الذكاء الاصطناعى والقانون - أرشيفية
التكنولوجيا في عصرنا الحالي تشهد في حقيقة الأمر تطورا مستمرا ومدهشا لتكنولوجيا المعلومات بما فيها الذكاء الاصطناعي الذي يتطور بشكل سريع، على الرغم من أن مصطلح الذكاء الاصطناعي ليس وليد اللحظة فيما تظل المرحلة الحالية طفرة في تاريخ التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي بشكل خاص، حيث بات بإمكان الأنظمة التعرف على الوجوه وتقديم إيجابيات حول العديد من التساؤلات.
كما أن هناك من يتحدث بأن الخوارزميات يمكنها التنبؤ بدقة حول مقررات المحاكم وأن بإمكانها أن تحل مكان القاضي البشري، لكن ما الذي نعلمه حقا حول استخدام الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن توظيف ذلك في خدمة العدالة، والجانب السلبي المتعلق بمخاطر الاستخدام والتوظيف أيضا، وكيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مفيدا للمحاكم والقضاة وما المطلوب لتحقيق ذلك، وكيف يمكن جعل المعلومة القانونية أكتر قابلية للاستخدام للذكاء الاصطناعي؟
الذكاء الاصطناعي GPT في المحاكم الجنائية بين المساندة القانونية والقيود الأخلاقية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني"، الضوء على الذكاء الاصطناعي GPT في المحاكم الجنائية بين المساندة القانونية والقيود الأخلاقية، فعلى سبيل المثال، في ميدان العدالة الجنائية، يجري بالفعل استخدام نظم الذكاء الاصطناعي في تقديم المساعدة في مجال التحقيق وأتمتة عمليات صنع القرار في كثير من النظم القضائية في جميع أنحاء العالم، وبالنظر إلى التطورات السريعة في هذا الميدان، فإن التحديات والفرص المتصلة بتسخير الذكاء الاصطناعي في النظم القضائية وآثارها على حقوق الإنسان وسيادة القانون يجب أن تشكل جزءا من المناقشات بين أصحاب المصلحة من النظام الإيكولوجي القضائي - بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
أول الأمر في قاعات المحاكم حيث تتحدد مصائر البشر، برز الذكاء الاصطناعي بوصفه لاعبًا جديدًا في المشهد القانوني، مثيرًا بذلك موجة من الجدل حول دوره وحدوده، ومع تقدم تقنيات مثل GPT، أصبح من الممكن لهذه النماذج اللغوية أن تؤدي وظائف لم يكن أحد يتخيلها قبل سنوات قليلة، بدءًا من تحليل الأدلة القانونية إلى التنبؤ بالأحكام، لكن السؤال الذي يظل قائمًا هو، هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون محايدًا وعادلاً في بيئة تتطلب حسًّا إنسانيًا عميقًا – وفقا لـ"العزاوى".
دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات القضائية
وفي ضوء ذلك فقد أثار القضاة نقاشًا غير مسبوق حول دور الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات القضائية، حيث استعان أحد القضاة بأداة - ChatGPT - لتقييم ما إذا كان ترك كلب في سيارة مغلقة جزئيًا في يوم حار يشكل خطرًا معقولًا، بينما أبدى قضاة آخرون تحفظات على موثوقية هذه الأدوات – هكذا يقول الخبير القانونى.
هذه القضية تعكس التحديات القانونية والتقنية التي تواجه الأنظمة القضائية عند دمج الذكاء الاصطناعي في عملياتها، فبينما يوفر الذكاء الاصطناعي تحليلًا سريعًا للبيانات وتقييمًا قائمًا على المعرفة العامة، فإنه يطرح أيضًا تساؤلات حول دقته، وحياده، ومدى إمكانية استبداله بالتقييم البشري المستند إلى الأدلة القاطعة – طبقا لـ"العزاوى".
كيفية تعامل المحاكم مع الأدوات الذكية
في هذا السياق، تبرز أهمية هذه القضية كنقطة تحول في كيفية تعامل المحاكم مع الأدوات الذكية، ومدى قدرتها على التوفيق بين الابتكار التكنولوجي وضمان تحقيق العدالة وفقًا للمعايير القانونية التقليدية، وسنتحدث في هذا المقال أكثر والذي ارتأينا أن نقسمهُ إلى ثلاثة مطالب حيث سنتحدث في المطلب الأول عن، القاضي الرقمي خيال أم واقع بينما سنتطرق في المطلب الثاني إلى الذكاء الاصطناعي ومحامي الدفاع، شراكة أم منافسة، أما في المطلب الثالث: التحديات الأخلاقية بين الدقة والتحيز – الكلام لـ"العزاوى".
المطلب الأول: القاضي الرقمي خيال أم واقع
منذ أن بدأ الذكاء الاصطناعي في الدخول إلى ساحات القضاء، لم يعد الأمر مقتصرًا على الاستخدامات البسيطة، مثل فرز المستندات القانونية أو تلخيص السوابق القضائية، بل امتد ليشمل مهام أكثر تعقيدًا، كتحليل أقوال الشهود والكشف عن التناقضات في الشهادات، وحتى اقتراح الأحكام بناءً على بيانات تاريخية – طبقا لـ"العزاوى".
قد يبدو هذا تطورًا مبشرًا، خاصة في ظل تزايد أعباء المحاكم وتعقيد القضايا الجنائية، لكن المشكلة تكمن في أن الذكاء الاصطناعي، مهما بلغت دقته، يظل آلة غير قادرة على الإحساس بالعوامل الإنسانية التي قد تؤثر على الحكم، فكيف يمكن لنموذج لغوي أن يفهم معاناة المتهم، أو يدرك الظروف النفسية والاجتماعية التي دفعته لارتكاب الجريمة.
المطلب الثاني: الذكاء الاصطناعي ومحامي الدفاع شراكة أم منافسة
لا يقتصر دور GPT في المحاكم الجنائية على القضاة، بل يمتد إلى دعم المحامين أنفسهم، إذ يمكن للنماذج الذكية تحليل آلاف القضايا المشابهة، وتقديم حجج قانونية تستند إلى سوابق دقيقة، مما يمنح المحامين ميزة إضافية في إعداد مرافعاتهم.
لكن هنا يبرز تساؤل جوهري، وهو هل يمكن أن يصبح الذكاء الاصطناعي بديلاً عن المحامين، في الواقع، قد يساعد في تسهيل عملهم، لكنه لا يمكن أن يحل محلهم تمامًا، لأن القانون لا يعتمد فقط على النصوص الجامدة، بل على التفسير الإنساني والنقاش الحي داخل قاعة المحكمة، وهو ما لا يمكن لأي نموذج آلي أن يجسده بشكل كامل.
المطلب الثالث: التحديات الأخلاقية بين الدقة والتحيز
على الرغم من الفوائد المحتملة للذكاء الاصطناعي في المحاكم الجنائية، إلا أنه لا يخلو من المخاطر، فهذه الأنظمة تعتمد على البيانات التي تُغذى بها، مما يعني أنها قد تحمل في طياتها تحيزات مجتمعية غير مقصودة، إذا كانت البيانات القانونية السابقة تعكس نمطًا معينًا من الأحكام القاسية ضد فئات معينة، فقد يعيد الذكاء الاصطناعي إنتاج هذه التحيزات بدلًا من تصحيحها.
إضافة إلى ذلك، تبرز مخاوف تتعلق بالخصوصية وأمن البيانات، إذ إن الاعتماد المتزايد على أنظمة الذكاء الاصطناعي في معالجة القضايا الجنائية قد يفتح الباب أمام مخاطر تسرب المعلومات أو التلاعب بها.
خلاصة القول:
ويضيف "العزاوى": لا شك أن الذكاء الاصطناعي بات جزءًا من النظام القضائي، وهو يسير بخطى ثابتة نحو لعب دور أكثر تأثيرًا في المحاكم الجنائية، لكنه، في النهاية، لا يمكن أن يكون بديلاً عن العنصر البشري، بل مكملًا له، فالعدل لا يُبنى فقط على القوانين، بل على الفهم الإنساني العميق لكل قضية وظروفها، لذلك، يبقى دور الذكاء الاصطناعي محصورًا في كونه أداة للمساعدة، وليس الحكم الأخير في مصائر البشر.
أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي
