عن غزة بججة تعثر المفاوضات سلاح إبادة يعري النظام العالمي
وحذر "مهران" من أن منع المساعدات يزيد من تفاقم الكارثة الإنسانية في غزة، مشيرًا إلى أنه وفقاً للأمم المتحدة، يواجه الآلاف من الأطفال خطر الموت جوعاً، وهذا يمثل مسؤولية مباشرة على عاتق سلطة الاحتلال، خاصه في هذا البرد القارس، وأيام رمضان المباركة، وأن المجتمع الدولي، وتحديداً الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقيات جنيف، ملزم قانوناً بالتدخل لضمان احترام الاتفاقيات، وفقاً للمادة المشتركة الأولى التي تنص على أن تتعهد الأطراف بأن تحترم وتفرض احترام الاتفاقية في جميع الأحوال.
وفي ذات السياق شدد مهران على أن قرار نتنياهو يضاف إلى سلسلة طويلة من الأدلة التي تؤكد وجود سياسة ممنهجة لارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، ويعزز الأسس القانونية لمحاكمة المسؤولين الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، ويكون من الأدلة الدامغة في دعوى جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وفي تحقيقات الجنائية الدولية، منوها إلى أن العدالة الدولية وإن تأخرت لن تسقط بالتقادم، موضحا أن الجرائم المرتكبة في غزة موثقة، والمسؤولون عنها سيواجهون يوماً ما المساءلة القانونية أمام المحاكم الدولية.
الدكتور محمد محمود مهران، المتخصص في القانون الدولي
وفى سياق أخر – سبق للمستشار القاضى الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، إعداد دراسة حول تجويع أهل غزة منذ بداية الحرب – والتي كشفت أكدت أن القانون الدولي الإنساني يحظر استخدام التجويع كوسيلة للحرب، وتعد المجاعة واحدة من العواقب الإنسانية العديدة التي تعقب النزاعات المسلحة نتيجة لعرقلة سلسلة الإنتاج والتوزيع، والوضع يصبح خطيراً عندما تستخدم أطراف النزاع التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وهو ما تفعله إسرائيل بعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين بقطاع غزة الذين يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وأن الهجمات المتعمدة ضد الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة؛ وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين هي أبشع الطرق الاَثمة التي يتم من خلالها تجويع المدنيين في حالات الصراعات المسلحة، وإسرائيل لا تفرق ولا تميز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية؛ وتعرقل مرور مواد الإغاثة وتتعمد حجب الطعام وتفرض الحصار، وباتت إسرائيل تخالف المبادئ الدولية للقانون الإنساني فيما يتعلق بحظر المجاعة.
نتنياهو يرتكب جريمة حرب بتجويع أطفال غزة بعرقلة الإمدادات الغذائية ويهين حقوق الإنسان الأساسية
وتضيف "الدراسة": أن نتنياهو يرتكب جريمة حرب بتجويع أطفال غزة بعرقلة الإمدادات الغذائية، ويهين حقوق الإنسان الأساسية، وقواعد القانون الدولي الإنساني تحظر التجويع بمجرد نشوب نزاع مسلح، ومن ثم فإن مثل هذا الأسلوب من الحرب يتصف بالخسة والنذالة لاستهدافه سلامة المدنيين، وهى جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بحرمان المدنيين عمداً الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، لإكراههم على التهجير القسري للسكان المدنيين.
"الدراسة" أكدت إن عرقة الإمدادات الغذائية عن غزة يشكل إهانة لحقوق الإنسان الأساسية ومجاعة وشيكة وتعتبر عملاً قبيحاً غير قانونى بموجب القانون الدولي، يجب أن يتوقف لأنه يشمل الحرمان المتعمد ليس فقط من الغذاء أو الماء، بل أيضًا من السلع الأخرى التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، ويجب على المجتمع الدولي التمسك بمبادئ القانون الإنساني الدولي ودعوة جميع أطراف النزاع إلى تسهيل وصول العمليات الإنسانية دون عوائق إلى قطاع غزة.
تقاعس العدل الدولية عن إنقاذ غزة من مجاعة وشيكة سيؤدي إلى إبادة أجيال أطفال فلسطين
ويذكر الدكتور محمد خفاجى في دراسته، أن تقاعس العدل الدولية عن إنقاذ غزة من مجاعة وشيكة سيؤدي إلى إبادة أجيال أطفال فلسطين بحجة أنها أصدرت تدابير مؤقتة سيؤدى إلى انتظار تأكيد حدوث مجاعة أو أنها حدثت بالفعل قبل اتخاذ إجراء جذري هو أمر لا يمكن دفعه أو الدفاع عنه فيما بعد، ولبيان خطورة الأمر فإن تقرير لجنة الأمن الدولي بشأن المجاعة الوشيكة في غزة يجب أن يكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولى وللمحكمة الدولية التى ناط بها القانون الدولى تحقيق العدالة الدولية ومنع الجنس البشرى من الإبادة، وهذه المجاعة الوشيكة التي صنعتها إسرائيل تمثل أزمة إنسانية عاجلة لا يمكن تجاهلها خاصة زيادة وفيات الأطفال.
ويمكن لمحكمة العدل الدولية التخفيف من حدة المجاعة، من خلال اتخاذ إجراءات فورية بوقف الحرب وإجبار إسرائيل بتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق، ولحكومات دول العالم الكبرى - التى ما زال موقفها مماطلاً – دور فاعل باستخدام كل وسيلة دبلوماسية متاحة بما في ذلك تعليق تراخيص الأسلحة وصادراتها إلى إسرائيل وضمان الامتثال للقانون الدولي.
البروتوكولان الإضافيان الأول والثانى لاتفاقيات جنيف يدينان قادة إسرائيل وعليهم واجب تسهيل أعمال الإغاثة الإنسانية لوقف المجاعة
ويذكر أن كلا البروتوكولين الإضافيين الأول والثانى لاتفاقيات جنيف يدين قادة إسرائيل وعليهم واجب تسهيل أعمال الإغاثة الإنسانية لوقف المجاعة، كما أن أي عمل يهدف إلى التسبب في المجاعة يشكل أيضًا استخدامًا للتجويع كوسيلة الحرب بالمعنى المقصود في المادة 54 من البروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف تنص على أن: "حماية الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين: 1- يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب 2- حظر مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري، إذا تحدد القصد من ذلك في منعها عن السكان المدنيين أو الخصم لقيمتها الحيوية مهما كان الباعث سواء كان بقصد تجويع المدنيين أم لحملهم على النزوح أم لأي باعث آخر – وفقا لـ"خفاجى".
والمادة 14 من البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقيات جنيف تنص على أن "حماية الأعيان التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة، ويحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب القتال، ومن ثم يحظر توصلاً لذلك، مهاجمة أو تدمير أو نقل أو تعطيل الأعيان والمواد التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة ومثالها المواد الغذائية والمناطق الزراعية التي تنتجها والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري.
ويؤكد أن ما تقوم به إسرائيل من عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين في حاجة إلى الغذاء من خلال الحصار أو وسائل أخرى؛ تعد جريمة حرب يجب أن يحاكم عليها قادة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية، فما يفعله قادة إسرائيل يتعارض مع روح القانون الإنساني الدولي الذي يفرض واجبا إيجابيا على أطراف النزاع لمنع تجويع السكان المدنيين، ومن ثم تتسبب إسرائيل فى مجاعة غزة الوشيكة نتيجة لعدم الوفاء بالالتزام الذي يفرضه عليها القانون الدولي الإنسانى.
على المجتمع الدولي أن يتحرك في غزة ليس كمراقب بل مشارك فعال لإغاثة غزة وخلق مستقبل عادل للفلسطينيين
ويوضح إن ما يفعله نتنياهو فى حق أطفال فلسطين يحد بشكل خطير من قدرة الشعب الفلسطيني على الوصول إلى الضروريات الأساسية مثل الغذاء والماء والرعاية الصحية، مما يستنهض همة محكمة العدل الدولية لممارسة سلطاتها فى إرساء قيم العدالة الدولية من خلال منع إبادة شعب أعزل ووقف الحرب وإنهاء الحصار والاحتلال، والاعتراف بكرامة وحقوق الشعب الفلسطيني.
ويختتم: بأنه يتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك في غزة، لأنه من واجبه أن يتحرك في جميع الأزمات الإنسانية العالمية، وله دور حاسم في تسهيل التغيير، ليس كمراقب فقط ولكن كمشارك فاعل في خلق مستقبل عادل للفلسطينيين، ويجب على العالم أن يتحرك بسرعة لوقف كارثة المجاعة، لذا فإن وقف إطلاق النار هو السبيل الوحيد لإيصال الغذاء إلى جميع من هم في أمس الحاجة إليه الآن بل لعله السبيل الوحيد لإنقاذ أطفال غزة من الهلاك.