- تحديد "الإجراءات التحفظية الممنوحة لمأمورى الضبط القضائى
- وجود قصور تشريعى فيما يتعلق بالتعويض عن الحبس
- اقتراح بدفع الكفالة عن طريق شيك بنكى
- عدم الدستورية تشوب حرمان الممنوع من التصرف فى أموال من الطعن إلا بعد مرور 3 أشهر
- النيابة العامة وحدها هى صاحبة الحق فى طلب الإحالة لقاضى التحقيق
- قاضى التحقيق ليس له سلطة قضائية ولا يجوز منحه سلطات أوسع من النيابة العامة
- مخاوف من إمكانية الحكم بإدانة متهم لم يثبت علمه الشخصى بالجلسة
- تعارض بين المادة 377 من مشروع القانون والمادة 419 من قانون المحاماه فيما يتعلق بالمرافعة أمام "الجنايات"
حصل "برلمانى"، على نص ملاحظات وتعديلات مجلس الدولة برئاسة المستشار أحمد أبو العزم، على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، والذى أُجرى عليه تعديلات فى أكثر من 350 موضعًا، تنوعت ما بين استبدال مواد وفقرات وعبارات وكلمات، وإضافة مواد وفقرات، وحذف أخرى.
ورأى قسم التشريع بالمجلس أنه من الأوفق تشريعيًا إعداد مشروع قانون جديد متكامل، يستوعب كافة التعديلات التى جرت على القانون منذ صدوره عام 1950، وتلك التى يستهدفها مشروع التعديل الحالى، وذكر أن "هذه مسألة تقديرية للمشرع".
وقام القسم بمراجعة مشروع القانون، وكشف عما يقرب من 90 ملاحظة، وأجرى بعض التعديلات بالحذف أو الإضافة لضبط أحكامه مع الدستور، وأحكام المحكمة الدستورية العليا، وضبط صياغة النصوص لتنقيتها من أية شبهات دستورية.
المشروع راعى ما استحدثه دستور 2014
ونوه مجلس الدولة فى مذكرته المرسلة لمجلس الوزراء، إلى أن المشروع المعروض راعى ما استحدثه الدستور الحالى من أحكام، سواء فيما يتعلق بحقوق المتهمين والشهود، أو اختصاص النيابة العامة بتحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، كما جعل المشروع التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق طريقاً استثنائياً على الاختصاص الأصيل للنيابة العامة بأن أفرد للنيابة الأحكام المنظمة لإجراءاتها، ثم تلا ذلك بأحكام قاضى التحقيق، كما نظم استئناف الجنايات على درجتين والتعويض عن الحبس امتثالاً للتوجه الدستورى، وهى أمور كانت لازمة ليكون قانون الإجراءات الجنائية موافقاً للدستور.
صلاحيات لمأمورى الضبط القضائى
وجاءت أبرز ملاحظات القسم ما تضمنته المادة 41 من مشروع القانون المقترح، حيث نصت على أنه "لا يجوز حجز أو حبس أى إنسان إلا فى الأماكن والسجون المخصصة لذلك، ولا يجوز لمأمور السجن.. قبول أى إنسان فيه إلا بمقتضى أمر قضائى موقع عليه من السلطة المختصة"، فأضاف القسم عبارة إلى بداية المادة، وهى "فيما عدا الأحوال التى يجوز فيها لمأمور الضبط القضائى الاحتجاز"، تداركاً للحالات التى يتم فيها تقييد حرية الشخص سواء بالقبض أو الاحتجاز بمعرفة مأمور الضبط القضائى قبل صدور أمر قضائى، كما هو الحال فى حالات التلبس، وكما هو الحال فى المادة 40 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 التى تعطى لمأمور الضبط القضائى سلطة احتجاز المتهم لمدة 24 ساعة.
وفيما يتعلق بالمادة 45 والتى حظرت على أفراد السلطة العامة دخول المساكن، بصفة عامة إلا بإذن قضائى، فيما عدا حالة طلب المساعدة من الداخل، أو حالة الضرورة وحالة الخطر، وقام القسم بحذف عبارة "أو فى حالة الضرورة"، اتساقاً مع ما ورد بنص المادة "58" من الدستور، والتى قصرت دخول المنازل وتفتيشها بغير إذن قضائى على حالتى الخطر والاستغاثة، وليس من بينها حالة الضرورة، والتى لا ضابط لمداها، حتى لا يدخل النص فى دائرة شبهات عدم الدستورية.
تحديد الإجراءات التحفظية
واقترح مجلس الدولة، تحديد "الإجراءات التحفظية" المنصوص عليها فى المادة 49 من مشروع القانون، والتى تجيز لمأمور الضبط القضائى اتخاذها فى حالة الاشتباه فى متهم أو شخص، وذلك لإحداث توازن بين الحرية الشخصية وبين حق الدولة فى اتخاذ ما يلزم من إجراءات لتوفير الأمن العام.
ورأى قسم التشريع، أن إجازة استجواب المتهم دون حضور محاميه فى الجنح، تعتريه شبهات عدم الدستورية، لمخالفته حكم المادة 54 من الدستور التى أكدت على عدم التحقيق مع المقبوض عليه إلا فى حضور محامى.
واقترح قسم التشريع، برئاسة المستشار مهند عباس، نائب رئيس مجلس الدولة، تحديد حد أقصى للمدة التى يجب عرض المتهم المقبوض عليه خارج دائرة النيابة المختصة على هذه النيابة، حتى لا تكون مطلقة، وأن يبين الأثر المترتب على مجاوزة هذا الميعاد ولا سيما فيما يتعلق بالحبس الاحتياطى، وأن يبين حكم هذه المدة، كما لاحظ أن المادة 116 أعطت فى فقرتها الأولى للنيابة العامة سلطة الحبس 4 أيام تبدأ من تاريخ تسليم المتهم إلى النيابة العامة، إذا كان مقبوضًا عليه من قبل، ولم تبين الحكم إذا زادت المدة من تاريخ القبض إلى تاريخ التسليم، على 4 أيام، كما لو قبض على المتهم فى محافظة بعيدة عن المحافظة التى بها النيابة المختصة، واستغرقت مدة ترحيله أكثر من 4 أيام.
سداد الكفالة عبر شيك بنكى
وفيما يتعلق بالكفالة، اقترح القسم إدخال تعديل على المادة 135 والتى حددت طرق سداد الكفالة من المتهم أو غيره، بأن يتضمن النص إمكانية سداد الكفالة بموجب شيك بنكى مقبول الدفع أو خطاب بنكى، كوسائل بديلة للدفع النقدى، وذلك تيسيرًا على المتهمين سيرًا على نهج المشرع فى التيسير.
ورأى القسم أن حرمان من صدر ضده حكم بمنعه من التصرف فى أمواله أو إدارتها من التظلم منه إلا بعد انقضاء 3 أشهر من تاريخ صدوره، أو من تاريخ رفض التظلم، قد تعتريه شبهة عدم الدستورية، لمخالفته حكم المادة 97 من الدستور والتى تنص على أن التقاضى حق مصون ومكفول للجميع، حيث وجد القسم أن المادة 151 المقترحة فى القانون الجديد، نصت على أن يكون التظلم بعد انقضاء 3 أشهر من تاريخ الحكم.
وتبين أن المادة 170 نصت فى فقرتها الأولى على أن "للمدعى بالحقوق المدنية الطعن فى الأمر الصادر من النيابة العامة، بأن لا وجه لإقامة الدعوى.."، ولم يمنح النص المتهم حق الطعن على ذات القرار.
وذكر قسم التشريع، أن هذا النص غير دستورى فيما تضمنه من حرمان المتهم من الطعن على الأمر الصادر بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية، ولا سيما فى حالة عدم الأهمية، وذلك على سند من أن المدعى بالحق المدنى والمتهم طرفان فى خصومة جنائية واحدة.
النيابة العامة تختص بتحقيق وتحريك الدعوى الجنائية
أشارت إلى أن الدستور الجديد نص لأول مرة على اختصاص النيابة العامة بتحقيق وتحريك ومباشرة الدعوى الجنائية، وأصبح لا يجوز لغيرها مباشرة شىء من هذا الاختصاص إلا بنص فى القانون ذاته، يحدد على سبيل الحصر الدعاوى التى يجوز لغير النيابة العامة تحقيقها أو تحريكها أو مباشرتها، وأن يتوافر المبرر لهذا الاستثناء، ولا يجوز للمشرع التفويض فى تحديد هذه الحالات لأية سلطة حتى ولو كانت الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف، لأن قضاء المحكمة الدستورية العليا مستقر على أنه لا يجوز للمشرع التفويض فيما أوجب الدستور تحديده فى القانون.
وأضاف أن نص المادة 181 المقترحة لم تحدد الحالات أو الدعاوى التى يعهد فيها بالتحقيق أو رفع أو مباشرة الدعوى الجنائية لغير النيابة العامة، بل يمنح وزير العدل، رغم كونه جزءاَ أصيلاً من السلطة التنفيذية، الحق فى اللجوء إلى محكمة الاستئناف لطلب ندب قاضى تحقيق لتحقيق جريمة أو جرائم معينة، ويعطى الجمعية العامة لمحكمة الاستئناف سلطة التقدير، وهو ما لا يمكن اعتباره حالة من الحالات التى تعد استثناء على اختصاص النيابة العامة، بل هو تفويض فى اختصاص تشريعى، غير جائز لكونه محجوزاً دستورياً للسلطة التشريعية، فضلاً عن كونه قد يُشكل صورة من صور تدخل السلطة التنفيذية فى أعمال السلطة القضائية، وهو ما يعد إخلالاً بمبدأ استقلال القضاء المنصوص عليه بالمادة (184) من الدستور، واقترح القسم حذف نص المادة، وذلك لتكون النيابة العامة وحدها هى صاحبة الحق فى طلب الإحالة لقاضى التحقيق.
وبالنسبة للمادة 188 والتى أعطت لقاضى التحقيق السلطات المخولة للقاضي الجزئي الواردة في القانون، يرى القسم أن قاضي التحقيق بمجرد ندبه- أياً كانت درجته- صار بالنسبة للدعوى المندوب لها سلطة تحقيق لا سلطة قضاء، ويجب أن يستوي في ذلك مع النيابة العامة، ولا يجوز منحه سلطات تجاوز سلطاتها لأن الفقه مستقر على عدم جواز منح المنتدب سلطات تجاوز سلطات الأصيل، ومن جهة أخرى فإن التحقيق بمعرفة قاضي هو استثناء على الأصل الدستوري، فلا تجاوز سلطاته سلطات الأصيل ، ومن جهة ثالثة فإن الغاية من إسناد بعض الاختصاصات للقاضي الجزئي هي وجود جهة أخرى غير جهة التحقيق، يرجع اليها في بعض المسائل تنظره متجردة عن اتجاهات وتقديرات المحقق أياً كان سواء نيابة أو غيرها.
إعلان المتهمين والأحكام الحضورية والغيابية
وتضمنت المادة 234 مكرر، بعض الأحكام المُتصلة بإعلان ورقة التكليف بالحضور للمتهم، ومن بين تلك الأحكام توجيه رسالة نصية على الهاتف الخلوي المسجل ببيانات رقمه القومي تشمل كافة بيانات الإعلان، لكن قسم التشريع أثار تساؤل بالنسبة لأرقام الهواتف المُسجلة على رقم قومي لأشخاص ويستعملها غيرهم؟ حيث ذكر أنه أمر شائع في المجتمع المصري، فقد ينبني على النص بحالته اعتبار الحكم حضورياً في حق المتهم رغم احتمال عدم علمه يقيناً بالإعلان، وقد يكون في ذلك إخلال بحق الدفاع.
وتضمنت المادة 238، ما مقتضاه أن المتهم الذي لم يعلن في شخصه، تأمر المحكمة بإعادة إعلانه في موطنه مع تنبيهه أنه إذا تخلف هو أو وكيله عن الحضور في الجلسة المحددة، سيكون الحكم حضورياً، فإذا لم يحضر يعتبر الحكم حضورياً، إذا تبين للمحكمة عدم وجود مبرر لغيابه.
واعترض قسم التشريع على هذا النص، حيث يرى أن مؤداه إمكانية الحكم بإدانة متهم لم يثبت علمه الشخصى يقيناً بالجلسة لمجرد إعلانه فى موطنه ولو تسلم الإعلان غيره، ولم يفتح له المشروع باب الطعن بإعادة النظر ضمن الحالات المنصوص عليها بالمادة (441) من القانون، ولاسيما إذا انقضت مواعيد الاستئناف، ومن هنا قد تعتريه شبهة عدم الدستورية، ولذلك اقترح القسم استكمال حكم هذه المادة بالسماح للمتهم -فى هذه الحالة- بالطعن فى الحكم بإعادة النظر لاسيما إذا انقضت مواعيد الطعن.
رد القضاة وأتعاب المحاماة
ولرد القضاة نصيب من ملاحظات مجلس الدولة على القانون، حيث كشف أن المادة 250، جعلت كفالة طلب الرد عشرة آلاف جنيه، وأجازت للمحكمة الحكم على طالب الرد بغرامة لا تجاوز عشرة آلاف جنيه إذا كان الطلب بسوء نية أو بغرض تعطيل الفصل بالدعوى، فى حين أن قانون المرافعات الصادر بالقانون رقم (13) لسنة 1968 جعل الكفالة ثلاثمائة جنيه، وأقصى غرامة يجوز توقيعها على طالب الرد ستة آلاف جنيه، وبذلك يكون المشروع قد مايز فى الحماية المقررة لقضاة المحاكم الجنائية عن غيرهم من القضاة بالمخالفة للمادة (186) من الدستور والتى نصت على أن القضاة متساوون فى الحقوق والواجبات. لذا اقترح القسم إما تخفيض مقدار الكفالة والغرامة المقررة فى المشروع أو تعديل المادتين (153-159) من قانون المرافعات المُشار إليه.
وفيما يتعلق بأتعاب المحاماه، بالنسبة للمحامى المنتدب رأى القسم الإبقاء على النص الحالى الذى يلزم المتهم بأتعاب المحامى المنتدب إلا إذا كان فقيراً فتكون الأتعاب على الخزانة العامة، وأجاز للخزانة أن تطالبه بالأتعاب التى سددتها عنه متى زالت حالة فقر المتهم، حيث قال القسم إن ذلك يأتى حفاظاً على المال العام.
وكشف القسم عن تعارضاً بين المادة 377 من مشروع القانون المقترح، والمادة 419 مكرر 4، وبين قانون المحاماه، حيث أجازتا المادتين للمحامين المقبولين أمام المحاكم الابتدائية، المرافعة أمام محاكم الجنايات بدرجتيها، رغم أن قانون المحاماة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1983 لم يجز للمذكورين الحضور إلا أمام محاكم الاستئناف نيابة عن محام مقيد بالاستئناف دون المرافعة.
الاستجابة لملاحظات النيابة العامة
واستجاب القسم لملاحظات النيابة العامة فيما يتعلق بالمادة 406، والتى حددت ميعاد الاستئناف بعشرة أيام من تاريخ صدور الحكم، وذلك بالنسبة لكل من المتهم والنيابة العامة، وأجازت للنائب العام التقرير بالاستئناف فى قلم كتاب المحكمة المختصة بنظر الاستئناف، وهذا النص يفهم منه أن ميعاد الاستئناف بالنسبة للنائب العام عشرة أيام، وهو ميعاد قصير لكون استئناف النائب العام إنما يكون لتحقيق مصلحة المجتمع لتدارك ما فات النيابة المختصة من استئناف الأحكام التى تستوجب ذلك.
وكانت النيابة العامة قد طلبت أن يكون ميعاد الاستئناف بالنسبة للنائب العام ثلاثين يومًا من تاريخ صدور الحكم.
وبالنسبة للمادة 419 مكرر10، تضمنت الفقرة الأولى منها حكماً مفاده أنه لا يترتب على استئناف الحكم الصادر من محكمة جنايات أول درجة وقف تنفيذ الحكم ، إلا إذا كان المحكوم عليه مفرجاً عنه عند صدوره، أو إذا رأت المحكمة وقف التنفيذ، وهو ما يعنى أن الشـخص الذى كان محبوساً احتياطياً، وأفرج عنه قبل صدور الحكم يوقف تنفيذ الحكم الصادر فى شأنه بمجرد الاستئناف، فى حين أن المتـهم الذى صدر فى مواجهته الحكم حال حبسه احتياطياً لا يوقف الاستئناف تنفيذ الحكم بشأنه، الأمر الذى يُقيم مغايرة غير مبررة، مما قد يشوب النص بشبهة عدم الدستورية.
واقترح القسم الأخذ بملاحظات النيابة العامة فيما يتعلق بباب الإكراه البدنى، فى المواد من 511 وحتى 523، حيث طالبت باستبدال عنوان الباب ليكون "فى الإلزام بعمل للمنفعة العامة"، كما طلبت استبدال هذه العبارة بعبارة " الإكراه البدنى" وكلمة "التشغيل" بكلمة " الإكراه"، أخذاً بالاتفاقيات الدولية.
التعويض عن الحبس الاحتياطي
وفيما يتعلق بالتعويض عن الحبس فى المادتان 562 و563، واللتان تضمنتا تحديد الحالات التى يجوز فيها التعويض، كان للقسم عدة ملاحظات منها ما كشفه عن تحديد حالات استحقاق التعويض ليس بطريق الحصر، وإنما بطريق الاستبعاد، ويرى القسم أن فى هذا شبهة مخالفة دستورية، لأن الاستبعاد لا يعنى حصر حالات استحقاق التعويض وإنما يجعلها مطلقة عدا ما ورد النص عليه، لذلك يتعين أن يتم تحديد حالات استحقاق التعويض فى النص وليس بطريق الاستبعاد.
ومن جهة أخرى، فإن المشروع لم يجز التعويض فى حالات عدم ثبوت الواقعة أو الاتهام، وهو الأمر الذى يراه القسم إفراغاً للنص الدستورى من مضمونه، حيث يثار التساؤل المنطقى إن لم يكن التعويض بحالات انتفاء التهمة فمتى يكون التعويض؟
كما لم يجز المشروع التعويض فى حالة صدور أمر بأن لا وجه لسبب من أسباب الإباحة، تلك الأسباب التى تبيح الفعل المجرم وتمحو عنه وصف الجريمة متى توافرت الشروط التى استلزمها القانون ولم يخرج مرتكبها عن القيود التى فرضتها على استعماله كما هو الحال فى شأن الدفاع الشرعى، فهى ظروف تحيط بالشخص وتدفعه دفعاً إلى ارتكاب الفعل ويعتبرها المشرع مشروعة؛ وعليه فلا يوجد ما يحول دون تعويضه عن تقييد حريته؛ ولذلك فإن النص على الحرمان من التعويض في هذه الحالة قد تكون فيه شبهة مخالفة دستورية .
كما خلت من بيان الجهة التى توجه لها الدعوى، والتى يقع على عاتقها مسؤولية تنفيذ الأحكام الصادرة بالتعويض، وهو ما يعد قصوراً تشريعياً يتعين على الجهة معدة المشروع تلافيه.
وفيما يتعلق بالأحكام الغيابية فى مواد الجنح وطريق الطعن بالمعارضة، انتهج مشروع القانون نهجاً جديداً فى شأن الأحكام الصادرة بمواد الجنح، إذ ذهب إلى أن جميع الأحكام التى تصدر فيها تكون حضورية أو حضورية اعتبارية بحسب الأحوال، وما استتبعه هذا التوجه من إلغائه لطريق الطعن بالمعارضة فى الأحكام الغيابية الصادرة بمواد الجنح (المواد من 398 إلى 401) ، في حين أبقى على الأحكام الغيابية في مواد الجنايات ولم يلغها.
ما هى أسس إلغاء الطعن بالمعارضة؟
وذكر القسم إنه لم يتبين له الأسس الموضوعية التى أقيم عليها إلغاء طريق الطعن بالمعارضة، حتى يتمكن من الوقوف على مدى اتفاقها وأحكام الدستور، رغم أن المشروع قد أبقى على التنظيم الخاص بالأحكام الغيابية فى مواد الجنايات وما يستتبعها من إجراءات إعادة المحاكمة "مادة 395"، وهو ما قد يلقى على هذه المغايرة ظللاً من شبهات عدم الدستورية.
ونص مشروع القانون على العمل بأحكام استئناف الجنايات اعتباراً من أول أكتوبر 2018 ولا تسري إلا على الدعاوى التي لم يفصل فيها من محاكم الجنايات اعتباراً من تاريخ سريان هذا القانون ، ونصت المادة الثالثة عشرة من المشروع على أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية ويعمل به اعتباراً من اليوم التالي لنشره، وهو ما يعني أن الدعاوى التي يفصل فيها بعد سريان القانون وقبل أول أكتوبر 2018 تستأنف اعتباراً من أول أكتوبر 2018، الأمر الذي يُثير تساؤلات عن تاريخ الاستئناف والإجراءات التي يجوز اتخاذها حيال الأحكام التي تصدر خلال هذه الفترة، حيث لن يكون من الجائز الطعن عليها بالنقض، كما أنها لن تنظر قبل أول أكتوبر 2018، ورأى القسم وجوب ضبط أحكام هذه المادة على نحو واضح.