«القبيلة» هى البوابة الوحيدة للعبور إلى مقاعد البرلمان فى قنا، فالمعركة الانتخابية بين المرشحين تحكمها الانتماءات القبلية، الموزعة بين القوى الثلاث الكبرى هناك، العرب والأشراف والهوارة، وهى معركة لا تعرف المهادنة، ولا يمكن لأى تقسيم جغرافى للدوائر الانتخابية أن يتجاهلها، لأن الثمن وقتها سيكون بحوراً من الدماء، ربما تمتد إلى المحافظتين المجاورتين، سوهاج والأقصر، اللتين يمتد فيهما أبناء القبائل القناوية.
ورغم وجود خلافات وصراعات بين أبناء وبطون كل قبيلة، فإن الانتخابات وحدها قادرة على إخراس تلك الخلافات طوال فترة المعركة الانتخابية، فجميع أبناء القبيلة يركزون على دعم مرشحهم، لأن المقعد الذى سيجلس عليه تحت القبة، هو «مقعد الهيبة» للقبيلة، فهكذا اعتادوا على مدار سنوات طويلة، تحت حكم الحزب الوطنى المنحل، الذى عمل على تعميق الخلافات القبلية، وكانت اختياراته تأتى دائماً على أساس قبلى، وتحت شعار: «لا صوت يعلو فوق صوت القبيلة». ونجح «الوطنى المنحل» باختياراته القبلية فى تأجيج صراع العصبية بين القبائل، ليصل إلى حد الخصومات الثأرية، التى تركت آثاراً بالغة فى نفوس أبناء القبائل، فكل منهم يعتبر قبيلته أعلى شأناً من الأخرى، وأن قبيلته هى الأحق بمقعد «السيادة» فى البرلمان، كما أدت الخلافات الثأرية بين القبائل على صناعة دوائر ملتهبة، خاصة فى دشنا ونجع حمادى.
وتعتبر دائرة نجع حمادى أكبر دوائر الصراع الدموى بين القبائل، والتى يتصارع عليها أبناء العرب والهوارة، ومرشحوهم من رجال الجيش والشرطة، أما ثانية دوائر العنف والقبلية فى قنا، فهى الدائرة الأولى، ومقرها مركز قنا، ويدور الصراع فيها بين العرب والأشراف والحميدات «أحد بطون هوارة»، وتتمسك «الأشراف» دائماً بالحصول على مقعد فى الدائرة الثانية، ونفس الأمر بالنسبة للعرب المتمركزين فى قرى الجبلاو وغرب النيل. وفى الانتخابات المقبلة، يختلف الصراع على مقاعد الدائرة السابعة، ومقرها دشنا والوقف، عن غيره من الصراعات السابقة، فالاتفاق السابق بين المركزين، والذى يعطى دشنا مقاعد «الشعب»، مع تقاسم مقاعد «الشورى» بينهما، أصبح مُلغى بعدما ألغى الدستور الجديد مجلس الشورى، وأصبح الموقف أكثر صعوبة، بسبب اختلال ميزان الكتل التصويتية فى الدائرة لصالح دشنا، التى تمتلك 212 ألف صوت، مقابل 57 ألفاً فقط للوقف.
أما الدائرة الخامسة، ومقرها مركز فرشوط، والتى منحها التقسيم الجديد مقعداً برلمانياً لأول مرة، فيحلم المرشحون الجدد فيها بتحقيق حلم الفوز بالمقعد، بعدما أصبح الطريق مفتوحاً أمامهم بوفاة البرلمانى السابق عبدالرحيم الغول، ويأمل أبناء المركز أن تجرى الانتخابات دون أن تعمّق الصراع الثأرى بين أكبر عائلتين فيها، السحالوة والمخالفة، وهو صراع امتد لسنوات طويلة دون أن يتمكن أحد من إيقافه. وتعتبر الدائرة السادسة، ومقرها مركز أبوتشت، أكثر الدوائر هدوءاً فى قنا.
من ناحية أخرى، تعتبر دائر أبوتشت، التى تقع على الحدود بين قنا وجارتها الشمالية محافظة سوهاج، من أكثر الدوائر هدوءاً، ولا تشهد خلافات انتخابية قوية، مثل الدوائر الأخرى، ويطلق عليها المراقبون «دائرة التغيير»، وذلك لارتفاع الوعى الثقافى والانتخابى بها.
ودائماً ما يمارس أبناء «أبوتشت» العملية الانتخابية بشىء من الوعى وكثير من الهدوء، ورغم التكوين القبلى من «العرب» و«الهوارة»، فإنها أقل حدة من نجع حمادى ودشنا، اللتين تحكمهما العصبية القبلية، فأهالى «أبوتشت» دائماً ما يرجحون كفة من يقدم لهم خدمات أكثر بعيداً عن النظرة القبلية. ووفق التقسيم الجديد، فدائرة «أبوتشت» هى الدائرة السادسة، وخُصص لها مقعدان، يتنافس عليهما 29 مرشحاً فردياً، وتنحصر التكتلات التصويتية بين قبائل «السماعنة» و«الوشاشات» و«القليعات».