وجه النائب عبد المنعم إمام عضو مجلس النواب ورئيس حزب العدل، سؤالا برلمانيا إلى رئيس مجلس الوزارء ووزير البترول بشأن الوضع العام في قطاع الطاقة المصري، وما ينتابه من تخبطات وإضطرابات إدارية وتنفيذية.
وقال إمام في التساؤل البرلماني: تابعنا جميعًا خلال السنوات القليلة الماضية الحالة الغير مفهومة من التضارب والإزدواجية الإجرائية والتنفيذية من جانب الحكومة فيما يتعلق بملفات قطاع الطاقة في مصر
حيث أننا على مدار تلك الفترة قد استمعنا وشاهدنا كل شيء ونقيضه في هذا الشأن، فباديء الأمر خرجت علينا رئاسة مجلس الوزراء في عام ٢٠١٥ لتُعلن عن أكتشاف حقل ظُهر ، والذي يُعد بالمناسبة أكبر حقل غاز في مصر تم اكتشافه في البحر الأبيض المتوسط بواسطة شركة إيني الإيطالية
ذلك الحقل الذي أكدت الحكومة أنه من أكبر الحقول المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط متجاوزاً حقل غاز ليفياثان الإسرائيلي، والتي أكدت حينها على أن بدء الإنتاج منه سيكون في ديسمبر ٢٠١٧، كما أكدت أن الاحتياطي المؤكد منه سيبلغ تقريبًا ٣٠ تريليون قدم مكعب، وهو بلا أدنى شك الامر الذي كان من المفترض أن يضاعف ثروة الدولة المصرية من الغاز الطبيعي.
بجانب أنه طبقا لتقديرات الشركة الإيطالية وقتها ، فكان من المفترض ان تستخرج الشركة نحو مليار قدم مكعب في السنة الأولى للإنتاج ، ترتفع تدريجيا حتى يصل إنتاج حقل ظهر لـ ٢.٥ مليار قدم مكعب في السنة في عام ٢٠١٩، وهو ما كان من المفترض أن يشكل نحو ٤٠٪ من إنتاج مصر من الغاز وفقا للخطة الموضوعة، بجانب تصدير جزء من إنتاج الحقل إلى أوروبا ودول الشرق الأوسط
ومن هنا بدأت الحكومة في إطلاق الوعود وزرع الأمال في انفُسنا جميعًا بإقتراب تواجد مصر على الخريطة العالمية للطاقة وتحول القاهرة لمركز إقليمى لتجارة وتداول البترول والغاز الطبيعى، وذلك من خلال أكثر من ١٢٠ اتفاقية جديدة مع الشركات العالمية باستثمارات تصل إلى ٢٢ مليار دولار من خلال تحقيق ما يقرب من ٤٤٨ كشفًا جديدًا ما بين عامي ٢٠١٤ -٢٠٢٢، منهم ٣١٥ زيت و ١٣٣ غاز
بجانب تأكيدات الحكومة مرارًا وتكرارًا خلال العامين الماضيين ٢٠٢٢/٢٠٢٣ على نجاح القطاع في زيادة قدراته الإنتاجية من الغاز لتصل إلى ٧ مليارات قدم مكعبة يوميًا، فضلا عن تمكُن الدولة المصرية خلال السنوات الماضية من توظيف اكتشافات الغاز في تعزيز الحصيلة الدولارية، إذ نتج عن إيقاف استيراد الغاز من الخارج بنهاية ٢٠١٨ على حد تصريحات الحكومة وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز، توفير مليارات الدولارات التي كانت مصر تنفقها على شراء الغاز الطبيعي، وأنه نتيجة اكتشافات الغاز تمكنت مصر من خلق فائض كبير في معروض الكهرباء
إلا أن تصريحات الحكومة يقابلها تضاد غير مسبوق على أرض الواقع، فالحقيقة العملية تُشير إلى عكس ما قد سبق إجماله شكلاً وموضوعًا، فعلى سبيل المثال أشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى تراجع قيمة صادرات الغاز الطبيعي والمسال بنسبة ٧٠٪ في مايو ٢٠٢٣ على أساس سنوي، وبنسبة ٧٦٪ في أبريل من نفس العام، بسبب تراجع أسعار التصدير والكميات على حد سواء
حيث أشارت بيانات شهر مايو من العام المذكور إلى تراجع إنتاج مصر من الغاز إلى ٥.٨ مليار قدم مكعبة يومياً، في أدنى مستوى منذ ثلاث سنوات، بعد أن وصل إلى ذروة ٧.٢ مليار قدم مكعب يوميا في سبتمبر ٢٠٢١، وهو ما شكل تراجعا عن ذروة الإنتاج بنسبة ٢٠٪ تقريبًا
ومن ثم بدأت الحكومة في يوليو ٢٠٢٣ تنفيذ خطة تخفيف أحمال الكهرباء، مبررة أن السبب وراء ذلك الأمر هو الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، وذلك وفق تصريحات رئيس مجلس الوزراء، الذي أكد على أن نظام تخفيف الأحمال وانقطاع الكهرباء في مدن وقرى مصر سيستمر ما دامت درجة الحرارة فوق ٣٥ درجة مئوية، على أن تنتهي تلك الخطة على أقصى تقدير منتصف سبتمبر ٢٠٢٣، وهو بالطبع ما لم يحدث حتى الأن ونحن في فصل الشتاء، بل زادت فترات الانقطاع بعدما كانت ساعة واحدة يوميًا، إلى ساعتين وفي في بعض الأماكن أكثر من ذلك
ونحن إذ نرجح أن من أهم أسباب تلك الأزمة هي تراجع الإنتاج، بجانب ان مصر مرتبطة بعقود تصدير الغاز لأوروبا وبالتالي فإنها اضطرت لتحويل جزء من الإنتاج المحلي إلى السوق الأوروبية حتى لا تتعرض إلى خسائر ومن أجل الوفاء بالتزاماتها الخارجية تجاه الدول المستوردة، وهو ما يعكس الوضع في هذا الشأن
إلا أن ما لفت انتباهنا آنذاك نفي رئيس مجلس الوزراء بشكل قاطع أن يكون سبب الإنقطاع هو تقلص إنتاج مصر من الغاز الطبيعي، وتأكيده على أن الإنتاج ثابت عند نفس الكميات، بجانب نفيه ما تردد عن وجود مشاكل في إنتاج الغاز الطبيعي من حقل ظهر بالبحر المتوسط
إلا أن تصريحات رئيس مجلس الوزراء لم تكن صحيحة بنسبة ١٠٠٪، حيث انخفض إنتاج حقل ظهر بنحو ٤٠٠ مليون قدم مكعبة يوميا، من الذروة التي وصل إليها في ٢٠١٩، ليصل في آخر البيانات إلى ٢.٣ مليار قدم مكعبة يوميا، وهو أحد الأسباب الرئيسية لهذا الانخفاض، وهو ما أرجعته شركة بي.أم.أي للأبحاث التابعة لفيتش سلوشنز إلى مشكلات متعلقة بتسرب للمياه في الحقل
وإذا افترضنا أن تصريحات رئيس مجلس الوزراء صحيحة وأن انتاج مصر من الغاز الطبيعي ثابت ولم يتأثر، وأن كل البيانات التي تؤكد عكس ذلك غير دقيقة، فبماذا نفسر ارتفاع واردات مصر من الغاز الطبيعي الإسرائيلي خلال الشهور القليلة الماضية
حيث أنه وفق أخر الاحصائيات فإن مصر تستورد أكثر من مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي من إسرائيل، وهي الكمية التي من المتوقع أن ترتفع بنحو ٢٦٪ لتصل إلى ١.٤٥٠ مليار قدم مكعبة يومياً خلال النصف الأول من العام المقبل ٢٠٢٥، عوضاً عن نحو ١.١٥ مليار قدم مكعبة يومياً خلال الفترة الحالية
جدير بالذكر أن كميات الغاز الإسرائيلية الموردة إلى مصر قد تجاوزت حالياً مستويات ما قبل الحرب على غزة، حيث ارتفعت خلال يناير ١٥٪ على أساس شهري لتسجل نحو ١.١٥ مليار قدم مكعب يومياً، فلا نعلم عن أي ثبات في معدلات الإنتاج يتحدث السيد رئيس الوزراء في ضوء ما قد سبق من معطيات
كما نود أن نُشير إلى إجراء غير مفهوم على الاطلاق قامت به الحكومة خلال الشهور الماضية، فبعد أن بدأت وزارة البترول والثروة المعدنية منتصف نوفمبر الماضي في شحن أول شحنة غاز مسال من محطة الإسالة التابعة لها في منطقة إدكو، بعد توقف مصر عن تصدير الغاز منذ يونيو ٢٠٢٣، بإعتبار مصر من الدول المُصدرة للغاز المسال، تفاجئنا في الشهر ذاته بأن مصر تستقبل أول شحنة غاز طبيعي مسال، من أجل تلبية احتياجاتها المحلية من الوقود في ظل انخفاض الإنتاج المحلي
أما عن حقل نرجس، فقد أعلنت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية "إيجاس" في يناير 2022، تحقيق كشف جديد للغاز الطبيعي في منطقة امتياز نرجس البحرية بالبحر المتوسط، والذي أُعلن أنه أكبر من حقل ظُهر، حيث قُدرت احتياطياته بنحو 2.8 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
ولكن الغريب انه لم يعلن بشكل واضح منذ اكتشافه من العام الأسبق عن موعد بدأ الإنتاج به حتى الآن!.
ليس ذلك فحسب بل إنه وفق أخر المعلومات فأن مصر تستعد حاليًا في ظل وصول معدل صادراتها من الغاز المسال إلى ٠٪ إلى التعاقد على كميات أخرى من الغاز المسال خلال الأونة المقبلة، وهو ما يُنذر بنية الحكومة استئناف خطة تخفيف أحمال الكهرباء خاصة أننا على مشارف بداية فصل الصيف
هذا من ناحية، أما من ناحية أخرى فوفقًا لما يتم تداوله من معلومات فأن الحكومة المصرية تستعد وتسعى بكل السُبل في الوقت الحالي للتعاقد على ناقلات ومحطات غاز طبيعي مسال عائمة للمساعدة في استيراد كميات أكبر من الغاز الطبيعي في سبيل تكثيفه، وذلك مواجهة الأزمة الغير مفهومة التي تواجه الدولة المصرية حاليًا في مسألة الغاز الطبيعي والمسال
على الرغم من أنه في عام ٢٠١٨ أعلنت وزارة البترول مغادرة أخر ناقلة ومحطة للغاز الطبيعي المسال هوغ غالانت مرساها في مصر، والتي كانت تُستخدم كمرفأ عائم للاستيراد منذ عام ٢٠١٥، لتبحر صوب منشأة الإنتاج سابين باس في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك بعدما تمكنت مصر آنذاك من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي بعد اكتشاف حقل ظهر
تلك الإجراءات التي نرى بكل شفافية ووضوح أنها إجراءات تخبطية متذبذبة ستكلف خزينة الدولة ملايين بل مليارات الدولارات في سبيل تنفيذها، في حين أننا كنا في غنى عنها من الأساس، كما انها إن نمت فإنها لا تنُم سوى عن سوء الإدارة ووجود حالة من العِند في تنفيذ استراتيجيات مدروسة لتحسين أوضاع ذلك القطاع بشكل علمي وعملي صحيح
:وفي ضوء ما سبق فإننا نود إستيضاح الأتي
١- على أي أساس تطلق الحكومة الوعود والشعارات الرنانة بتحول مصر لمركز إقليمي للطاقة في ضوء ما سبق من معطيات سلبية ؟
٢- ما هي الأسباب الحقيقية لتراجع إنتاج الغاز بشكل عام وبحقل ظهر بشكل خاص ؟ وما هي سُبل معالجة تلك الأزمة ؟
٣- لماذا إلى الآن لم يتم إعلان موعد الإنتاج من حقل نرجس بشكل واضح؟ ولما التوقف حتى الآن ونحن بحاجة للغاز في ظل الأزمة التي نمر بها منذ العام الماضي بدلاً من الاستيراد؟
٤- ما هي خطة الحكومة بشأن إنهاء خطة تخفيف أحمال الكهرباء على المدى القريب ؟