البداية كانت فى تحالف الشيطان الذى ظهر الأيام الماضية والمتمثل فى تسريبات دفعت بها السلطات التركية للإعلام الأمريكى فى قضية الصحفى السعودى، لنشر تقارير تفيد مقتله من أجل إحراج السعودية مستبقة بذلك التحقيقات الرسمية وفى وقت لم تتبنى فيه أية جهات رسمية سعودية أو تركية موقف رسمى تؤكد مصيره، وبغض النظر عن صحة أو سقم تسريباتها، الأمر أوجد نوعا من التحالف وكسر جمود العلاقات استغله أردوغان للتودد لدونالد ترامب من أجل رفع العقوبات الاقتصادية التى أظهرت هشاشة نظامه، كما كانت تأمل أنقرة في رفع الرسوم الجمركية الإضافية التي فرضتها إدارة الرئيس الأمريكي في أغسطس الماضى.
ومن أجل وقف النزيف الاقتصادى والخسائر التى تكبدها النظام التركى على مدار الأشهر الماضية حيث فقدت العملة أكثر من 40% من قيمتها وسجلت أسوأ أداء لها في منتصف أغسطس الماضى 7.20 ليرة مقابل الدولار، ارتفع حجم التضخم وأسعار السلع وإشهار بعض الشركات إفلاسها، سارعت تركيا بالإفراج عن القس الأمريكي أندرو برانسون، وسمحت له بمغادرة البلاد بعد رفع قرار المحكمة السابق بفرض الإقامة الجبرية عليه ومنعه من السفر، لإزالة التوتر بين بلاده وواشنطن قبل انهيارها اقتصاديا وتفاديا لمزيد من التصعيد وفرض عقوبات على أنقرة.
وترمى تركيا من انفراجة الأزمة مع واشنطن إلى أهداف أخرى من بينها إيجاد مرونة أمريكية فيما يخص بالملف السورى وبالتحديد فى شمال سوريا ومنطقة منبج، حيث تأمل تركيا فى أن يتم تطبيق اتفاق توصلت إليه أنقرة وواشنطن فى مايو الماضى فى منبج والذى يقضي بانسحاب وحدات حماية الشعب الكردية السورية من منبج والتى تحظى بدعم أمريكى وتحارب تنظيم داعش الإرهابى، وأن تقوم القوات التركية والأمريكية بالحفاظ على الأمن والاستقرار بالمدينة، وتهدف أنقرة من ذلك رفع غطاء الدعم الأمريكى عن الأكراد لاسيما حزب العمال الكردستاني الذى تعتبره منظمة ارهابية وأن تسنح لأردوغان الفرصة لنشر قواته فى منبج السورية.
وأكثر من ذلك، ترغب تركيا فى أن تقوم الولايات المتحدة باتخاذ خطوة مماثلة فى إطلاق سراح هاكان أتيلا النائب السابق لمدير مصرف "خلق بنك" التركي الذي اعتقل في الولايات المتحدة عام 2017 وأدين بتهمة انتهاك الحظر الأمريكي ضد إيران، ورجحت صحيفة "نيويورك تايمز" احتمال ذلك وأشارت إلى أنه في يوليو الماضي كانت واشنطن وأنقرة قاب قوسين أو أدنى من عقد صفقة إطلاق سراح متبادلة ومتزامنة لبرانسون وأتيلا، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أفشلها عندما طالب بضمانات بعدم تعرض تركيا مستقبلا لأى ملاحقة بسبب انتهاك العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
إذن استغل النظام التركى المتغيرات فى المحيط الإقليمى التركى لتحقيق مكاسب سياسية بعد أن فتت العقوبات الاقتصادية الأمريكية فى عضد النظام الذى لم يتحملها أكثر من شهرين بعد توالى الأزمات الاقتصادية وبات الانهيار الاقتصادى قاب قوسين أو أدنى منه الأمر نفسه أكدته تقارير لمنظمات دولية رغم شعارات أردوغان الزائفة، ففى في الأول من أغسطس، أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على وزيري الداخلية والعدل التركيين، بعد اتهامهما بلعب دور رئيسي في اعتقال واحتجاز القس، وفى 10 من الشهر نفسه، أعلن ترامب مضاعفة الرسوم على واردات بلاده من الفولاذ والألمنيوم التركيين إلى 50% و20% على التوالي. وكتب على تويتر "علاقاتنا مع تركيا ليست جيدة في هذا الوقت".