"المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى".. الجملة الأكثر تداولا في محركات البحث – جوجل – بعد حالة الجدل التي تسبب فيها الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، من خلال إحدى القنوات الفضائية بشأن كتابة الميراث في حياة الأهل لأبنائهم خشية من أن يرث الأقارب في الأب أو الأم، مُتحدثاً وشارحاً لرؤيته حول قضية المساواة في الميراث، مؤكدًا أن مهمته الأساسية هي التوضيح والبيان وليس الإفتاء القاطع.
"الهلالي" خلال مداخلته عبر قناة العربية الفضائية، أشار إلى أن المطالبة بالمساواة في الميراث ليست محرمة بنص صريح في القرآن أو السنة، خصوصًا في الحالات التي يكون فيها الورثة في نفس درجة القرابة مثل الأخ والأخت، مُستشهداً بعدة أمثلة واقعية وتشريعية، قائلًا: تركيا طبّقت المساواة في الميراث منذ عام 1937، ومصر تمنح معاش المتوفى للذكور والإناث بالتساوي وفقًا لقانون رقم 148 لسنة 2019، وبعض الأسر المصرية تقسم التركة بالتساوي بالتراضي، كما فسر الآية: "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين" على احتمالين: وصية بتفضيل الذكر، ووصية بضمان نصيب الأنثى مهما كان بسيطًا، منعًا من حرمانها.
تصريحات سعدالدين الهلالى
ووفقا لـ"الهلالي"، أن النصوص الفقهية فيها مجال للاجتهاد والتفسير، مستشهدًا بتباين آراء الفقهاء وحتى الصحابة في بعض مسائل الميراث مثل نصيب الأم، معتبرًا أن القرار النهائي يجب أن يكون شعبيًّا عبر حوار مجتمعي، مؤكداً أن التقسيم العادل بالتراضي مباح، ولا شيء يمنع الأسرة من تقسيم التركة بالتساوي طالما تم الاتفاق، وأن باب "التخارج" في الفقه، الذي يتيح للورثة التنازل عن نصيبهم، ووجود فتاوى فقهية تُجيز التنازل عن الميراث المحتمل أو المجهول، داعياً إلى إجراء استفتاء شعبي لتحديد توجه المجتمع، ومشددًا على أهمية احترام القانون لحين التوافق على أي تغيير.
وفى هذا الشأن خرجت التعليقات من أهل الشرع والقانون والذى رأى بعضهم أن كتابةُ الأملاكِ للبناتِ بهدف منعِ الأعمام أو غيرِهم من الميراثِ حرامٌ وتحايلٌ على الشرع، بينما يرى آخرون أن الهدف هو حفظ الحقوق وليس المنع لكثرة وانتشار قضايا الإمتناع عن تسليم المواريث وإهدار الحقوق في مثل هذه الحالات، وأن المحرم هو الهدف وليس الفعل لذاته، لأننا لسنا أمام بيع حقيقي بل هو هبة مستترة، بقصد التحايل على قواعد الميراث، فهذا القصد هو الذي يجعل من التصرف أمرا محرما، لكن كقاعدة عامة الانسان حر فيما يملك، ويتصرف فيه كما يشاء بما يشاء، ولا تركة الا لميت، وأموال الحي لا ينسحب عليها وصف الميراث، لأنه لا يدرى بالاساس من سيرث من؟ ومن سيخلف التركة لمن.
بيان دار الإفتاء المصرية حول دعوى المساواة المطلقة في الميراث تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي
فيما أصدر دار الإفتاء المصرية بيانا حول دعوى المساواة المطلقة في الميراث تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، وجاء نصه كالتالى: "الحمد لله الذي بيّن فرائض هذا الدين فأحكمها، وحدد مواريث العباد فأقام بها ميزان العدل، نحمده سبحانه على ما أنزل من الكتاب، وما شرع من الأحكام، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم المبلغ عن ربه، والمبين لشرعه وبعد، لقد تابعت دار الإفتاء المصرية باهتمام بالغ النقاشات الدائرة حول الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، وانطلاقًا من مسؤوليتها وواجبها نشير إلى ما يلي:
أولًا-التبرع الفردي لا ينتج تشريعًا عامًا يلغي أصل جواز التبرع ويجعله إلزامًا قانونيًّا
لا خلاف بين العلماء في جواز تبرع الشخص لأخته أو غيرها من ماله أو نصيبه من الميراث أو غيره من الأموال، كما لا يوجد ما يمنع من تبرع الأخت لأخيها ومساعدته من مال الميراث أو غيره أيضًا، إذ التبرع باب من أبواب الإحسان، وهو مشروع ومحمود شرعًا؛ ولكن أن يُتخذ هذا الجواز الفردي ذريعة لاقتراح تشريع عام ملزم يُلغي أصل جواز التبرع علاوة على أحكام المواريث القطعية، فذلك خلط شنيع بين التصرف الفردي والتشريع الإلزامي، وهو مغالطة لا تخفى على ذوي العقول والبصيرة.
ثانيًا- الفرضيات الجدلية لا تُنتج أحكامًا شرعية
حين يُقال: «لو تراضى المجتمع على المساواة بين الذكر والأنثى في الميراث، فلماذا لا يُشرّع ذلك؟»، فهذه فرضية مفتعلة لا تُغير من الحقيقة شيئًا؛ فإن الأحكام الشرعية توقيفية لا تُغيَّر بالتصويت ولا بالتوافق المجتمعي، خصوصًا وأن من يدعون إلى ذلك أو ينادون به يتغافلون أن من أسماء هذا العلم علم الفرائض جمع فريضة وهو ينزع عنه صفة الفريضة والواجب عند التوزيع إلى صفة الحق فقط، وينسى أن الله تعالى قال في آيات الميراث: {فريضةً من الله} [النساء: 11]، فأحكام الميراث ليست حقًا فقط لصاحبه التبرع به؛ بل واجب وفريضة وليس رأيًا بشريًّا قابلاً للإلغاء أو التطويع؛ وإلا فلمن يأكل ميراث أخته أن يقول بمنطق صاحب الطرح ألا تملك أن تتبرع به لي فلماذا لا آخذه أنا، وهو ليس فريضة كالصلاة إلى غير ذلك من الحجج الواهية، على أن أي مجتمع هذا الذي سيتفق على أن يسلب حقوقه الشرعية المالية من أجل دعاوى لا يطبقها صاحبها على نفسه فضلًا عن غيره.
ثالثًا- مغالطة القياس على التبرع
القياس بين التبرع (وهو مباح) وبين تغيير فريضة الميراث (وهو محظور) هو قياس فاسد، أشبه بمن يقترح توزيع أموال الأغنياء بين الفقراء بالقوة لأنهم «يستطيعون التبرع بها!» فلو كان هذا منطقًا سليمًا، لما بقي حقٌ ثابت ولا مالٌ مصون.
رابعًا- المقصد الحقيقي هو زعزعة قدسية النص
إن ما يُراد فعليًا من هذه الدعوات ليس المساواة كما يُدعى؛ بل نزع القداسة عن النصوص القطعية، وتحويلها إلى ساحة نقاش وجدال، تمهيدًا للتقليل من أحكام الأسرة.
خامسًا- فوضى التأويلات الباطلة
إذا قُبل هذا المنطق المخالف فستُفتح الأبواب لكل تأويل باطل، يُقاس فيه المشروع «التبرع» على غير المشروع «تغيير الفرائض»، ويمهد لهدم الضروريات الخمس، تحت غطاء «الاجتهاد المجتمعي»، والواقع أنه إلغاء للشريعة باسم الاجتهاد.
سادسًا- هل يبقى التبرع حقًّا بعد تحويله إلى قانون؟
فإذا ما تم تشريع المساواة في الميراث، فلن يعود التبرع خيارًا؛ بل يُصبح حقًا قانونيًّا يُمكن أن يُقاضى الأخ إن لم يعطِ أخته ما لم يُفرض عليه شرعًا، فيُسلَب الإنسان ماله، ويُحمّل ما لم يُكلّفه الله به، وهذا هو عين الظلم.
سابعًا- علاوة على ما سبق فإن مثل هذه الأطروحات التي تجلب غضب الله لمخالفة تشريعاته والدعوى العامة لذلك، فإنها أيضًا تشوه صورة المجتمع الذي يقبل هذه الدعاوى في أعين وعقول المسلمين في شتى بقاع الأرض كما يفتح الباب الخلفي للجماعات التكفيرية للطعن في المجتمع وتشريعاته واستباحة حرماته فهل نحن بحاجة لمثل هذه الادعاءات؟
الخبير القانونى والمحامى بالنقض ياسر زبادى
ثامنًا-الثوابت ليست محل تصويت:
وهي ليست قاصرة على العبادات أو أركان الإسلام؛ بل كل قطعيات الدين -أي: التي ثبتت بنص قطعي الثبوت وقطعي الدلالة- سواء في كل مجالات التشريع الإسلامي كما لا يخفى ذلك على العامة فضلًا عمن ينتسب للعلم.
إن الدعوة إلى المساواة المطلقة في الميراث، تحت لافتة التطوع أو الاستفتاء الشعبي، ليست إلا ستارًا يراد به نقض الحكم الشرعي، وإسقاط القدسية عن النص، وإلحاق الأمة بركب مفاهيم دخيلة لم تُنتج إلا اضطرابًا وانهيارًا في مجتمعاتها. فالنص القطعي ليس مادة لإعادة التشكيل؛ بل هو نور يُهتدى به، وحدٌّ لا يُتجاوز، فثوابت الشريعة وفرائض المواريث منها ليست مجالًا للتبديل، وواجب المسلمين حماية تطبيقها وتنفيذها وليس تعطيلها واستبدالها.
إن هذه الدعوى تقلب الموازين فبدل أن يحمى التشريع القانوني الحق الشرعي ويضمن تنفيذه على خير وجه، يحاول صاحب الطرح المخالف أن يجعل التشريع القانوني معتديًا على الحقوق الشرعية وطريقًا لسلب الناس حقوقهم وأموالهم، مستندًا في سلبه إلى قابلية الحق للتبرع بعد وجوبه!، وهو يريد تشريعًا يغير أصل وجوبه تمامًا، وهو من أعجب الاستدلالات وتحريف الحق باسم الإحسان، وختامًا: سيبقى الإسلام محفوظًا، مهما تكاثرت عليه دعاوى التغيير، ومهما تلونت الشعارات، وواجب العلماء الدفاع عن ثوابت دينهم وبيان زيف هذه الأطروحات.
قانونيون يدلون بدلوهم فى الأزمة
وهنا يؤكد الخبير القانوني والمحامى بالنقض ياسر زبادى، أن الدكتور سعد الدين هلالي جانبه الصواب في هذا الرأي الذي قال فيه بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة للشريعة الإسلامية، لأنه قام بالخلط بين الحق والواجب، فالواجب هو ما يجب على كل فرد أن يفعله، أما الحق فإن صاحبه مخير بين أخذ هذا الحق أو تركه دون إلزام عليه بتصرف معين، وعندما يصدر قانون بالمساواة في الميراث بين الرجل والمرأة فإن مثل هذا القانون يسلب الحق من صاحبه وجعله واجبا مفروضا عليه، وهذا خلط بين فكرة الحق والواجب، فالرجل وهو صاحب حق في الميراث له أن يتمسك بحقه وله أن يتنازل عن حقه بالكامل أو جزء من هذا الحق دون أن يكون هناك إلزام بقانون وكذلك يحق للمرأة استخدام حقها دون إلزام.
وبحسب "زبادى" في تصريح لـ"برلماني": وبالتالي فإن التنازل عن الحق أمر إختياري لكل صاحب حق ومن ثم فلا يجوز فرضه بقانون، لأنه في هذه الحالة لم الحق حقا بل أصبح واجبا بالقانون، وذلك مخالفا لنص القرآن الكريم، وحيث أن الله سبحانه وتعالى بين الأنصبة في الميراث وحددها تفصيلا في كتابه الكريم ولم يترك بيان وتفصيل نصيب كل وارث للسنة النبوية فإن الله سبحانه وتعالى أراد لصاحب الحق حرية الإختيار في كيفية استخدام هذا الحق على النحو الذي يراه وهذا أمر شخصي يخص كل شخص على حدا، فإن الله سبحانه وتعالى بين أنصبة الورثة تفصيلا وترك لهم حرية التصرف في حقه كيفما شاء .
المخالفة لنص القرآن الكريم
ويضيف الخبير القانوني: أما فكرة إصدار قانون ملزم بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث فإن الحق أصبح واجبا بالقانون، وهو مخالفا لنص القرآن الكريم، وكذلك فإن الاستشهاد بتركيا والقول بأنها عاصمة الخلافة فهو استشهاد خاطئ ولا بجوز الأخذ به حيث أن مصدر التشريع القرآن الكريم والسنة النبوية ثم اجتهاد العلماء إما فعل بلد من البلدان أو أحد الأشخاص لايصلح الأخذ أو الاستشهاد به على أن هذا هو الشرع فهو لا يعود أن يكون موقفا شخصيا من الشخص أو الدولة، خاصة أن الذي قام بفرض المساواة في مصطفى كمال أتاتورك الذي ألغى الشريع الإسلامية في تركيا واحل محلها العلمانية بصورتها القبيحة التي تهدف لإلغاء الدين من حياة البشر، كما ألغى الأذان من المساجد بل قام بتحويل بعض المساجد لدور عبادة لشرائع أخرى، ومن ثم لا يجوز النظر لمثل هذه الخرافات التي فعلها أتاتورك ونعتبرها مثلا يحتذى .
وفى الأخير يقول "زبادى": أما ما ذكرته من خلاف الصحابة في مسألة إعطاء الأم الثلث والأب السدس، فهذا لم يكن اختلاف في الأنصبة بل كان خلافا في كيفية تقسيم التركة مع اعتراف الجميع بنصيب كل من الأم والأب بنصيبه الثابت بقوله تعال:ى "يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين..."، وبالتالي يجب على الدكتور سعدالدين الهلالى مراجعة هذا الرأي بالمساواة بين الرجل والمرأة في الميراث لما فيه من خلط بين الحق والواجب، مما جعل الحق واجبا مخالفا لنص القرآن الكريم.
نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة والمحامية بالنقض
وفى سياق أخر – خرجت نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصري لحقوق المرأة والمحامية بالنقض، عبر صفحتها الشخصية لتدلوا بدلوها في الأزمة تحت عنوان: "اكتبو لبناتكو كل أموالكو"، مؤكدة أنه بمناسبة الكلام عن كتابة الأموال للبنات فى حياة أهاليهم لحمايتهم من البهدلة أو تعليمهم إدارة أموالهم، ورددت قائلة:
"أولا: ما اسمهاش كتابة تركته اسمها كتابة أمواله أو ثروته.
ثانيا: فى اللغةً: التَّرِكَة: التخلية عن الشيء، وتَرِكَة الميت: ما يتركه من تراثه أى بعد وفاته، فى حياته اسمها فلوسه، يعنى الممتلكات أثناء الحياة اسمها مال الإنسان يعمل فيه ما يشاء يوزعه، يتبرع به هو أو هى فهم أحرار.
ثالثا: نسبة اللى بيحصلو على تركتهم من البنات 5٪ فقط طبقا لجهاز التعبئة والاحصاء فهذا معناه أن 95 ٪ بيسرقوا ميراث أقاربهم.
رابعا: مسمعناش حد من المشايخ واليوتوبر الأشاوس الأغابر فكر الحرامية أكلة الميراث بالآية 14 من سورة النساء على أكل الميراث: { .. يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }
وتابعت "أبو القمصان": "يا ترى الى محموقين قوى وضد كتابة الميراث للبنات علشان الاعمام أو الأخوال لو المتوفى الأم هما من 95٪ الحرامية اللى داخلين جهنم ولهم عذاب مهين، واللا من 5٪ فقط اللى بيدو الميراث فمتخيلين الناس كلها محترمة زيهم، خامسا: ودا الأهم والأخطر، ءاقولك لو مكتبتش لبنتك اللى يحميها وعندك شقة هيكون نصيبها النص، يعنى لو مت هيجى الأعمام أو الأخوال يرموها فى الشارع علشان ياخدو نص الشقة، ولو بنتين ليهن الثلثين يعنى ياخدوا من البنتين الغلابة نص مليون جنية أو أكثر حسب قيمة الشقة يا يرموهم فى الشارع بردوا".
واستطردت: "سادسا: أن فى تفسيرات كثيرة لآيات الميراث مختلفة عن اللى بتتقال لينا واتعمل عليها قوانين مختلفة، يعنى مثلا إيران البنت الوحدة بتورث التركة كلها زى الولد الواحد، فى تونس والمغرب ممكن الإنسان يقرر فى حياته تتوزع تركته إزاى – الوصية - حتى لو الأب أو الأم مكتبش ثروته فى حياته، فالخلاصة: وعلى مسئوليتى كدارسة للشريعة وعلم الأصول فى الإسلام (اللى هو علم استخراج الأحكام الشرعية) وكمحامية بشوف اللى يشيب من الأعمام والأخوال لو الأم هى اللى سايبة ميراث اكتبو كل حاجة بإسم أولادكو وبناتكو فى حياتكو لأن حتى الذكور بيتسرق ميراثهم، ولتأمينكو أنتو شخصيا، احتفظوا بحق المنفعة".
الخبير القانونى والمحامى بالنقض أسامة الجوهرى
قانونى يرد على المحامية نهاد أبو القمصان
بينما دخل الخبير القانوني والمحامى بالنقض أسامة الجوهرى، ليرد على الرأي القانوني للمحامية نهاد أبو القمصان، بقوله: رأي قانوني خطأ يحمل جهل بأحكام القانون المدني، لأن إتباع هذا الرأي يؤدي إلى ضياع حقوق البنات وليس الحفاظ عليها – لماذا - في ختام البوست تنصح الكاتبة الآباء بالتصرف في أموالهم لصالح الأبناء مع الإحتفاظ بحق المنفعة مدى الحياة، وهذه نصيحة خاطئة – لأن - نصت المادة (917) من القانون المدني المصري بقولها: (إذا تصرف شخص لأحد ورثته واحتفظ بأية طريقة كانت بحيازة العين التي تصرف فيها وبحقه في الانتفاع مدى حياته اعتبر التصرف مضافًا إلى ما بعد الموت فتسري عليه أحكام الوصية ما لم يقم دليل يخالف ذلك).
ويضيف "الجوهرى" في تعليق له عبر صفحته الشخصية: أي أن التصرف في الأموال (بالبيع أو غيره) لصالح الأبناء مع الإحتفاظ بحق المنفعة مدى الحياة = وصية في حكم القانون ولا ينفذ التصرف إلا في حدود الثلث، ما لم يقم الدليل على غير ذلك، وهو الأمر الذي يفتح باب الشجار والنزاع القضائي الطويل جداً بين الأبناء كطرف وباقي الورثة كطرف آخر، لأن باقي الورثة سيتمسكون بإعتبار التصرف وصية، وكل واحد من الأبناء أو البنات سيحاول إيجاد دليل لنفسه على أن العقد حقيقي ولا يستر وصية، وهو أمر بالغ الصعوبة وغالباً ما يخسر الأبناء دعواهم ويُحكم لصالح باقي الورثة لعدم إستطاعتهم إثبات جدية العقد.
وبحسب "الجوهرى": ومن ناحية أخرى، سيزرع الشقاق بين الأبناء والبنات أنفسهم، وتكثر القضايا بينهم، ويطول أمد نزاع الميراث، وبدلاً من أن كانوا فريق واحد سينقسمون إلى أفراد كل منهم يحارب ويناضل في المحاكم ضد أشقائه من ناحية وضد باقي الورثة من ناحية أخرى للحصول على أكبر حصة في الميراث، وبذلك تضيع أعمار الورثة جميعاً في المحاكم، ويتحملون نفقات ورسوم وأتعاب باهظة، وتتفتت التركة وتظل معلقة سنوات وسنوات دون أن يستفيد منها أحد، وقد يلجأ البعض إلى منطق القوة للإستئثار ببعض أموال التركة.
مركز الأزهر للفتوى: نصوص الميراث قطعية لا تقبل التغيير
في المقابل، أكد مركز الأزهر العالمي للفتوى، أن نصوصُ الميراث قطعية لا تقبل التغيير ولا الاجتهاد، والدعوة لصنع "تدين شخصي" افتئاتٌ على الشرع، أو لصنع "قانون فردي" افتئاتٌ على ولي الأمر، وإعادةُ إنتاجٍ للفكر التكفيري المنحرف، وتجديدُ علوم الإسلام لا يكون على الشاشات أو بين غير المتخصصين.
وقال المركز، في بيان، إن صدمةُ الجمهور بإقامة استدلالات غير صحيحة على تحريم حلال أو تحليل حرام؛ جريمة فكرية تهدد الأمن الفكري والاستقرار المجتمعي.
ورأى أن الشَّحن السَّلبي المُمنهج تجاه الدّين وتشريعاته، والانتقالُ من التشكيك في حكم من أحكامه إلى التشكيك في غيره، ونسبةُ المعاناة والإشكالات المُجتمعية إلى تعاليمه ونُصوصه؛ جريمة كبرى تغذي روافد الانحراف الفكري والسلوكي، ونذير خطر يؤذن بتطرف بغيض.
وأشار إلى أن الانتقاء والتدليس وصدمة الجمهور بالاستدلالات غير الصحيحة على تحليل الحرام أو تحريم الحلال بغرض تطبيع المنكرات داخل المجتمع؛ جرائم فكرية ومعرفية ينبغي محاسبة مرتكبها والداعي إليها.
وشدد على أن الادعاء الدائم بأن أحكام الشريعة لا تناسب الزمان وتطور العصر؛ طرحٌ كريه لا يراد به إلا عزل الإسلام عن حياة الناس، فضلًا عن كونه فتنة عظيمة في دينهم؛ لا يجني المجتمع منها إلا الانحراف الفكري والتطرف في إحدى جهتيه.
وتابع أن النصوص المتعلقة بعلم الميراث في الإسلام نصوص قطعية مُحكمة راسخة لا تقبل الاجتهاد أو التغيير بإجماع الصحابة، والعلماء في كل العصور، وتناسب كل زمان ومكان وحال، فقد تَولَّى رب العالمين الله عز وجل تقسيم المواريث في القرآن الكريم؛ لأهميته، وعِظَم خطره، وإزالةً لأسباب النِّزاع والشِّقاق.
وبين المركز، أن علم تقسيم الميراث في الإسلام مُرتبط ومُتشابك مع قضايا وأحكام عديدة، ومُدعي قصوره؛ لا يبين -عمدًا- صلته بتشريعات كثيرة في قضايا النّفقة والواجبات المالية؛ إذ إنّ بيانها يقضي بعدالته.
وأوضح أن التَّستُّر خلف لافتات حُقوق المرأة للطّعن في أحكام الدين، وتصويره كعدوٍّ لها، حِيلةٌ مُغرضة تستهدف تنحية الدين وتقزيم دوره، وتدعو إلى استيراد أفكار غربية مُشوهة، دخيلة على المُجتمعات العربية والإسلامية؛ بهدف ذوبان هُوُيَّتِها وطمس معالمها.
واختتم مركز الأزهر العالمي للفتوى، بقوله: لا يُشكك في الدّين وأحكامه إلا طاعن، يتغافل عن الجوانب التّعبّديّة للشّرع الشّريف؛ فالمُسلم الحقّ هو الذي استسلم لله سبحانه وتعالى، في الحُكم والتشريع، وهو الحَكَم العدل المُحيط، الذي يعلم خلقه، ويعلم ما يُصلحهم، فقد قال الله رب العالمين في عقب آيات المواريث: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ }. [النساء: 13، 14].
عباس شومان: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْن
قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن القول بأن الإنسان حر خلال حياته في تقسيم أمواله دون التقيد بنظام المواريث، حيث يمكنه كتابة أمواله لبناته حتى لا ينازعهن أعمامهن -إخوة الميت- باطل لا دليل عليه.
وأضاف "شومان"، في بيان، أنه يمكن للوارث وحده التنازل عن الميراث أو بعضه، أما تمكينهم من أنصبتهم كما وردت في كتاب الله ففرض بنص كتاب الله ليس من حق أحد تغييره: يُوصِيكُمُ ٱللَّهُ فِيۤ أَوْلَٰدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ ٱلأُنْثَيَيْن، فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّه، فقسمة الميراث بالكيفية المذكورة فريضة لا يملك بشر تغييرها، ويحق لصاحب الفرض دون سواه التنازل عنه أو بعضه كالديون.
ورد عباس شومان على المروجين لجواز كتابة مال الشخص لبناته ولديه إخوة، قائلًا: هل تجيزون لشخص كتابة ماله في حياته لأبنائه الذكور دون البنات؟.
وتابع: الأخ "عاصب" كالابن عند عدم وجود الابن فإذا جاز كتابة المال للبنات في حال وجود إخوة فينبغي أن تقولوا يجوز للإنسان كتابة ماله لبناته ولا يبقى شيء لأبنائه، وهذا لم يقل به أحد.
وأشار إلى أن تصرفات الإنسان في المال مقيدة بضوابط شرعية، فلا يملك الإسراف ولا التبذير ولا إحراق المال عمدا، ولا منع زكاته، وتبطل تصرفاته المالية في مرض موته، لذا فحريّة التصرف ليست مطلقة.
واختتم الدكتور عباس شومان، قائلًا: هل سمع أحد عن رجل كتب ماله لبناته وعنده أبناء؟ فلماذا يريد الكتابة لهن في حال عدم الأبناء ووجود إخوة؟ أليس هذا دليل على نية حرمان الإخوة؟
وجهة نظر أخرى
فيما خرج أحمدعبدالسلام، مؤسس ومدير مركز مؤتمن للاستشارات الإدارية والمالية الشرعية، ليقدم شرحا للقارئ بقوله: أن هبة الرجل ما يملك لبناته في حياته لها صورتان:
الصورة الأولى:
أن يهبهن ما يملك هبة حقيقية بحيث تقبض وتملك كل واحدة منهن ما وهبها، ولها عليه كل حقوق المالك فتصبح حرة التصرف فيه، فهذه هبة جائزة باتفاق العلماء.
لأن العلماء اتفقوا على جواز أن يخرج الإنسان من ماله كله ويهبه لأجنبي (يعني لغير قريب له) فلأن يهبه لقريب أولى.
لكن هناك شروط لهذه الهبة:
أولها: أن تكون في حياته حال صحته، لأن التصرف في مرض الموت ينزل منزلة الوصية والنبي صلى الله عليه وسلم قال (لا وصية لوارث).
ثانيها: أن تكون هبة حقيقية يقبضها ويملكها البنات في حياته ملكا نافذا، لأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض.
وقد وهب سيدنا أبوبكر لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما هبة من تمر لم تقبضها حتى رقد على فراش الموت، فقال لها:
(فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله).
ثالثها: أن يسوي بينهن إلا إذا وُجد سببا شرعيا لعدم التسوية.
الصورة الثانية:
أن تكون الهبة للبنات صورية، أي هبة في الصورة لكن في حقيقتها هي وصية لا تسري إلا بعد الموت.
كأن يكتب لبناته ما يملك لكن لا يقبض البنات شيئا، ولا يحق لهن التصرف في شيء طالما كان الأب حيا، بل معلوم ومستقر لهن أن هذه أموال الوالد، فإذا مات أخرجن العقود وقلن هذه أموالنا وأملاكنا حتى لا يشاركهن الأعمام فيها.
فهذه وصية محرمة في الحقيقة حتى ولو كتبت في صورة هبة أو بيع، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث).
وقد تكلم في هذه المسألة بالتفصيل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال:
(ما بال أقوام ينحلون أولادهم نحلة - يعني يهبون أولادهم هبات- فإذا مات أحدهم قال: مالي في يدي.
وإذا مات هو قال: قد كنت نحلته ولدي. لا نحلة إلا نحلة يحوزها الولد دون الوالد ، فإن مات ورثه).
وقال أيضا: (الأنحال ميراث ما لم تقبض) الأنحال يعني الهبات.
وقد مر قول أبي بكر لعائشة:
(فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك. وإنما هو اليوم مال وارث، وإنما هما أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله).
فالعبرة بالحيازة ومضي الهبة في الحياة قبل الموت وقبل مرض الموت.
والحق أن غالب ما يقع بين الناس من هبات للبنات في حالة عدم وجود ولد ذكر للرجل هو من النوع الثاني الذي يراد بها ورقة تخرج بعد موته لتقصر التركة على البنات، وهذا حرام شرعا.
وقليل من يخرج من ماله فعلا ويهبه بناته هبة حقيقية في حياته.