تركيا بقيادة "الديكتاتور" لا يمضى يوم عليها إلا وتشهد حملات مداهمات واعتقالات وفصل من الوظائف تطال معارضين ومدافعين عن أوضاع حقوق الإنسان بل حتى الذين يساعدون أسر ضحايا هذه الحملات، إلى جانب المجموعات المعارضة لسياسات نظام أردوغان القمعية.
خلال هذه الفترة الزمنية التى لا تتجاوز العامين والنصف العام، تم احتجاز 115827 مواطن تركى بينهم 55425 معتقل سياسى بدون أى محاكمة حتى الآن، بالإضافة لإقالة 138148 موظف ومسئول من منصبه، وعزل 4424 قاضيا، واعتقال 234 صحفيا وإغلاق 149 صحيفة ومؤسسة إعلامية، وفقدان 8271 أستاذ جامعى وأكاديمى لوظائفهم، بجانب توقف 2099 مدرسة عن أداء مهماتها التعليمية.
أحدث حملات الاعتقالات العشوائية من جانب قوات أمن الديكتاتور، نفذت أمس الاثنين، فى أكثر من 25 مدينة وبالعاصمة أنقرة نفسها، وذلك عقب صدور مذاكرات اعتقال من النيابة العامة بحق 89 شخصا على خلفية صلتهم بـ"الانقلاب المزعوم"، والذى تصفه المعارضة التركية بـ"الانقلاب المدبر" من جانب أردوغان وحلفائه من أجل إعادة تصميم السياسة والمجتمع والجيش والإطاحة بكل معارضيه من الساحة.
الجيش التركى لم يسلم بالطبع من حملة الاعتقالات الواسعة الدائمة والمستمرة، فالنيابة العامة أصدرت مؤخرا أوامر بالقبض على 50 جنديا فى مدينة "تكيرداج" الواقعة شمال غرب تركيا، وتبحث قوات شرطة أردوغان عن المزيد من المشتبه بهم فى أكثر من 25 مدينة، مما يؤكد تعطش هذا النظام للقمع والاضطهاد.
تأتى هذه الحملة الجديدة من الاعتقالات بعد حملة سابقة قبل بضعة أيام استهدفت عشرات الجنود فى الجيش والبحرية التركية على خلفية محاولة الانقلاب قبل أكثر من عامين.
الحجة التى يستخدمها النظام التركى بقيادة الديكتاتور لاعتقال المدنيين والعسكريين دائما جاهزة، وهى صلتهم بالداعية الإسلامى التركى المقيم فى الولايات المتحدة الأمريكية "فتح الله كولن"، والذى تحمله حكومة حزب "العدالة والتنمية" مسئولية محاولة الانقلاب، فى حين أنه يرفض تلك الاتهامات جملة وتفصيلاً ويدعو إلى تحقيق دولى فى هذا الشأن، دون استجابة من الحكومة التركية.
تقارير إعلامية تركية، أكدت أيضا أن الشرطة فى إسطنبول ألقت القبض على 21 مواطن تركى الأسبوع الماضى، بتهمة استخدام خدمة "رسائل مشفرة" تزعم السلطات أنه كان وسيلة تواصل الانقلابيين فيما بينهم، وأوضحت أن أغلب هؤلاء المشتبه بهم معلمون وأكاديميون سابقون.
الأمم المتحدة كان له صوت عال ضد ممارسات القمع التركية ضد المواطنين، فقد أصدرت فى 18 أكتوبر الماضى، تعقيبًا حول تطبيق "بايلوك" للمحادثة الفورية، بعد التدقيق والتحقيق فى شكوى تقدم بها مواطن تركى يدعى "مَسْتان يايمان"، أكدت فيه أن كل الأحكام القضائية والإجراءات المتخذة من فصل واعتقال ومصادرة على أساس استخدام هذا التطبيق مخالفة للقانون، وأن مجرد استخدامه لا يمكن اعتباره دليل إدانة إن لم تكن هناك أدلة إدانة أخرى.
واعتبر فريق تابع للأمم المتحدة تم كليفه بالتحقيق فى هذا الموضوع، أن الإدانة بسبب استخدام "بايلوك" مخالفًا للمادة الـ 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التى تركيا طرف فيها، والذى ينص على أن "لكل إنسان الحق فى حرية التعبير وأن هذا الحق يشمل حرية اعتناق الآراء وتلقى وتقديم المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة، وبصرف النظر عن الحدود الدولية".
وبسبب هذا التطبيق، أصدرت نيابة أنقرة قرارات اعتقال بحق 32 شخصا فى إطار تحقيقات المحاولة الانقلابية المزعومة بحق الموظفين المفصولين من وزارة الصحة والعاملين السابقين بالمستشفيات
وسبق أن نشرت وسائل إعلام مقربة من "الديكتاتور" وثائق نسبتها إلى جهاز المخابرات حول محتويات مراسلات ومكالمات قالت إنها "سرية" وزعمت أنها جرت بين الانقلابيين عبر هذا التطبيق، وقدمتها لقرائها على أنها دليل على وقوف "حركة الخدمة" التى تستلهم فكر الداعية فتح الله كولن وراء الانقلاب الفاشل فى منتصف العام الماضي.
ورغم أنه كان مجرد تطبيق هاتفى للتواصل مثل نظيراته من عشرات التطبيقات للمحادثات مثل "واتس آب" و"فايبر" و"لاين" و"وى تشات" و"سكايب" و"إيمو" و"بى بى إم" وغيرها، إلا أنه كان الأساس الذى اعتمد عليه الديكتاتور فى اتهامه لحركة الخدمة بتدبير هذه المحاولة الانقلابية المزعومة.
وتعود قصة هذا التطبيق، وفق موقع "أخوال" التركى" المتخصص فى كشف جرائم الرئيس التركى، منذ 17 من شهر يناير 2017، حينما نشرت معظم الصحف التركية الموالية للديكتاتور، تقريرا أعده جهاز المخابرات التركية يتناقض مع أطروحات مع حكومة أردوغان حول التطبيق ، ومع أن التقرير أعد أصلا من أجل الدعاية السوداء ضد "حركة الخدمة"، وتقديم أدلة جديدة تساند نظرية وقوفها وراء الانقلاب المزعوم، إلا أن قراءة ما بين السطور، تكشف أن المخابرات التركية تعترف بشكل صارخ بأن التطبيق يمكن أن يحمله أى شخص من برنامج Google Play المفتوح للجميع، بمعنى أنها نفت مزاعمها السابقة التى ادعت فيها أنه لا يمكن تحميله إلا من خلال واصلة أو بولوتوث، وأنه خاص بأفراد حركة الخدمة، كما أقرت بأن هذا التطبيق قد بدأ عرضه على المستخدمين عبر Google Play منذ بداية عام 2014 حتى مطلع عام 2016، أى انتهى عرضه قبل 6 أشهر من الانقلاب الفاشل، التقرير الذى أيد تصريحات صاحب التطبيق وأسقط مزاعم أردوغان.