كتب محمود حسن
هناك أمور هى خط أحمر لدى أى شعب من الشعوب، الطعام بالتأكيد أول هذه الأمور، فإذا نزل الناس ليشتروا الطعام ولم يجدوه فهذه كارثة، هى أكبر من زلزال أو بركان أو حرب، "فما بالك إذا كان هذا الطعام موجهًا لأطفال أبرياء لا يعرفون شيئًا عن الحياة بعد، وكل ذنبهم فى الحياة أنهم ولدوا فى وقت تتولى فيه حكومة تفشل فى توفير الغذاء لهم؟!".
المشكلة أن أزمة ألبان الأطفال التى انفجرت فى وجهنا صباح اليوم، لم تكن أمرا مفاجئا، لم يستيقظ وزير الصحة ليجد أن لبن الأطفال فى المخازن لم يعد موجودًا، بل هى أزمة مستمرة منذ شهور طويلة، فالطوابير على منافذ الألبان المدعمة، والممتدة عشرات الأمتار، كان يراها كل من امتلك عينين منذ أيام طويلة، وبالتأكيد أرسلت بها تقاريرا وتقاريرا من مسؤول إلى المسؤول الأعلى، ثم المسؤول الأعلى، وهكذا، ولكن النتيجة والمحصلة النهائية لا شىء.
طوابير ألبان الأطفال ليست طوابيرا عادية، هى طوابير لا تبدأ صباحا ككل الطوابير التى اعتاد المصريون الوقوف فيها أمام كل المصالح، بل هى طوابير تبدأ منذ منتصف الليل، يبات لها الأهالى أمام صيدلية الإسعاف فى شارع رمسيس المكدس المعفر الملىء بعوادم السيارات، أو فى الكورنيش حيث الهواء البارد الذى قد يصيبك بنزلة شعبية تقضى على حياتك فى أقل من أسبوع، يعانى هؤلاء ولا مجيب.
فى مصر يبدو أن حكومة السيد شريف إسماعيل تعتمد على سياسة "ربنا هيحلها من عنده"، أو يبدو أن الحكومة ترى فقط أن دورها فى الحياة أن تأخذ من المواطنين لا تعطى!، فها هى الحكومة تتقدم بمشاريع "جباية" للبرلمان كل يوم، مرة ضريبة القيمة المضافة، وأخرى رسوم لدعم صندوق رعاية القضاء، ومرة أخرى رسوم لرعاية أسر الشرطة، وتقدم برنامجًا "تقشفيًا" يعتمد على تخفيض الدعم دون أن تقول لنا ماذا ستفعل بالفقراء، لكن أن تعطى هذه الحكومة، أن تقوم بدورها، أن توفر الأمان للمواطن، بل للطفل مستقبل هذا البلد فيبدو أن الحكومة لا تعرفه.
الحكومة تعرف فقط كيف "تعكنن" على المواطن، فالسيد وزير الصحة يعرف مثلًا أن يرفع سعر الدواء على المواطن، لكن أن يوفر له الدواء فلا، يدور الناس أياما ليبحثون عن أدوية تشفى آلامهم دون فائدة، حتى "المحاليل الطبية" لا يجدها المريض.
يعرف السيد الوزير مثلا أن يتحدث فى الإعلام عن مشروع الكروت الممغنطة، وأن يملأ حياتنا بتصريحات وردية أن أزمة ألبان الأطفال حلت، لكن أن تحل الأزمة على أرض الواقع، أن يتوافر الحليب لهؤلاء الأطفال، فيبدو أن هذا الأمر لا يعرفه الوزير.
ما حدث اليوم هو ناقوس خطر يدق فى رأس كل مسؤول فى هذا البلد، هذا أمر جلل، وهؤلاء مستقبل مصر القادم، ومستقبل مصر لا يجب أن يبدأ حياته جائعا، باكيا، محمولا على كتف أم مكلومة، تقطع الطريق كى تأتى له بالطعام.