أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان يوم الخميس عن تفاؤله بتحسن الاقتصاد التركى فى نفس اليوم الذى أعلنت فيه اثنين من كبرى الشركات التركية إفلاسهما، وبينما يفضل الرئيس التركى الحديث عن انخفاض معدلات الفائدة باعتباره وسيلة لمنع انزلاق الليرة أكثر، فإن الواقع يقول إن مسلسل الانهيار التركى كان أمرا محتوما منذ سنوات.
قوائم الإفلاس
شركة DSG للإنشاءات أعلنت عن إفلاسها فى نفس يوم تصريحات أردوغان، الشركة كانت من أهم شريكات المقاولات والإنشاء فى تركيا وكانت ساهمت فى بناء مطار إسطنبول الجديد.
وفى نفس اليوم أيضا جاء خبر إفلاس شركة "أناتوليات بارس" Anatolian Pars المختصة بأعمال التدوير وكانت الشركة التى أنشأت أول محطة لمعالجة مياه الصرف الصحى بتركيا وهى محطة "بوميرانج".
قبل هذا بشهر واحد كانت الأزمة الاقتصادية فى تركيا قادت لإفلاس 3 شركات أخرى هى شركة الأدوية أونفارما وشركة إعمارتشي أوغلو للأدوية وشركة إيشين برس الخاصة بصناعة الأثاث، علما بأن شركة إيشين من أقدم شركات الأثاث وكانت بدأت العمل فى 1950 واشتهرت بالعمل داخل وخارج تركيا.
وهناك أيضا شركات تكنيك ألومنيوم وبوراك ألومنيوم واللتين كانتا من أكبر 100شركة تركية فى مجال التصدير.
ولا تقف قائمة الإفلاس عند هذا الحد حيث تقول صحيفة "زمان" التركية إن شبح الإفلاس يهدد 3 آلاف شركة على الأقل تعمل فى قطاعات مختلفة منها الإنشاءات والخدمات اللوجيستية والصناعة والتجزئة.
وأعلن أيضا مدحت ينى جون، رئيس مجلس إدارة اتحاد المقاولين الأتراك، أن 70% من شركات المقاولات الخاصة أُجبرت على إلغاء المشروعات.
هذا بجانب الشركات التى تم إخراجها من المنافسة الاقتصادية نتيجة الملاحقات السياسية والاستهداف المباشر من الحكومة التركية حيث أعلن صندوق تأمين ودائع الادخار التركى أنه تم فرض الوصاية على 1022 شركة مملوكة لأعضاء فى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله جولن المقيم فى أمريكا.
الأمر لم يتوقف عند مصالح الشركات التركية بل هناك أيضا أصحاب الأعمال الصغيرة والذين لا يستطيعون دفع أجور متاجرهم، واصفين الوضع الحالى بأنه الأسوأ منذ 30 عاما على حد قول صحيفة "زمان"
التضخم شبح قديم فى الاقتصاد التركى
أردوغان صعد للحكم فى أوائل الألفية الثالثة مع وعد القضاء على العدو الأول للاقتصاد التركى وهو "التضخم" فمنذ أواخر السبعينات والاقتصاد التركى لكن أردوغان ذرع بذور الأزمة الاقتصادية فى 2005 عندما أصدر عملة الليرة الجديدة، والتى كانت حلا كارثيا لا يمكن وصفه سوى بأنه بيع الوهم بأوراق بنكنوت.
كيف هذا؟.. كما قلنا التضخم كان جزء من الاقتصاد التركى فى السبعينات ومع الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية كان التضخم يصل أحيانا إلى ما فوق الـ100%، هذا يعنى أن الأسعار تتزايد سنويا أحيانا بالأضعاف، الأمر الذى يعنى أن العملة التركية الليرة القديمة كانت تفقد قيمتها بنفس الطريقة التى تحدث الأن.
صحيح أن انخفاض قيمة العملة التركية ساهم فى دخول استثمارات أجنبية إلا أن استمرار التضخم جعل هذه الاستثمارات نوع من الاستغلال وليس الاستثمار، مثل على ذلك فى عام 1969 أقامت شركة رينو الفرنسية مصنع سيارات فى مدينة بورصة التركية، ومع استمرار انخفاض العملة كانت الشركة تدفع أجورا أقل وأقل للعاملين الأتراك، تكرار هذه الممارسات على مدى عشرات السنين قادت لغضب تركى حتى وصل الأمر لطباعة عملة تركية بقيمة "مليون ليرة" فى ورقة واحدة أو 10 مليون ليرة فى ورقة واحدة عام 1995، هذا قاد لصعود أردوغان كرئيس للوزراء وفى 2003 قدم وعده بأنه سيجعل التضخم ينزل إلى ما دون 10%.
الحل فى نظر أردوغان لم يكن سوى طباعة عملة جديدة هى "الليرة التركية الجديدة" وكل التغيير الذى حدث فيها كان إزالة الأصفار منها، وهو ما تم بموافقة البرلمان فى 29 يناير 2004 على قانون "إلغاء 6 أصفار" هذا يعنى أن ورقة المليون ليرة أصبحت "ليرة واحدة"، وبدأ العمل بالعمل الجديدة فى يناير 2005.
ووقتها قال وزير المالية التركى كمال أوناكيتان أمام النواب إن "الجميع سيكونون فخورين بالعملة الجديدة، و30 او 40 الف ليرة تركية لا تفيد في شيء حاليا يمكنها ان تسمح بشراء منزل في المستقبل".
طرح العملة الجديدة قاد لانتعاش اقتصادى مؤقت بدخول استثمارات أجنبية للبلاد فتركيا لم تقض على التضخم بل أزالت أثاره بأصفاره فقط، ولكن مع الاضطرابات السياسية والمحاولات الانقلابية وتورط تركيا فى مغامرات عسكرية فى الشرق الأوسط انكشفت حقيقة الليرة وأن تركيا لم تفعل شيئا سوى طباعة بنكنوت بأرقام جديدة، وانفجرت الفقاعة الأردوغانية.
مثال على ذلك راقب تصريحات أردوغان من حديثه عن انتعاش الليرة من جديد وهو فى نفس الخطاب يقول إن الشرطة التركية تجرى عمليات مداهمة لمخازن البطاطس والبصل والخضار حتى يضمن بالإجبار توفير كميات كبيرة من المنتجات الغذائية تحول دون ارتفاع التضخم من جديد.