واحدة تلو الأخرى تتيح دول أوروبية وولايات أمريكية، حق إجهاض الأم الحامل فى الشهور الأولى إذ تعتبر أيرلندا آخر الدول المنضمة لقافلة تضم إسبانيا والبرتغال وإيطاليا والنمسا والسويد وألمانيا وسويسرا، بالإضافة إلى العديد من الولايات الأمريكية، الأمر الذى يثير جدلًا دينيًا بين أوساط المؤمنين إذ شرعت تلك القوانين فى دول مسيحية.
وشرعت بعض الدول الإجهاض أو قتل الجنين الذى لم يولد بعد على اعتبار أنه من حق الأم أن تقرر مصير ابنها الذى لم يولد، وتعتبر النمسا فى مقدمة تلك الدول، حيث تتصدر الدول الأوروبية فى عدد حالات الإجهاض، حيث يتم إجراء ما بين 30 و40 ألف عملية إجهاض سنويا، ولا توجد أرقام رسمية للإجهاض فى النمسا لعدم وجود ضرورة للإبلاغ عن هذه العمليات، حيث يتحمل التأمين الصحى نفقات وسائل منع الحمل والإجهاض.
ويجادل الكثير من مؤيدى الإجهاض فى هذه النقطة ويدّعون أن للأم حق الاختيار لأن هذا هو طفلها، جسدها، رحمها وحياتها، وبأن لها الحق فى السيطرة على جسدها وإنهاء وجود الجنين غير المرغوب به.
فى كتابه «الكتاب المقدس والعلم الحديث» يقول القمص اثناسيوس فهمى جورج كاهن الكنيسة القبطية المصرية بأيرلندا أن كل مناصرى الإجهاض لا يأخذون بعين الاعتبار أى أهمية لحياة الجنين الذى فى الرحم سواء كانت هذه الحياة بإمكانها الوجود بمفردها خارج الجسم أم أنها تحتاج لجسم الأم كى تستمر.
وأكد القمص أثناسيوس، على أن إيمان الكنيسة يختلف عن إيمان المجتمع، فبالنسبة للكنيسة يُعتبر الإجهاض جريمة، حيث ترى الكنيسة أن الحياة البشرية تبدأ منذ لحظة الحمل «لحظة اتحاد النطفة بالبويضة»، وذلك تماشياً مع تعاليم كتابها المقدس، وترى أن مراحل تخلّق وتكوّن الأنسجة عند الجنين داخل رحم الأم هى حياة مقدسة وليس لأحد سوى الله وحدة حق تقرير مصير هذا الكائن الحى.
وتابع أثناسيوس: "وكما ترى الكنيسة أنه ليس من حق أحد أن ينهى حياته أو حياة شخص آخر، فإن هذا المنع يطال الحياة التى لم تزل تتشكل فى رحم الأم الحامل، بينما تعتبر الكنيسة الرأى السابق حول حق الأم بأنه أنانئ وخاطئ، ففى المسيحية الجسد هو لله الخالق والطفل له أيضاً، كما أن الرحم والحياة هى له كذلك".
وأضاف القمص أثناسيوس لدور الكنيسة: تؤمن الكنيسة بمبدأ حماية الحياة البريئة وخصوصاً الأطفال الذين لم يولدوا بعد، وتلعب دوراً كبيراً فى محاربة تشريع الإجهاض ببعديه الأخلاقى والقانونى، وهى تعتبر أن القوانين ينبغى أن تكون تعبيراً إيجابياً عن المعايير الأخلاقية للمجتمعات، ويضرب المثل بما جاء فى رسالة القديس برنابا الرسول من أوائل القرن الثانى الميلادى أيضاً «لا تتخلص من طفل فى رحم أمه ولا تقتله بعد ولادته».
وفى المقابل فإن الكنيسة القبطية تستثنى من قوانينها بعض الحالات يقول القمص: عندما يعرّض الحمل والولادة حياة الأم لخطر كبير بسبب أمراض معينة، كما فى حال إصابة الأم بسرطان عنق الرحم مثلاً، ويكون علاج الأم بحد ذاته يشكل خطراً على الجنين؛ ويضيف: فإن الكنيسة الأرثوذكسية مع علمها وإدراكها بحساسية المسألة وتعقيدها تأخذ هذه الحالات بمفردها، وترى أنه لو سبّب العلاج الذى تخضع له الأم وفاة الجنين وإجهاضه فهذا لا يعتبر إجهاضاً مقصوداً، لأن الهدف كان بالأساس إنقاذ حياة الأم ولى قتل الطفل أو التخلص منه.
واستكمل أثناسيوس حديثه: "أما إذا كانت وفاة الطفل نتيجة حتمية لإنقاذ حياة الأم، فى حالات كهذه على الأم والأب أن يلجأ للصلاة واستشارة كاهنهم، والتعاون معاً على اتخاذ القرار الأكثر صواباً، لكن الكنيسة لا يمكن لها أن تقبل بالإجهاض وسيلة لتحديد النسل عند الحبل بطفل غير متوقع، أو تفادياً لولادة طفل".
أما الأب هانى باخوم المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، يصف تقنين الحق فى الإجهاض بالانتكاسة الكبيرة، ولكن ليس للكنيسة فهو أولا انتكاسة للبشرية ولعلم الإنسان ومفهومه.
ولفت باخوم، إلى أن المسألة ليست أن الإجهاض هو أمر ضد تعاليم الكنيسة فقط، هو أمر وشر ضد حق الإنسان نفسه، فالإنسان يحق له أن يحيا ولا شخص أو نظام أو أيدولوجية لها الحق فى نزع هذا الحق منه، فالمسألة هى مَنْ هو الإنسان؟ ومتى يبدأ تكوينه إنسانا؟ هل الجنين هو شىء يتطور ويصبح إنسانا مع الوقت؟ لا بالتأكيد الجنين هو إنسان بالفعل ينمو ويكتمل فى قدراته لكنه إنسان منذ بدايته.
وأشار المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية فى مصر، إلى أن حب الله لهذا الجنين لا يبدأ من لحظة معينة بعد تطوره، بل هذا الحب هو الذى جعل هذا الجنين أن يكون أصلا، وقتل الجنين هو قتل لإنسان أحبه الله وصوّره منذ البدء.