كتب برلمانى
بعد أقل من 60 يومًا على بدء انعقاد جلسات مجلس النواب وممارسته لمهامه وصلاحياته، وتمتع النواب بصفاتهم النيابية وحصانتهم، التى دخلت حيز الوجود فى الجلسة الأولى صباح العاشر من يناير الماضى، يقف النائب توفيق عكاشة، عضو مجلس النواب عن دائرة طلخا ونبروه بمحافظة الدقهلية، على بعد خطوة واحدة من انتهاء نشاطه البرلمانى ووجوده تحت القبة، ليس بحكم من محكمة النقض على خلفية طعن مقدم ضد انتخابات دائرته، ولكن على خلفية الطعن فى ذاته، ورفض زملائه وأصدقائه تحت القبة لوجوده بينهم واعتباره عارًا ودنسًا لا يجب أن يظل فى رحاب البرلمان المصرى.
الساعة الأخيرة لـ"نائب التطبيع" تحت قبة البرلمان
عقب لقاء توفيق عكاشة بالسفير الإسرائيلى بالقاهرة "حاييم كورين" خلال الأسبوع الماضى، شهدت الساحة السياسية حالة من الجدل والأخذ والرد، سرعان ما انتقلت إلى المجلس وسيطرت على الأجواء تحت القبة، ليقرر أعضاء المجلس تشكيل لجنة للتحقيق مع النائب فى موقفه وما هو منسوب إليه، وخاصة مع تصريحه بأنه تحدث مع السفير الإسرائيلى فى أزمة سد النهضة والقضية الفلسطينية وطالبه ببناء مدارس جديدة بالقاهرة.
عقب تشكيل اللجنة بدأت عملها بالاستماع إلى أقوال النائب فيما هو منسوب إليه، وإلى شهادات النواب وآرائهم، وخاصة من بين الـ120 نائبًا الذين قدموا طلبًا مكتوبًا بإسقاط العضوية عن النائب، وخلال الجلسة العامة للمجلس أمس الثلاثاء، دعا الدكتور على عبد العال، رئيس المجلس، الأعضاء إلى الالتزام بحضور جلسة الأربعاء لأمر مهم، وبالفعل شهدت الجلسة عرض تقرير لجنة التحقيق مع "عكاشة"، والتى عرضت نتائج تحقيقها وأوصت بحرمان النائب من حضور الجلسات حتى انتهاء الدورة البرلمانية الحالية، ولكن النواب الحضور بالجلسة رفضوا التوصية وطالبوا بإسقاط العضوية عن "نائب التطبيع"، ليبدأ البرلمان التصويت على الاقتراح بالفعل.
405 نائبًا يدلون بأصواتهم بينهم 10 رافضين
عقب انتصار أعضاء مجلس النواب بالجلسة العامة المنعقدة الآن لفكرة التصويت على إسقاط عضوية توفيق عكاشة، بدأ التصويت على إسقاط العضوية نداء بالاسم، وبعد أكثر من ساعتين على التصويت وصل عدد من أدلوا بأصواتهم من الأعضاء حتى الآن إلى 405 نائبًا، وافق منهم 395 نائبًا على إسقاط العضوية، ورفض 10 نواب فقط التصويت ضد "نائب التطبيع".
الصورة العامة التى تشهدها الجلسة العامة للمجلس تشير إلى أن النواب يأخذون موقفًا واضحًا وواحدًا، إما بالتنسيق والاتفاق المسبق، أو بالتوافق الضمنى، وهو ما تؤكده تصريحات عديدة لعدد كبير من النواب الذين أكدوا تصويتهم ضد توفيق عكاشة، لأنه لا يجب أن يظل فى تحت القبة، ومن الضرورى التخلص منه ومن الدنس الذى يحيط بعملية التطبيع وغيرها من الممارسات المتجاوزة للأعراف البرلمانية، وتجاوز البعض هذه الفكرة وصولاً إلى طلب إسقاط الجنسية المصرية عنه، بينما تقدم آخرون بطلبات ومذكرات رسمية للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لسحب ترخيص قناة "الفراعين" المملوكة للنائب.
الموقف الواضح والحاد الذى يأخذه النواب يتجلى فى قلّة عدد داعمى عكاشة، أو رافضى إسقاط العضوية عنه، فبينما برر بعضهم التصويت لصالح "نائب التطبيع" بأنه يرى إسقاط العضوية عقوبة مبالغًا فيها، ورأى آخرون أن المادة 110 من الدستور، والتى يستند إليها الداعمون لإسقاط عضوية عكاشة مادة معيبة وتهدد نوابًا آخرين بشكل انتقائى وغير واضح المعالم والمعايير، ظلت موجة الرفض لنائب طلخا ونبروه كاسحة وهى الأقوى والأعلى صوتًا، فبعيدًا عن الأرقام وموافقة 341 نائبًا على إسقاط العضوية فى مقابل 9 نواب فقط رفضوا، لم يكتف النواب المطالبون بإسقاط عضوية "عكاشة" بانتصارهم وتغلبهم العددى، ولكنهم دشّنوا "ٌائمة سوداء" وضعوا فيها أسماء النواب الرافضين لإسقاط العضوية والداعمين لـ"نائب التطبيع".
السفير الإسرائيلى يدعم "توفيق عكاشة".. والنائب يتذلل طالبا الاعتذار
الموقف الذى يعيشه توفيق عكاشة اليوم، وعاشه خلال الأيام الماضية، لا يُحسد عليه، فبدءًا من لقائه بالسفير الإسرائيلى خلال الأسبوع الماضى، واشتعال حالة الجدل والصراع بسبب الزيارة، غاب "التوفيق" عن عكاشة بشكل كبير، فبدأ رحلة النهاية بالعناد والمكابرة وإعلانه توجيه دعوة أخرى للقاء السفير، وجاهزيته لزيارة إسرائيل ومقابلة المسؤولين والصحفيين الإسرائيليين، موزّعًا الاتهامات والسباب على المختلفين والمعارضين والقيادة السياسية والشخصيات التاريخية والرموز الوطنية، عبر نافذته الإعلامية فى القناة المملوكة له ولعائلته، ما كان مقدمة لأن يضربه النائب كمال أحمد، عضو المجلس عن محافظة الإسكندرية، بالحذاء خلال الجلسة العامة قبل أيام، وصولاً إلى موقف المجلس وقراره بإسقاط العضوية عنه.
الارتباك وغياب التوفيق عن مواقف وقرارات وخطوات "عكاشة" اكتمل اليوم بموقف السفير الإسرائيلى بالقاهرة "حاييم كورين"، والذى نشر مقطع فيديو عبر الصفحة الرسمية للسفارة على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، يعلن فيه دعمه وتأييده للنائب توفيق عكاشة، ويؤكد أن لقاءه به كان جيدًا ومثمرًا وأنه بداية حلقة من اللقاءات والتفاهمات بين السفارة والنائب.
من جانبه، يبدو أن "عكاشة" شعر بحجم عدم التوفيق الذى تورط فيه، وبفداحة الأزمة التى يمر بها، ولكن فى وقت متأخر، فرغم عناده ومكابرته خلال الأيام الماضية، شهدت الساعات والدقائق الأخيرة، ومنذ بدء التصويت على إسقاط عضويته وحتى الآن، تذلل النائب واستعطافه للنواب وأمن المجلس وكل من يصادفه من الأعضاء والمسؤولين، طالبًا دخول القاعة للاعتذار عن موقفه وتصرفاته، بينما كان رئيس المجلس الدكتور على عبد العال قد أصدر توجياته لأمن المجلس بمنعه "عكاشة" من الدخول إلى القاعة، ليقف "نائب التطبيع" على باب القاعة مستعطفًا ومتذللاً بينما يقترب خطوة بعد خطوة، وصوتًا بعد صوت، ودقيقة بعد دقيقة، من نهاية حياته البرلمانية ووجوده تحت القبة، مهدّدًا بلفظ أنفاسه البرلمانية، لتكون الساعة الحالية آخر ما يتعلق به توفيق عكاشة، والتى ربما تكون آخر ساعة له تحت القبة.