قال السفير بدر عبد العاطى، سفير مصر لدى ألمانيا، إن زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى برلين اليوم، ستعطى دفعة جديدة للعلاقات التى أخذت منحى متميزا بين مصر وألمانيا خلال العامين ونصف العام الماضية، حيث التقى الرئيس السيسى والمستشارة أنجيلا ميركل خلال هذه الفترة 6 مرات، كان آخرها مارس الماضي، وهى الزيارة التى شهدت افتتاح ثلاث محطات عملاقة للطاقة الكهربائية تنفذها شركة سيمنز فى مصر، كما شهدت اجتماع ممثلى مجتمع الأعمال المصرى الألماني، والذى شارك فيه رؤساء كبرى الشركات الألمانية الذين يرافقون المستشارة الألمانية خلال زيارتها لمصر، بالإضافة إلى عدد من رجال الأعمال المصريين، كما شهدت تقاربا فى وجهات نظر البلدين فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب والهجرة غير المشروعة.
وأضاف "عبد العاطى" فى تصريحات للوفد الإعلامى المرافق للرئيس السيسى فى زيارته المرتقبة لبرلين، أن هذه التطورات ساعدت على تطور وتنامى أطر التعاون الثنائى فى مختلف المجالات، فضلاً عن التنسيق والتعاون الوثيق بشأن التحديات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وهو أحدث طفرة نوعية فى العلاقات المصرية- الألمانية لتستند لأول مرة على أسس حقيقية وواقعية.
وأشار إلى أن الجانبين أدركا أن هناك احتياجا مشتركا كل منهما للآخر، حيث تحتاج مصر إلى الاستثمارات والسياحة الألمانية إلى جانب توطين التكنولوجيا والمساعدة فى التعليم الفنى وبرامج التدريب وتأهيل الأيدى العاملة، بينما تحتاج ألمانيا مصر كداعم للاستقرار فى المنطقة وكخط دفاع أول ضد الإرهاب.
وأكد أن الجانب الألمانى أصبح لأول مرة مقتنعا بالطرح المصرى فيما يتعلق بأفكار الإرهابيين وسبل مواجهة الإرهاب ووقف تمويله، وأن ما تقوم به مصر من وقف أنشطة الإرهابيين فى ليبيا هو فى مصلحة ألمانيا، وقال إن الكلمة التى ألقاها الرئيس السيسى فى قمة الرياض حول الإرهاب كانت بمثابة خطة عمل واضحة لمكافحة الإرهاب.
وأوضح أن زيارة شيخ الأزهر لألمانيا مرتين خلال العام الحالى وجهود الأزهر لمكافحة الفكر المتطرف تلقى تقديرا فى ألمانيا، كما لقيت مبادرة شيخ الأزهر بتقديم منح لتدريب أئمة المساجد فى ألمانيا بالأزهر لتبنى الإسلام الوسطى والابتعاد عن الأفكار المتطرفة تقديرا كبيرا، مشيرا إلى أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تؤمن بدور الأزهر فى مواجهة الفكر المتطرف، وقدرته على التصدى للتشدد والإرهاب.
ويصل الرئيس عبد الفتاح السيسى اليوم، الأحد، إلى برلين، للمشاركة فى أعمال القمة التى تنظمها الرئاسة الألمانية لمجموعة العشرين للشراكة مع إفريقيا تحت شعار "الاستثمار فى مستقبل مشترك"، إلى جانب المنتدى الاقتصادى والاستثمارى المصرى الألمانى.
وقال "عبد العاطي"، إن أوروبا بشكل عام وألمانيا بشكل خاص بدأت تشعر بقلق شديد من تدفق اللاجئين والمهاجرين خاصة من القارة الإفريقية الذين يبحثون عن فرص لحياة أفضل، وتزايدت هذه المخاوف مؤخرا بعد أن أصبحت ليبيا معبرا للاجئين الأفارقة إلى أوروبا، ما زاد من نشاط شبكات الاتجار بالبشر، موضحا أن ألمانيا ترى أن مصر يمكن أن تشكل خط دفاع أيضا لحمايتها من الهجرة غير المشروعة سواء بمنع هذه الهجرات ومراقبة المنافذ البحرية، أو عن طريق مواصلة جهودها البناءة لإعادة الاستقرار إلى ليبيا لقطع الطريق أمام شبكات الاتجار بالبشر.
وتابع عبد العاطى: "هناك إدراك فى ألمانيا بأن مصر أصبحت طرفا أساسيا للحفاظ على الاستقرار فى حوض البحر المتوسط ومنطقة شمال إفريقيا وهى المنطقة الجنوبية لأوروبا، والدليل على هذا الإدراك تكثيف الاتصالات بين الزعامتين فى البلدين، وهذا يحدث للمرة الأولى فى تاريخ العلاقات بين البلدين".
وأشار إلى أن هذه العلاقات اتسمت أيضا بالتنوع، فلم تعد تقتصر فقط على الجوانب السياسية والأمنية، وإنما امتدت إلى المجالات التجارية والاستثمارية والتقنية والتدريب، حيث تم الاتفاق لأول مرة على تنفيذ برنامج متكامل للتعاون فى مجال التعليم الفنى والتدريب المهني، كما زار وزير الزراعة الألمانى مصر لأول مرة حيث بحث نقل التقنيات الألمانية المتقدمة فى مجال الزراعة والإنتاج الحيوانى للمساعدة فى سد الفجوة الغذائية فى مصر، كما أقامت شركة "سيمنز" فى مصر أكبر مركز تدريب فى مجال الطاقة، وكذلك أكبر مركز لصيانة التوربينات وتلقى التدريب فيه حتى الآن 600 مهندس مصري.
وتوقع سفيرنا فى برلين زيادة حجم السياحة الألمانية لمصر خلال الفترة المقبلة، مضيفا:"ألمانيا هى الدولة الوحيدة فى أوروبا التى لم تتخذ أى إجراء عقابى يتعلق بحظر السفر إلى مصر بعد حادث الطائرة الروسية، وهناك 400 ألف سائح ألمانى زاروا مصر من يناير حتى مايو 2017، وزارها فى إبريل الماضى وحده 100 ألف سائح، ومن المتوقع أن يبلغ إجمالى عدد السائحين الألمان فى مصر مليون سائح بنهاية العام الحالي"، مشيرا إلى مشروع مصر الطموح لإنشاء وكالة لعلوم الفضاء.
وقال إن ألمانيا يمكن أن تقدم مساعدات وخبرات مهمة فى هذا المجال، مما يعنى أن التعاون لم يعد قاصرا على القضايا السياسية والأمنية، رغم أهمية التعاون الأمنى حيث تم لأول مرة توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين لتدريب قوات الأمن المصرية على مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، كما عقدت فى مايو الماضى لأول مرة جلسة مشاورات رسمية لمكافحة الإرهاب.
وفيما يتعلق بمشاركة الرئيس السيسى بالقمة المصغرة التى دعت إليها المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل" للشراكة فى إفريقيا، قال إن الرئيس السيسى سيشارك ضمن مجموعة من رؤساء دول وحكومات الدول الإفريقية الرائدة تضم تونس والسنغال وغانا وغينيا وكوت ديفوار ومالى والنيجر ورواندا، بالإضافة إلى رؤساء البنك الدولى وصندوق النقد الدولى وبنك التنمية الإفريقي.
وسيلقى الرئيس أمام القمة كلمة حول الرؤية المصرية للتحديات التى تواجهها القارة الإفريقية، كما سيشارك الرئيس السيسى فى جلسة نقاشية مع الزعماء الأفارقة بدار المستشارية الألمانية تستضيفها المستشارة ميركل حول الاستثمار الخاص فى قطاع البنية التحتية فى إفريقيا وعلاقات الشراكة بين القطاع الخاص والقطاع العام فى تطوير مشروعات البنية التحتية فى القارة، حيث سيلقى مداخلة فى هذه الجلسة، ويشارك فى مائدة مستديرة حول الاستثمار الخاص فى البنية التحتية بالدول الإفريقية، فضلا عن عدد من رؤساء الشركات الألمانية فى ذات الجلسة من بينهم رئيس شركة سيمنس جو كيزر الذى سيركز على مشروعات الشركة فى مجال الطاقة فى مصر كنموذج يحتذى به للشراكة مع الحكومة والقطاع الخاص المصري، مشيرا إلى أن مصر يمكن أن تلعب دورا كبيرا فى دفع التجارة والاستثمارات الألمانية فى القارة الإفريقية، باعتبارها بوابة لأسواق إفريقيا، كما تربطها بالدول الإفريقية اتفاقيات فى إطار التجمعات الاقتصادية الثلاث، إلى جانب كون مصر ذاتها موقعا جاذبا للاستثمارات خاصة بعد صدور قانون الاستثمار الجديد، مشيرا إلى وجود فرص واعدة أمام الشركات الألمانية للاستثمار فى مصر، مع تنفيذ العديد من المشروعات العملاقة خاصة فى محور قناة السويس، مؤكدا أن أعلى نسبة ربحية للشركات الألمانية فى العالم تحققها فى مصر بما يصل إلى 36%.
ويشارك الرئيس السيسى فى الجلسة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادى المصرى الألمانى، وسيشهد التوقيع على محضر أعمال اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، ويستهدف المنتدى تعزيز التعاون الاستثمارى المشترك وإقامة المزيد من المشروعات المصرية الألمانية التى تصب فى مصلحة البلدين، إضافة إلى بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين والفرص الاستثمارية المتاحة بالسوق المصرى حاليا.
وأضاف عبد العاطى عن الزيارة تتضمن جانبا ثنائياً مكثفاً فى ضوء خصوصية العلاقات الثنائية المصرية- لألمانية، وتطوراتها الإيجابية الملحوظة خلال الفترة الأخيرة، حيث تستقبل المستشارة الألمانية الرئيس السيسى بدار المستشارية لعقد مباحثات ثنائية موسعة وهى المباحثات التى ستتطرق إلى مختلف مجالات العلاقات الثنائية فى مختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية والأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط وغيرها من الموضوعات والقضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك وعلى رأيها مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية.
ويستقبل الرئيس السيسى بمقر إقامته فى برلين عددا من وزراء الحكومة الألمانية من بينهم نائب المستشارة الألمانية ووزير الخارجية زيجمار جابرييل ووزيرة الاقتصاد والطاقة بريجيتا تسيبريس ووزير التعاون الاقتصادى والإنمائى جيرد مولر، فضلاً عن وزير الداخلية توماس دى ميزيير وزعيم الأغلبية البرلمانية فى البوندستاج فولكر كاودر.
من ناحية أخرى، كشف السفير بدر عبد العاطى، سفير مصر فى برلين، عن أن أجهزة الاستخبارات الألمانية بدأت فى تعقب ورصد تحركات وأنشطة مريبة لجماعة الإخوان المسلمون فى القطاع الشرقى من ألمانيا الذى كان يمثل فى السابق وقبل الوحدة دولة ألمانيا الشرقية ذات النظام الشيوعي.
وأضاف "عبد العاطي"، أن أجهزة الأمن الألمانية رصدت مؤخرا مجموعة من التحركات والأنشطة المريبة التى تقوم بها جماعة الإخوان فى القطاع الشرقى من ألمانيا مثل بناء المساجد وضخ أموال، وكان اللافت للانتباه أن هذا الجزء من ألمانيا كان خاضعا فى الماضى تحت حكم النظام الشيوعى فى عهد الاتحاد السوفيتى السابق، وكان المواطنون فى ألمانيا الشرقية السابقة بعيدين عن الدين وينتهجون أفكارا علمانية، كما أنه لا توجد فى هذه المنطقة سكان مسلمون يعيشون فيها بحيث يحتاجون إلى بناء مساجد أو تواجد ممثلين للإخوان فيها.
ونوه إلى وجود تقرير أمنى يشير إلى زيادة دور جماعة الإخوان فى القطاع الشرقى من ألمانيا، مما بات يثير قلقا شديدا لدى الأجهزة الأمنية الألمانية، وأصبح هناك اقتناعا كبيرا لدى الجانب الألمانى بأن كل الجماعات المتطرفة باسم الدين خرجت من عباءة واحدة هى الإخوان، وقال إنه بعد أن كان الألمان ينظرون إلى الإخوان كجماعة سياسية ينبغى دمجها فى الحياة السياسية والعمل الحزبى، أصبحوا الآن ينظرون إليها كجماعة متطرفة.
وأضاف "عبد العاطى" أن هذا التطور جاء بعد أن أصبحت تنظيمات محسوبة ومرتبطة الإخوان مثل (حسم) وغيرها تعلن عن تنفيذ عمليات إرهابية، مما قدم دليلا دامغا على ارتباط الإخوان بالعنف والإرهاب، وهو الدليل الذى كانت تتطلبه بعض العواصم الغربية.