بالتزامن مع احتفالات تحرير مدينة الموصل العراقية من قبضة تنظيم داعش، وفى وقت ترفع فيه الدول الأوروبية حالة التأهب على حدودها وداخل أجهزتها الأمنية تحسبًا لعودة آلاف المقاتلين الأجانب من صفوف التنظيم إلى بلدانهم وتنفيذ عمليات انتقامية، حذرت العديد من مراكز الأبحاث والدوائر الرسمية وشبه الرسمية فى أوروبا من خطورة مراكز الاعتقال والاحتجاز، مؤكدة أنها تعد من أهم عوامل نشر التطرف لاختلاط المسجونين الجنائيين مع متهمين بالإرهاب وقيادات فى تنظيمات إرهابية.
وفى مقال بصحيفة فاينانشال تايمز البريطانية، حذر جواد إقبال، الباحث بمعهد الشئون الدولية فى كلية لندن للاقتصاد من خطورة تعرض المعتقلين داخل السجون فى مختلف أنحاء العالم إلى التشدد، قائلا إن التشدد فى السجون تزداد وتيرته وخير دليل على ذلك ارتفاع أعداد المهاجمين المتشددين الذين قضوا فترة عقوبة فى السجون.
وسلط الباحث الضوء على الذئاب المنفردة وكيفية استقطابهم، مشيراً إلى أن 60% من السجناء فى فرنسا على سبيل المثال والبالغ عددهم 70 ألف شخص ينحدرون من أصل مسلم، موضحا أن أمادى كوليبالى الذى قتل أربع يهوديين فى متجر بفرنسا، وشريف كواتشى أحد الأشقاء الذين نفذوا الهجوم على مجلة شارلي إيبدو، كانا عرضة للتطرف داخل السجون الفرنسية، ويوجد أشخاص آخرون يعتقد أنهم اعتنقوا التشدد داخل السجن، بينهم محمد مراح، مسلح تنظيم القاعدة الذي نفذ هجمات 2012، ومهدي نموش الذي دبر هجوم 2014 على المتحف اليهودي في بروكسل.
أما بريطانيا فتواجه أيضًا مشكلة متزايدة إذ تظهر أرقام وزارة العدل أن هناك أكثر من 12 ألف سجين مسلم فى انجلترا وويلز، وجهت اتهامات تتعلق بالتشدد لحوالى 131 منهم، وأكد محققو الإرهاب مؤخرا أن منفذ هجوم مانشستر، سلمان عابدى (الذى أسفر عن مقتل 22 شخصا) قام بزيارة متطرف مسجون مرتين فى الأشهر التى سبقت الهجوم.
واعتبر الكاتب أن الصعوبة تكمن فى كيفية وقف هؤلاء المتطرفين من تسميم عقول الآخرين، وتعتقد الحكومة البريطانية أن الجواب هو الاحتفاظ بالسجناء المتطرفين في وحدات متخصصة، يطلق عليها اسم "سجون داخل السجون"، لمنعهم من التأثير على الآخرين، وقد تم إنشاء أول وحدة من هذا النوع فى سجن "فرانكلاند" بالقرب من دورهام شمال شرق انجلترا، ومن المتوقع افتتاح مركزين آخرين فى الأشهر القادمة.
وأضاف الباحث أن قانونية مثل هذا التحرك أمر مشكوك به، وربما تواجه تحديا فى المحاكم، معتبرا أن نتيجة ذلك غير مضمونة، ويرى منتقدون لهذا الاتجاه أن احتجاز المتشددين أو الإرهابيين فى وحدات خاصة ربما ينشئ "الكاتراز إسلامى"، فضلا عن أنه يسمح لأكثر المتشددين خطورة أن يبنون شبكات أقوى داخل السجون.
واعتبر الكاتب أن القادة الحاليين لداعش والقاعدة، وهما اثنان من أخطر الإرهابيين فى العالم، يدينان بتعليمهما بشأن عمليات القتل إلى الوقت الذى قضياه فى السجن، وأوضح أن التشدد يعد خيطا مشتركا فى الفكر الجهادى الحديث.
وأشار الكاتب إلى أن زعيم داعش أبو بكر البغدادى الذى أعلن قبل يومين مقتله دون تأكيد، يبدو أنه تشدد أيضا فى سجن معسكر بوكا بالعراق، الذى يعد مدرسة للمتشددين فى عهد ما بعد صدام حسين.