تتواصل مداهمات منتصف الليل فى جميع أنحاء تركيا تقريبا ولا يكاد يمر يوم أو بضعة أيام من دون الإعلان عن عمليات دهم واعتقالات جديدة تطال معارضين ومدافعين عن أوضاع حقوق الإنسان فضلا عن معارضين لسياسات حكومة حزب "العدالة والتنمية" الحاكم فى البلاد.
وفي آخر حملة في هذا الصدد، نفذت السلطات التركية مداهمات في أكثر من 25 إقليما والعاصمة أنقرة الأسبوع الماضى، وذلك عقب أن أصدر الادعاء مذاكرات اعتقال بحق 89 شخصا على خلفية صلتهم بالانقلاب الفاشل منذ عامين.
اعتقال ضباط كبار بالجيش
وذكرت وكالة "الأناضول" التركية للأنباء المقربة من النظام الحاكم، أن الادعاء أصدر أوامره بالقبض على 50 جنديا في إقليم تكيرداج بشمال غرب تركيا ، مضيفة أن السلطات تبحث عن المزيد من المشتبه بهم في أكثر من 25 إقليما، وقد جرى إلقاء القبض على 7 من أفراد القوات الجوية، 6 منهم كانوا في الخدمة، في إقليم إسكي بشمال غرب البلاد.
وقال موقع "أحوال" الإخبارى التركى، إن هذه الحملة الجديدة من الاعتقالات تأتي بعد حملة سابقة قبل بضعة أيام استهدفت عشرات الجنود في الجيش والبحرية التركية على خلفية محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة قبل أكثر من عامين.
وعادة ما تلصق السلطات التركية بالمعارضين ومنهم هؤلاء الجنود تهمة جاهزة بأنهم على صلة بالداعية الإسلامي فتح الله كولن المقيم في الولايات المتحدة والذي تحمله حكومة أنقرة المسؤولية عن محاولة الانقلاب الفاشل.
وألقت الشرطة في اسطنبول أيضا القبض على 21 آخرين من المشتبه بهم ، ومن بين التهم التي يواجهها هؤلاء الأشخاص، استخدام خدمة رسائل مشفرة يُفْتَرَض أن يكون أنصار غولن قد تواصلوا عبرها، وأغلب هؤلاء المشتبه بهم هم معلمون سابقون.
وقبل ذلك، كانت نيابة أنقرة أصدرت مذكرات توقيف 110 جنود يخدمون في سلاح الجو، منهم 3 برتبة لواء و 5 طيارين، في إطار تحقيق يستهدف انصار غولن في الجيش، وتم توقيف 85 منهم وتتواصل عمليات البحث عن ال 25 الآخرين.
وفي مطلع شهر نوفمبر الجاري، قالت وسائل اعلام تركية إن السلطات التركية اعتقلت 48 جنديا وثمانية أشخاص آخرين، وأضافت أن المعتقلين من بين 89 شخصا ألقي القبض عليهم بأوامر في إطار تحقيق يجريه الادعاء في اسطنبول.
وفي وقت سابق كانت محطة (سي.إن.إن ترك) التلفزيونية ذكرت أن الادعاء التركي أمر باحتجاز 70 ضابطا بالجيش للاشتباه في صلتهم برجل الدين فتح الله كولن، وقالت إنه تم إلقاء القبض على المشتبه بهم بناء على شهادات أدلى بها جنود احتجزوا في السابق لعلاقاتهم بالمعارض التركى الشهير، ويعتقد أنهم كانوا يتولون مسؤولية تجنيد طلاب لحركته.
وقال مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إن تركيا احتجزت 160 ألف شخص وفصلت عددا مماثلا تقريبا من وظائف عامة منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016.
اعتقال مفكّرين وأكاديميين
واحتجزت الشرطة التركية 10 من أساتذة الجامعات والمفكرين والنشطاء بزعم ارتباطهم بصلات مع رجل الأعمال التركي عثمان كافالا المعروف بأعماله الخيرية.
وقال مكتب المدعي العام في إسطنبول في بيان صحفي يوم الجمعة لماضي، لتوضيح العملية الأمنية إن اعتقال هؤلاء الثلاثة عشر يرتبط باحتجاجات متنزه "غيزي" التي اندلعت عام 2013 وامتدت لمختلف أنحاء البلاد.
وذكرت وكالة أنباء "دوجان" التركية أن السلطات التركية نفذت مداهمات صباح الجمعة ضد أكاديميين وأعضاء في المجتمع المدني وأفراد في القوات الجوية وأئمة، وألقت السلطات التركية القبض على 7 ممثلين عن معهد "الأناضول الثقافي"، بينهم نائب رئيس المعهد، يجيت أكميكجي.
وقالت الوكالة التركية إن إحدى العمليات التي قامت بها شعبة الجريمة المنظمة بإدارة الشرطة كانت ضد 20 شخصاً لهم صلات برئيس المعهد ورجل الأعمال والمفكر عثمان كافالا، الذي اعتقل منذ أكثر من عام، لكنه لم يواجه اتهامات بعد.
إدانات دولية
فيما أثارت حملة الاعتقالات التي قامت بها السلطات التركية استياء منظمات دولية سارعت بالتعبير عن إدانتها الشديدة لها.
وأدانت منظمة العفو الدولية ، قيام السلطات التركية بتنفيذ مداهمات الجمعة ضد الأكاديميين وأعضاء المجتمع المدني وأفراد في القوات الجوية وأئمة.
وأصدرت المنظمة بيانا من مديرها الإقليمي، أندرو جاردنر قال فيه إن الاعتقالات تمت "على أساس مزاعم سخيفة" وأن هذه الإجراءات "تحطم أي وهم بأن تركيا تعود لحالتها الطبيعية بعد رفع حالة الطوارئ".
كما أدان نادي القلم الدولي "بِن إنترناشونال" المداهمات ودعا الاتحاد الأوروبي إلى "إظهار تضامنه مع المجتمع المدني التركي، والضغط على تركيا للإفراج عن هؤلاء النشطاء وغيرهم من نشطاء المجتمع المدني".
وقال متحدث باسم الاتحاد الأوروبي إن اعتقالات الجمعة "مثيرة للقلق"، قائلا إن السلطات يجب أن يكون لديها "قرار سريع للغاية"، وأضاف المتحدث أن رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبى فيديريكا موجيريني ستثير موضوع اعتقال أفراد المجتمع المدني عندما تزور أنقرة في 22 نوفمبر.
ومنذ الانقلاب الفاشل في عام 2016، اتخذت الحكومة التركية إجراءات صارمة ضد من يزعم أنهم أعداء الدولة، والارهابيين، وبينهم أكاديميون وصحفيون ونشطاء حقوقيون.
وتم اعتقال عشرات الآلاف، وغالبا ما يكون لمزاعم بصلتهم بحركة لرجل الدين المنفي بالولايات المتحدة فتح الله غولن ويتهمه أردوغان بأنه المدبر لمحاولة الانقلاب.
وفي مدينة إزمير، استهدفت قوات الأمن صغار التجار الذين تعتقد السلطات أنهم ينتمون إلى حركة كولن واعتقلت 17 شخصا، وفقا لوكالة دوجان.
وتأتي هذه الحملات القمعية الجديدة امتدادا للمداهمات المستمرة ضد من تتهمهم السلطات أنهم أنصار كولن منذ محاولة الانقلاب في يوليو 2016 التي شهدت مقتل 250 شخصا، وينفي كولن تورطه في تلك المحاولة.
ويتهم معارضون الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستغلال محاولة الانقلاب كذريعة لقمع المعارضة بينما تقول الحكومة إن هذه الإجراءات ضرورية للتصدي لتهديدات الأمن القومي.
واعتقلت السلطات أكثر من 77 ألف شخص وعزلت أكثر من 150 ألفا آخرين أو علقت مهامهم في إطار عمليات التطهير التي تعرضت لانتقادات حادة في الخارج، لكن أنقرة تعتبرها ضرورية للقضاء على أي خطر بحصول تمرد.