الغش من الظواهر القديمة والحديثة التي انتشرت بين الناس منذ القِدم – أي منذ أن وجدت العلاقات الاجتماعية - إلا أنها بدأت تتزايد بشكل كبير، إذ أخذت تتنوع مظاهرها وأشكالها، ويعد سلوك الغش من السلوكيات غير السوية وغير الأخلاقية، وكلمة الغش تتضمن العديد من المعاني، وقد ظهرت في هذا الاصطلاح تعريفات متعددة تختلف عن بعضها البعض باختلاف المجال الذي وجد فيه الغش.
وعرَّف علم الاجتماع الإسلامي الغش بأنه ظاهرة اجتماعية منحرفة، خرجت عن العديد من المعايير والقيم الشرعية التي أقرها الإسلام، وذلك لما تتركه في المجتمع من آثار سلبية واضحة تنعكس على مظاهر الحياة الاجتماعية، ورغم تجدد مفاهيم الغش وتنوعها إلا أنها تتقارب وتتفق في مضمونها، وإن لم تنطبق بشكل كلي، فجميعها يقرر أن الغش من حيث المفهوم يتضمن الخيانة، بحكم أن الغش هو نقض للعهد، وتفريط للأمانة، وبمفهومه أيضا يقترب من النفاق العملي.
"الفار " في كرة القدم تقنية العدالة أم وسيلة للغش؟
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على الإجابة على السؤال.. هل الفار في كرة القدم تقنية العدالة أم وسيلة للغش؟ حيث أن تقنية "الفار" أو تقنية التحكيم بالفيديو - كما يشار إليها أحيانًا باسم حكم الفيديو المساعد - هي تقنية استحدثت مؤخرًا في عالم كرة القدم، إذ تقوم على مراجعة القرارات التي يتخذها حكم المباراة بإستخدام لقطات فيديو، وسماعة رأس للتواصل مع الحكم المساعد وحكام آخرين يراقبون المباراة هناك في غرفة مجهزة بأحدث الوسائل التقنية من أجهزة حاسوب متصلة بكاميرات متموقعة في عدة زواية الملعب تستخدم عند ضرورة الحكم على لقطة في المباراة، واستحدثت لعلاج ظاهرة الغش والتحايل التي تحولت الى مهارة بدأ يمتاز بها العديد من اللاعبين، استخدمت بهدف تحقيق أعلى نسبة من العدالة في رياضة كرة القدم – بحسب أستاذ القانون الجنائى والخبير القانوني الدولى محمد أسعد العزاوي.
في البداية - منذ أن دخلت تقنية حكم الفيديو المساعد (VAR) إلى عالم كرة القدم، تباينت الآراء حولها بين مؤيد يرى فيها وسيلة لتحقيق العدالة، ورافض يعتقد أنها قد تفتح أبوابًا جديدة للغش والتلاعب، وهل الفار أداة نزيهة تحمي نزاهة اللعبة، أم سيف ذو حدين يمكن أن يُستغل في الخفاء؟ لذلك فإن نشأة تقنية الفار ودوافعها قد ظهرت استجابةً للجدل المتكرر حول قرارات الحكام في المباريات، خصوصًا في البطولات الكبرى حيث يمكن لقرار خاطئ أن يُقصي فريقًا أو يمنح الآخر مجدًا لا يستحقه – وفقا لـ"العزاوى".
الهدف من إدخاله لتقليل الأخطاء التحكيمية وتحقيق قدر أكبر من العدالة
وكان الهدف من إدخاله لتقليل الأخطاء التحكيمية وتحقيق قدر أكبر من العدالة حيث بدأت التجربة في بعض الدوريات ثم اعتمدها الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) رسميًا في كأس العالم 2018م، حيث لاقت إشادة كبيرة آنذاك، وبالنسبة لي آلية عمل الفار حيث تعتمد التقنية على غرفة تحكم تضم حكامًا يستخدمون عددًا كبيرًا من الكاميرات لمراجعة أربع حالات رئيسية فقط وهي، (الأهداف وموقف التسلل) و (ضربات الجزاء) و(البطاقات الحمراء المباشرة) و(هوية اللاعب المُعاقب) – الكلام لـ"العزاوى".
كما ويتلقى الحكم الرئيسي توصية من غرفة الفار، وله الحرية في العودة إلى الشاشة الجانبية لمراجعة اللقطة أو اتخاذ القرار مباشرة استنادًا إلى نصيحة الحكام المساعدين في الغرفة - ومن ناحية أخرى - ومن باب الإنصاف في القول إن تقنية الفار ساهمت في تقليل نسبة الأخطاء التحكيمية الصارخة، فالعديد من الأهداف الملغاة بداعي التسلل، أو ركلات الجزاء غير المحتسبة سابقًا، باتت تُراجع وتُصحح، كما أنها خففت من ضغط الجماهير على الحكام وقللت نسبة الاعتراضات داخل الملعب – طبقا لـ"العزاوى".
4 ملاحظات تهدد تقنية التحكيم بالفيديو في الملاعب
والسؤال المهم الذي يثار هنا هل يمكن الغش باستخدام الفار؟ وبرغم من كل ما سبق، فلا يمكن إغفال أن الفار، كأي أداة بشرية، لا يخلو من الثغرات التي قد تُستغل، فمن أبرز الانتقادات هي – هكذا يقول "العزاوى":-
1- الانتقائية في اللقطات: في بعض الحالات، يُعرض للحكم زاوية واحدة أو لقطة مجتزأة دون إظهار الصورة الكاملة، ما قد يُضلله.
2- تأخير البث لبعض الكاميرات: قد يُستخدم بشكل متعمد في البطولات المحلية التي تفتقر للشفافية.
3- التحيز في التوصيات: في حالات نادرة، قد تؤثر الانتماءات أو الضغوط على قرارات حكام غرفة الفار.
4- عدم الشفافية في التواصل: لا يتم دائمًا نشر المحادثات بين الحكم وغرفة الفار، ما يفتح الباب للتأويل والتشكيك.
وفي ضوء ذلك - فقد شهدت عدة مباريات قرارات جدلية بالرغم من استخدام الفار، سواء في دوري أبطال أوروبا أو في بعض الدوريات العربية، مما أثار تساؤلات عديدة: لماذا تُتخذ قرارات مختلفة في مواقف متشابهة؟ وهل يتم استخدام الفار بنفس المعيار في جميع البطولات؟
خلاصة القول:
وفى الأخير يقول "العزاوى": يبقى السؤال الجوهري هنا هو هل المشكلة في الفار نفسه، أم فيمن يتحكم فيه؟ فالتقنية، مهما بلغت دقتها، لا تنفصل عن العامل البشري، فإن أُحسن استخدامها بشفافية وعدالة، أصبحت صمام أمان للعبة، أما إذا دخلت في دهاليز التحيز والمصالح، فلن تكون سوى أداة غش مقنن، كما إن مستقبل الفار يعتمد على تطوير القوانين، وشفافية التطبيق، وربما مستقبلاً إتاحة محادثات الحكام للجمهور، تمامًا كما يحدث في رياضات أخرى كالرغبي، ليبقى الجمهور على يقين بأن العدالة لا تُدار من خلف الكواليس.