السبت، 23 نوفمبر 2024 12:39 ص

الوفد المصرى يعود من إيطاليا مبكرا عن موعده.. روما تعلن قطع التعاون.. رئيس الوفد يروى تفاصيل اللقاء وطلب معلومات تنتهك خصوصيات المواطنين.. فهل وصلت القاهرة وروما إلى الصدام الكامل؟

خطايا القاهرة وروما فى قضية "ريجينى"

خطايا القاهرة وروما فى قضية "ريجينى" خطايا القاهرة وروما فى قضية "ريجينى"
السبت، 09 أبريل 2016 11:21 م
كتب برلمانى
شهران أو يزيد وما زالت قضية الشاب الإيطالى جوليو ريجينى هى العنوان الأبرز فيما يخص العلاقات المصرية الإيطالية، فبعد اختفاء الشاب فى ظروف غامضة، ثمّ ظهور جثته على أحد الطرق الصحراوية، وعليها آثار تعذيب وانتهاك بدنى، والشد والجذب لا يتوقف بين القاهرة وروما فى رحلة البحث عن قاتل "ريجينى"، فما بين بيانات من الأجهزة الأمنية، وإشارات إلى متهمين ومتورطين، ومعلومات وأخبار وأدلة يعلنها الأمن المصرى، وتصريحات إيطالية رسمية ناقدة، وإشارات إلى تقاعس من الأجهزة الأمنية بالقاهرة، وما بين تعاون فعلى وتبادل وفود أمنية للتواصل والتعاون والتحقيق، تتذبذب المواقف وتتداخل بين العاصمتين، وما زالت القضية غامضة ولم نصل إلى الكلمة الفصل فيها، حتى بعد المؤتمر الصحفى الذى عقده المستشار مصطفى سليمان، النائب العام المساعد ورئيس الوفد القضائى المصرى الذى زار روما خلال اليومين الماضيين، وشرح فيه تفاصيل الزيارة وما طلبه الجانب الإيطالى وخلفيات وكواليس التعاون الأمنى والقضائى فى كشف لغز القضية، ما زال مقال "جوليو ريجينى" لغزًا يبحث عن حل، وما زالت الأجواء بين القاهرة وروما ملبدة بالغيوم، وحافزة على التساؤل الصعب: هل وصلت مصر وإيطاليا إلى الصدام الكامل؟
image (2)

رحلة البحث عن قاتل ريجينى بين القاهرة وروما


بدأت الرحلة مع اختفاء جوليو ريجينى ورحلة البحث عنه، ثم ظهور جثته، وبدء التحقيق فى ظروف وملابسات الوفاة، خلال هذه الرحلة التى تجاوزت الشهرين، ظهرت معلومات ودارت وتضخمت ثمّ خفتت، بدأ التنسيق بين الأجهزة الأمنية المصرية والإيطالية وزاد ثمّ تراجع، ظهر شاهد عيان يؤكد رؤية الشاب الإيطالى فى وسط القاهرة بصحبة أجنبى، ثمّ اتضح أنه شاهد زور، ضبطت الأجهزة الأمنية خمسة متهمين واضطرت لتصفيتهم بسبب مقاومتهم وتبادلها لإطلاق النار معهم، على حدّ قولها، ثمّ اتضح أنه لا علاقة لهم بالأمر، بينما أشارت الأجهزة الأمنية الإيطالية إلى أنها توصلت لقاتل "ريجينى" بالصوت والصورة، وعرضت اسم اللواء خالد شلبى، أحد المسؤولين بمديرية أمن الجيزة، ووسط هذا استقبلت القاهرة وفدًا أمنيًّا إيطاليًّا للمشاركة فى جمع المعلومات ومتابعة مسار التحقيقات، وتعقدت الأمور واهتزّت خيوط التواصل أكثر من مرة، لتأتى المحطة الأخيرة مع سفر وفد أمنى وقضائى مصرى إلى العاصمة الإيطالية روما، حاملاً معه أوراق وملفات القضية، وكل التفاصيل والأدلة التى توصل إليها، قبل يومين، ليعود مساء أمس إلى القاهرة مبكّرًا عن موعده، بعد إعلان إيطاليا إيقاف التعاون مع مصر فى القضية وتحقيقاتها الجارية.
islam osama (1)

والدة "ريجينى" والنائب العام الإيطالى ورئيس لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان


وسط كل هذه التفاصيل لم يتوقف الاهتمام على الجهات الأمنية والقضائية فى إيطاليا فقط، ولكن القضية سيطرت على الأجواء الإيطالية الواسعة، على صعيد العمل الاجتماعى والإعلامى والقانونى والبرلمانى، إذ أفرد البرلمان الإيطالى متّسعًا لتناول القضية عبر جلسات استماع لوالدة الشاب الإيطالى جوليو ريجينى، وللمهتمين والمتابعين للقضية من رجال القضاء وفريق التحقيق، وخلالها انتقدت والدة الشاب الإيطالى حالة الحقوق والحريات فى مصر، وتحدثت عن مخالفات وتجاوزات يتعرض لها المصريون.

بينما قال رئيس لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان الإيطالى، إن الأجهزة المصرية لا تبدى تعاونًا جادًّا مع الأجهزة الإيطالية، وإنها لم توفر ما طلبته منها إيطاليا من معلومات وأدلة، متابعًا فى حديثه للصحف الإيطالية أمس: "المصريون أهانوا ذكاءنا، حضورا حاملين 2000 ورقة من أوراق التحقيقات باللغة العربية وبالعامية المصرية.
TMM05ITALIAN2_1069568b

إلى جانب ما رآه رئيس لجنة حقوق الإنسان فى البرلمان الإيطالى، وهو نفسه ما تواتر فى تصريحات عدد من المسؤولين الأمنيين والقضائيين فى إيطاليا، أشارت الصحف الإيطالية إلى خلل فنى تعرضت له أشرطة التسجيل الخاصة بالكاميرات ووحدة المراقبة فى محطة مترو البحوث، آخر الأماكن التى ظهر فيها الشاب الإيطالى قبل اختفائه، وهو ما أكده المستشار مصطفى سليمان فى المؤتمر الصحفى الذى عقده اليوم، مؤكّدًا أن الأجهزة والوحدات التقنية جديدة ولا تتوفر خبرة كافية لاستخدامها من العاملين عليها، كما أنها لا تحتفظ بالبيانات والصور لفترات طويلة، ولهذا تم التسجيل على محتواها، مؤكّدًا إرسالها إلى شركة ألمانية عاملة فى المجال لمحاولة استعادة المعلومات والبيانات التى تخص القضية وتساعد فى حلّ اللغز الغامض بشأنها.

مقتل جوليو ريجينى.. هل وصلت القاهرة وروما إلى الصدام والقطيعة؟


السيناريو العملى الذى شهدته القضية منذ خطواتها الأولى، بدءًا من الاختفاء ثمّ الظهور الغامض، ثمّ مساء المعلومات والبيانات والأدلة والاستنتاجات، ورحلة التعاون والقطيعة والشد والجذب بين الجانبين المصرى والإيطالى، تشير إلى خلاف كبير فى الرؤى والآليات والتوجهات بين الجانبين، ليس فقط خلاف الآليات القانونية ووسائل البحث والتحقيق والتحرى والاستنتاج وجمع المعلومات، ولا خلاف استقراء الشواهد والأدلة، ولكنه اختلاف عميق فى الرؤى النهائية بشأن القضية، إذ يبدو أن المسؤولين المصريين يتعاملون بمنطق المتهم الذى يسعى إلى نفى التهمة، ويجتهدون فى العمل وفق هذه الرؤية، وهو ما قادهم فى كثير من المواقف والأوقات إلى التورط فى تقديم معلومات متضاربة وغير منسجمة ومتوافقة مع مسار القضية، بينما يتحرك الجانب الإيطالى وفق قناعة نهائية مسبقة بأن الأجهزة الرسمية المصرية متورطة فى القضية، ما يقطع بأنه لا اتفاق ولا وفاق ولا وصول إلى نقاط مرضية للجانبين، لأن لكل منهما غاية وهدفًا يسعى إليه.
ايطاليا (8)

الأجهزة الأمنية المصرية لم تكن ذكية فى تعاملها مع القضية منذ البداية، فلو صدقت رواية الأمن الإيطالى فى تورط اللواء خالد شلبى فى القضية، فإن الإعلان عن هذا من البداية لم يكن دليلاً على عنف ممنهج وتجاوز للمؤسسة الرسمية كما ظن قيادات الأمن وتعاملوا، بل لعلّه كان شهادة مهمة فى حق الأجهزة الأمنية ونزاهة أدواتها وآلياتها، ولو لم تصدق هذه الرؤية فلا شكّ أن الأجهزة الأمنية تقاعست ولم تعمل بالوتيرة المطلوبة على القضية، خاصة وأنها تتصل بطرف خارجى وصل إلى مرحلة من الإجادة والتقنية التى تمكنه من كشف كواليس وخلفيات هذه النوعية من الجرائم بشكل سريع، والتأخير يصدّر انطباعًا بالمماطلة أكثر من كونه قصورًا فى الأدوات والآليات.

النقطة نفسها تحمل مأخذًا على الأجهزة الأمنية الإيطالية، إذ بدا الأمر منذ خطواتها الأولى وكأنه تحرك باتجاه وجهة واضحة ومحددة، وانتظار لنتيجة مسبقة ومحسومة سلفًا، فلم تتعاط الأجهزة الأمنية الإيطالية مع أيّة معلومات قدمها الجانب المصرى بشىء من الجدية، وظلت خلال مراحل العمل على جمع وتصنيف وترتيب المعلومات، توجه انتقاداتها لعمل وتحركات الجهاز الأمنى المصرى، وتحاول توجيه العمل على الأرض فى اتجاه الوصول إلى النتيجة المنتظرة، وهو ما يضعنا - بجوار موقف الأجهزة الأمنية المصرية وتعاملها - أمام خطأ مضاعف ومزدوج من الجانبين فى التعاطى مع القضية وتفاصيلها، وينقض أى موقف يأخذه أى منهما بحق الآخر، سواء حديث إيطاليا عن مماطلة الجانب المصرى وإهانته لذكائها وإخفائه للمعلومات، أو حديث الجانب المصرى عن مطالبات المسؤولين الأمنيين بالحصول على معلومات وبيانات تخص حركة المكالمات الهاتفية فى حى الدقى ومناطق عديدة من محافظة الجيزة، والتى تفوق المليون مكالمة، كونها انتهاكًا للدستور والقانون المصريين فيما يخص حقوق المواطنين.
ايطاليا (1)

كل التفاصيل والتطورات السابقة، وإعلان إيطاليا إيقاف التعاون مع مصر فى القضية، ثمّ المؤتمر الصحفى الذى عقده المستشار مصطفى سليمان، النائب العام المساعد ورئيس الوفد المصرى الذى زار روما، تحمل مؤشرات قوية على مرحلة مختلفة فى التعامل مع القضية، ودخول دوامة الصدام والقطيعة، وهو ما يستوجب على الطرفين التوقف لحظة للتفكير، إن كان الهدف الوصول إلى الحقيقة والحفاظ على مساء العلاقات القوية بين الدولتين، إذ يتعين على الجانب الإيطالى مواصلة العمل على القضية، مستخدمًا إمكانات جهازه الأمنى والقضائى فى دعم الجهاز الأمنى والقضائى المصرى، دون توجيهه أو محاولة التحرك به فى اتجاه مسبق، كما يتعين على الجانب المصرى التعاون الجاد والحقيقى مع الجانب الإيطالى، والتخلى عن ميراثه من التعامل الميكانيكى مع القضايا وتستيفها باستسهال وبساطة، وتجنب التعتيم على المعلومات والتستر على أى متورط فى القضية، أيًّا كانت صفته وموقعه، وربما تكون هذه القضية وما حملته من ارتباك وتوتر وصدامات، بداية لإصلاح المنظومة الأمنية فى مصر، وقيادة الأجهزة الأمنية إلى العم لوفق منطق قانونى وإنسانى وسياسى، عصرى وناضج، وبداية أيضًا لتدشين مرحلة مختلفة من العلاقات بين القاهرة وروما، والالتفات إلى قضايا المصريين فى إيطاليا، وإلى ضرورة دعم الأجهزة الأمنية فى مصر وغيرها من الدول النامية، من أجل الوصول إلى منظومة أمن وتحقيق وعدالة أكثر تماسكًا واحترافًا.

print