كتبت: إنجى مجدى
بينما يركز العالم على إعادة بناء الشمال العراقى بعد هزيمة تنظيم داعش الإرهابى واستعادة الحكومة العراقية الأراضى التى سيطر عليها التنظيم طيلة نحو عامين، فإنه هناك حالة تجاهل للفقر والأوضاع الإنسانية السيئة فى الجنوب.
وتقول مجلة فورين بوليسى، الأمريكية، فى تقرير على موقعها الإلكترونى، أمس السبت، أن الاحتجاجات العنيفة الأخيرة فى مدينة البصرة جنوب العراق أدت إلى تسليط الضوء على معاناة العراقيين في ما يُعرف بالعاصمة الاقتصادية للعراق حيث حتياطيات النفط الهائلة والميناء البحرى الذى يربط البلاد بالسوق الدولية.
البصرة، وهي مدينة ذات أغلبية شيعية، لديها أيضاً عدد كبير من الأقليات، بما فى ذلك العراقيون السود والمسيحيون. كما إنها ثانى أكبر مدينة فى العراق وقد اكتسبت سمعة جيدة لتشجيع بعض أعظم الفنانين العراقيين. خلال حرب الخليج الأولى، استخدم الجيش العراقى البصرة كطريق لغزو الكويت. ومن سخرية القدر، أنه بعد عقد من الزمان، استخدمتها القوات التى تقودها الولايات المتحدة كمسار باتجاه بغداد خلال الغزو عام 2003.
الأزمة الحالية فى البصرة ليست تطوراً حديثاً، فهى تنبع من سنوات من عدم الاهتمام من جانب المجتمع الدولى والحكومة العراقية. وقد تفاقمت الاضطرابات المدنية فى المنطقة بسبب تركيز الحكومة على هزيمة داعش فى شمال العراق، حيث كان يسيطر على الموصل، والتوزيع غير المتكافئ للموارد، مما يجعل الوضع الحالى متوقعًا وكان بالإمكان منعه. وتقول المجلةإن قنوات البصرة القديمة المتعرجة فى مدينة كانت تعرف سابقا باسم فينيسيا الشرق الأوسط، أصبحت الآن مجارى مفتوحة.
وبينما تشكل الأوضاع المعيشية السيئة فى البصرة خطرا أمنيا واحتمالات لعودة العنف بقوة، مما يهدد الاستقرار الدائم فى العراق. فالحالة الأمنية فى الجنوب آخذة فى التدهور، ومستويات الفقر آخذة فى الارتفاع، وهذا مثير للقلق بشكل خاص لأن العديد من الجنوبيين الشباب الذين قاتلوا لدحر داعش أصبحوا الآن معدمين.
يمكن أن تؤدى الأخطاء المتكررة فى جنوب العراق إلى زيادة الاعتماد على إيران مع استمرار دعوات الاستقلال فى البصرة. وتضيف المجلة أن الحرمان الذى تفرضه الحكومة العراقية الحالية على المواطنين فى البصرة أدى لتفاقم التهميش التاريخى لمجتمع الأغلبية الشيعية فى المدينة الذى عانى من قبل فى ظل حكم حزب البعث الموالى لسنة صدام حسين، بما في ذلك القمع العنيف للانتفاضة المناهضة للحكومة عام 1991، والتى لا يزال يتم اكتشاف المقابر الجماعية فيها.
منذ عام 2003 ، تسبب الفشل المتكرر لبغداد فى الحفاظ على الخدمات العامة، مثل الرعاية الصحية وفرص العمل والوصول إلى المياه النظيفة والصرف الصحى، في زيادة الطلب على اللامركزية والسعى لقدر أكبر من الحكم الذاتي عندما يتعلق الأمر بالإنفاق العام. ودفعت جهود اللامركزية غير الفعالة، إلى جانب الوعود الكاذبة المستمرة، الناشطين لقيادة الشباب إلى دعم حركات الاستقلال، مثل جمعية أبناء البصرة ، حيث كان المتظاهرون يلوحون في كثير من الأحيان بعلم البصرة المستقلة.
وتوصى المجلة بضرورة تضافر جهود المصالحة وإعادة التأهيل المحلية والدولية مع الجنوب. إن التوزيع العادل للتمويل العام، بما فى ذلك محاسبة الحكومة على درجة الفساد العالية، التى دمرت الخدمات العامة، أمر ضرورى. فعلى الرغم من إعلان الانتصار على داعش فى ديسمبر 2017، إلا أن الاستقرار الدائم فى العراق بعيد كل البعد عن كونه مضمونًا.