ما العلاقة بين داعش وجماعة الإخوان ولعبة الكراسى الموسيقية؟.. يبدو سؤالا غريبا بعض الشيء لكن متابعة الأحداث عبر السنوات الأخيرة، كلها تشير إلى نتيجة واحدة أن التنظيمين يكملان بعضهما رغم ما يظهر من وجود اختلافات فى الأساليب بينهما أو يدورن فى نفس الفلك ابتغاء مصلحة واحدة.
وعلى غرار لعبة الكراسى الموسيقية فإن الأمور تجرى بين داعش "أبناء أبو بكر البغدادى" والإخوان "ابناء حسن البنا" بمعنى أن كليهما يجريان فى نفس الدائرة فى محاولة الوصولة إلى هدف واحد، وهو السلطة والتنافس على الجلوس الكراسى، هو الاختلافات الظاهرية بينهما لكن فى النهاية بدون تواجدهما لن تكتمل اللعبة.
الآن، يُعانى تنظيم الإخوان من خسائر فادحة وبمنطقة لعبة الكراسى الموسيقية، فاته دور الجلوس على أحد الكراسى بعدما انكشف أمام العالم أن منهجه هو العنف وارتكاب الجرائم، وهدفه تحقيق أغراضه ومصالحه، وليس مثلما كانت تدعى الجماعة أنها تحمل خير لهذا الوطن، وبناءً عليه فإنه لا يمتلك سوى دعم لاعب آخر وهو داعش فرغم ما تكبده من خسائر فى السنوات الأخيرة لكن يظل إرهاب هو الطريق الوحيد لمتاحة لتلك التنظيمات المتطرفة لتعلن أنها مازالت موجودة على الساحة.
التفاصيل السابق الإشارة إليه، تدعمها عدد من الأبحاث التى أجريت فى الفترة الأخيرة، ومنها ما أصدره مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، مؤخرًا من تقرير أشار فيه إلى إن تنظيم داعش الإرهابى نجح فى تكوين تنظيمات عنقودية صغيرة منتشرة فى عدة دول حول العالم، مستفيدًا من حالة التشرذم والتفكك التى أصابت جماعة الإخوان، والتى شكَّلت القاعدة الخصبة لإعداد وتصدير العناصر الإرهابية المنضمة إلى تنظيم داعش الإرهابى.
وأوضح مرصد الإفتاء أن تنظيم داعش الإرهابى استغلَّ الأفكار التى أسس لها منظرو جماعة الإخوان المسلمين مثل حسن البنا وزاد عليها سيد قطب، كالخلافة والدولة الإسلامية والحاكمية وجاهلية المجتمعات، من أجل إقناع الأفراد بالانضمام إليه، بهدف تحقيق ما فشلت فيه الجماعات التى أطلقت على أنفسها جماعات "الإسلام السياسي"، وهى الأفكار التى تستثير حماسة البعض وتؤثر على الشباب الصغير الذى تجذبه حماسية شعارات براقة ظاهرها نصرة الإسلام والمسلمين، ولكن فى باطنها التدمير والخراب لكل ما هو إنسانى، وكافة الأديان منها براء.
وشدد المرصد على أن خطابات تنظيم داعش الأخيرة التى رصدها المرصد وُجِّهت بشكل أساسى نحو تشكيل وتجنيد الأفراد من بقايا تنظيمات الإخوان وغيرها، باعتبارهم حاملين للأفكار الهدامة والقاتلة، ومن ثم يمكن استثمارهم بشكل سريع وفعال فى الأعمال الإرهابية وتشكيل الخلايا العنقودية أو النائمة، التى تشكل خطورة بالغة كونها تكمن فى عملها تحت الأرض وترويجها لأفكارها الهدامة لجذب المزيد من العناصر لتنفيذ عملياتها التفجيرية المدمرة.
وأشار المرصد إلى نقطة هامة فى بيانه تتمثل فى أن خطر تنظيم داعش سيستمر حتى إن تم القضاء عليه بشكل كامل فى العراق وسوريا، خاصة فى ظل وجود مثل هذه التنظيمات العنقودية التى تحرص على انتشار الأفكار الظلامية والمتطرفة والوحشية التى روَّج لها التنظيم الإرهابى.
البعض قد يحاول التشكيك فى حديث مرصد الإفتاء معتبره أنه مجرد كلمات باحثية تتحددث عن المنظرين الأوائل وأمور تنتمى للتاريخ خصوصا أن تنظيم داعش بزغ نجمه فى أواخر عام 2014 فى كل من العراق وسوريا، أى بعد توجيه ضربة قاصمة لتنظيم الإخوان الأم فى مصر خلال يونيو عام 2013، وبناءً عليه ينبغى التذكر بعدد من الوقائع الحديثة التى تشير للعلاقة بين تنظيم الإخوان وداعش.
على سبيل المثال لا الحصر، فى 28 فبراير الماضى، نشرت شبكة "سكاى نيوز" الإخبارية اعترافات لما يسمى بـ" قاضى الأحوال الشخصية" لدى تنظيم داعش فى ليبيا، فوزى العياط، بالعلاقة التى تربط التنظيم الإرهابى بتنظيم الإخوان المتطرف. ووفقا لما أدلى به العياط فى مقطع الفيديو، فإن هناك عوامل مشتركة بين تنظيمى الإخوان وداعش منها مناداتهم بتكفير الحاكم ورؤية أن قتال الشرطة والجيش واجب وضرورة الجهاد والقتال.
ولفت قاضى الأحوال الشخصية إلى أنهم أى كدواعش رأوا الإخوان ينفذون فى عمليات وأوقات ومناطق أخرى، وكذلك كان هناك تواصل ما بين الدواعش وتنظيم الإخوان لخدمة هدفهما المشترك، زاعمًا أن الهدف هو "تحكيم الشريعة".
اعترافات قاضى واحدة من أحداث الحلقات المدللة على التفاعل بين تنظيم الإخوان وداعش على النطاق الإقليمى، ويضاف إلى هذا القضايا المنظورة أمام القضاء المصرى فى الوقت الراهن والتى تتحدث كل تحرياتها عن انضمام أفراد فى جماعة الإخوان إلى تنظيم داعش بدافع إحداث عمليات إرهابية وتخربية تهدف إلى زعزعة أمن واستقرار الوطن.
الخلاصة مما سبق أن محاولات التنظيمات المتطرفة للوصول إلى كرسى الحكم فى البلاد العربية لن تتوقف فرغم ما يدعون من اختلافات ظاهرية بينهما أو فكرية كما يدعون لكن تبقى مصلحتهم واحدة فإذا سقط لاعب منهم، يسعون جاهدين لاستكمال اللعبة للنهاية على أمل أن يفوز أحد من فريقهم بها، وهذا ما نراه فى الوقت الراهن بين الإخوان الذين سقطت كل أقنعتهم مما يدفعهم حالياً للدخول تحت عباءة داعش على أمل استعادة عافيته مجددًا.