وإستطاعت الصحيفة جمع أكثر من 15000 وثيقة من خلفها التنظيم الإرهابى، وذلك عبر خمس رحلات قام بها أحد صحفييها إلى العراق على مدار أكثر من عام. وتم سحب الوثائق من أدراج المكاتب التي كان المقاتلون يجلسون خلفها ومن رفوف مراكز الشرطة الخاصة بهم وطوابق محاكمهم وخزائن معسكرات التدريب الخاصة بهم ومن منازل أمرائهم، بما في ذلك هذا السجل الذى يذكر تفاصيل حبس صبي في الرابعة عشرة من عمره بسبب الشغب أثناء الصلاة.
وعملت نيويورك تايمز مع خبراء خارجيين للتحقق من صحة الوثائق وقضى فريق من الصحفيين 15 شهرًا في الترجمة وتحليلها صفحة تلو الأخرى. وبشكل فردى فإن كل ورقة توثق تفاعل روتيني واحد: نقل ملكية الأرض بين الجيران أو بيع طن من القمح وغرامة لباس غير لائق. لكن بتجميعها فإن الوثائق تكشف عن العمل الداخلى لنظام حكم معقد. لقد أظهروا أن التنظيم، ولو لفترة محدودة من الزمن ، حقق حلمه فى إقامة دولته الخاصة، وهي ثيوقراطية يعتبرها خلافة تعمل وفق تفسيره المتشدد للإسلام.
ويعرف العالم تنظيم داعش من خلال وحشيته، لكن الصحيفة تشير إلى أن عناصر التنظيم حكموا الأراضى التى سيطروا عليها، ليس فقط بالسيف، فقلد إعتمدت سلطتهم على أثنين من الأدوات وهى الوحشية والبيروقراطية.
وتوضح أن التنظيم أنشأ حالة من الكفاءة الإدارية التى عمدت إلى جمع الضرائب والتقاط القمامة. وأدار مكتب للزواج الذى أشرف على الفحوص الطبية لضمان أن الأزواج يمكن أن يكون لديهم أطفال. وأصدر شهادات ميلاد - مطبوعة على وثائق تحمل أسم داعش - للأطفال المولودين تحت علم الخلافة الأسود.
وبحسب الصحيفة، تظهر الوثائق والمقابلات مع عشرات الأشخاص الذين عاشوا تحت حكمهم أن التنظيم، فى بعض الأحيان، قدم خدمات أفضل وأثبت أكثر قدرة من الحكومة التى أطاح بها.
وتضيف أن داعش بنى دولة على ظهر الدولة التى كانت موجودة، واستوعبوا المعرفة الإدارية لمئات الكوادر الحكومية. ويكشف فحص الطريقة التى حكمت بها الجماعة الإرهابية، وجود نمط من التعاون بين المسلحين والمدنيين تحت نيرهم. وإعتبرت الصحيفة أن هذا السلوك هو إنعكاسا لدرس تعلمه التنظيم من أخطاء الولايات المتحدة عندما غزت العراق فى 2003.
وتوضح أن الخطأ الذى وقعت فيه أمريكا وقتها هو قرارها بتطهير مؤسسات الحكم من أعضاء حزب البعث التابع لصدام حسين ومنعهم من العمل فى المستقبل، وهى الخطوة التى أدت لمحو البعثية، لكنها فى النهاية أسفرت عن دمار كامل للمؤسسات المدنية مما خلق فراغ السلطة الذى سارعت جماعات متطرفة مثل داعش لملئه.
وتكشف الوثائق التى جمعتها الصحيفة أن أحد مفاتيح نجاح داعش كانت تدفق العائدات المتنوعة. فأستمدت التنظيم دخله من العديد من فروع الاقتصاد، بحيث لم تكن الضربات الجوية وحدها كافية لشلّه.
وتظهر الدفاتر وإيصالات الإستيلام والميزانية الشهرية كيف أن المسلحين حصلوا على أموال من كل شبر من الأراضى التى إحتلوها، وفرضوا الضرائب على كل بوشل من القمح وكل لتر من حليب الأغنام وحتى كل بطيخة تباع فى الأسواق التى يسيطرون عليها. فمن الزراعة وحدها، حصدوا مئات الملايين من الدولارات.
وتقول الصحيفة إنه على عكس التصور الشائع، كان التنظيم ممول ذاتيا ولا تعتمد على مانحين خارجيين. والأكثر غرابة فى الأمر، أن الوثائق تقدم دليلاً آخر على أن إيرادات الضرائب التى حصل عليها داعش كانت أعلى بكثير من إيرادات مبيعات النفط.