لا يمكن أن يكون هناك نتيجة للمقدمات السيئة سوى مزيد من الفشل، وإذا سلمنا بأن الحكمة الشهيرة "من جد وجد ، ومن زرع حصد" صحيحة وفى موضعها فإنه لابد أن نعترف بأننا زرعنا أخطاءً وخطايا سياسية على مدار الفترة الماضية، كانت النتيجة الطبيعية والعادلة لها أن نجنى ثمار ذلك الفشل الذريع فى انتخابات نيابية غاية فى الحساسية.
انتخابات "النواب" بمرحلتها الأولى أفرزت لنا مسلمات ليس أمامنا سوى خيارين، الأول أن نحولها لدروس مستفادة بحديث لا تنقصه الصراحة والمصارحة، أو ندفن رؤوسنا فى الرمال ونذهب ونحتفل بمن توهموا أنهم نجحوا بوصولهم لكرسى البرلمان، ووقتها لن نفيق إلا على قصة فشل جديدة سببها عدم فهم رسائل الشعوب.
قبل ما يقرب من 5 سنوات كانت هناك استعدادات لانتخابات برلمانية سبقها الكثير من الغضب الشعبى المكتوم، ترشح فيها وجوه مللهم الشعب وسئمهم، بملامحهم وبرامجهم وأنصارهم وسيرتهم ذاتها، ودون الخوض فى تفاصيل نعرفها جميعا، ذهب هؤلاء بالنظام إلى السقوط، وبداية "الصفر" الكبير كانت فى المفارقة المخزية أنه وبعد كل ما حدث وجدنا الوجوه نفسها تتقدم الصفوف وترشح نفسها لتمثيل الشعب فى برلمان 2015، مع آخرين أقل ما يقال عنهم أنهم "نكرة" لا يعرفهم أحد، ولا هم يعرفون سوى أن حقهم الدستورى الترشح فى الانتخابات، حتى وصل الأمر إلى أن موقع "برلمانى" خلال يومين تلقى اتصالات متعددة من مواطنين يسألون عن أسماء المرشحين فى دوائرهم!، ما يعكس حجم هؤلاء ونشاطهم، فاستحقوا الحصول على "صفر" صغير بحجمهم، ومع ذلك مازال هناك من يتساءل لماذا أحجم الشعب عن المشاركة فى الانتخابات.
استكمالًا للأجواء العبثية والمخزية تصدر مشهد حشد المواطنين للانتخاب وحثهم على المشاركة وجوه سئمها الشعب، وكره رؤيتهم وطلعتهم غير البهية، فعلى مستوى الشباب، رأينا من كتبوا لإقناع الشباب بالمشاركة، وهم يعلمون أن وزنهم وحجمهم الطبيعى لا يرقى لإقناع "أمى" بضرورة التعليم، ومع ذلك مارسوا الفلسفة والتنظير الفارغ من أى مضمون، فلم يستجب لهم أحدا، فاستحقوا "صفرا" كبيرا تتويجا لما قدموه من "هرى" على من هم أكثر منهم "علما ووعيا وفهما"!.
أصحاب "الصفر" الرابع هنا بعض من يتصدرون المنابر الإعلامية بخطاب يحمل مزيجا من العشوائية والتهويل وترويج الشائعات.. "الدبب" التى سبق لها قتل أصحابها، وماتزال تمارس الدور ذاته بمزيد من الجهل والغباء، هولاء قدموا خطابا أكثر من "كارثى"، فتحدثوا تارة عن برلمان يعزل الرئيس، وأخرى عن برلمان أعلى من سلطات الرئيس، وثالثة عن برلمان سيعدل الدستور، فساهموا فى ابتعاد الشعب عن تحديد ملامح هذا البرلمان الكارثى - حسبما قدموا من تحليلات.
بعدما تحدثنا عن صفر المرشحين والأحزاب المهترئة، لابد أن نذكر "صفر" الحكومة الكبير، هذه الحكومة التى يرأسها رجل جاء بعد سلفه النشط الناشط المتحرك فبدأ وجوده وحكومته غير ملحوظ "كما وكيفا"، فلم نره، ولم نر وزراءه، ولم نر خطة لهذه الحكومة تساهم فى إجراء انتخابات برلمانية تليق بمصر، وبمستوى الظرف الراهن، واكتفت هذه الحكومة بالمشاهدة، حتى أنها وفى اليوم الثانى للتصويت، لم تفعل شيئا لحشد المواطنين، بعد مشهد اليوم الأول، لأنها لم تعمل على الأرض قبلها، فبدت مرتبكة غير قادرة على إنقاذ الموقف، واستكملت عملها المتخفى منذ تشكيلها، وأداءها السىء، فأصبحت لا ترى بالعين المجردة، فاستحقت عن جدارة "الصفر" الخامس ، ليس فقط فى الانتخابات، بل حتى على مستوى الآداء العام، وعدم قدرتها على تخفيف العبء الذى يكسر ظهر البسطاء.
انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية بكل سلبياتها، وتتبقى مرحلة أخرى، إذا كانت عناصر العملية من "مرشحين وأحزاب وحكومة وإعلام" يريدون خيرا فعليهم وفورا تقديم خطاب يليق بالحدث، خطابا لا تنقصه الصراحة والفهم من المرشحين وأحزابهم، أما الحكومة فعليها أن تخرج ورئيسها من "القمقم"، وتحاول الوصول للشعب من خلال خطاب مطمئن، وخطوات على الأرض تحفز اليائسين من تحسن الأوضاع، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الآوان.