كتب محمد رضا
تحيط الأنظار بمجلس النواب الحالى، كونه أول برلمان عقب ثورة 30 يونيو، الذى تعلقت به آمال ملايين المصريين بإصدار التشريعات اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية والمعبرة عن احتياجات المواطن، ومع حالة الاهتمام الزائد بما يجرى فى أروقة البرلمان المصرى، تظهر للمتابع الكثير من الأخطاء التى يقع فيها النواب رغم قرار المجلس بمنع بث الجلسات، إلا أن هذا القرار لم يحجب عن المواطن تفاصيل وكواليس كثيرة مما يحدث داخل أسوار المجلس، ولعل أبرز ما يقع فيه النواب من أخطاء هو تجاوزهم فى بعض الأحيان لـ"الإتيكيت" فى تصرفات شخصية وفردية من البعض، إلى جانب التغيب الدائم والملحوظ لعدد كبير من الأعضاء مما يعطل سير أعمال المجلس لعدم اكتمال النصاب القانونى فى بعض الأحيان لعقد الجلسات.
وهنا تجدر الإشارة إلى حرص الدولة على الخروج بالشكل الأمثل لمجلس النواب، الأمر الذى تجلى فى كثير من المظاهر والأعمال، أولها الإعمال بنص المادة رقم 114 من الدستور المصرى، التى تنص على: "مقر مجلس النواب مدينة القاهرة، ويجوز له فى الظروف الاستثنائية عقد جلساته فى مكان آخر، بناءً على طلب رئيس الجمهورية، أو ثلث عدد أعضاء المجلس، واجتماع المجلس على خلاف ذلك، وما يصدر عنه من قرارات، باطل"، التى تلزم بانعقاد جلسات البرلمان بمقره الحالى الكائن بشارع قصر العينى، وهو ما دفع الدولة لإدخال تعديلات وتجديدات على كافة قاعات وأروقة مجلس النواب بما يتناسب مع العدد الزائد للأعضاء بعد إلغاء مجلس الشورى، وزيادة أعضاء مجلس النواب –مجلس الشعب سابقًا- إلى 596 نائبًا.
وصول عدد النواب إلى قرابة 600 نائب، ونص الدستور الملزم بعقد الجلسات بمقر المجلس فى القاهرة، حمل الدولة ملايين الجنيهات لزيادة عدد المقاعد فى القاعة الرئيسية كى تستوعب أعضاء المجلس، والصحفيين، إضافة إلى الضيوف من الشخصيات العامة والوزراء فى حالة الزيارات الرسمية أو إلقاء بيان رئيس الجمهورية، أو إلقاء بيان الحكومة، هذا إلى جانب التحديثات التى أدخلها المجلس على نظام التكنولوجيا فى القاعات والبهو الفرعونى، سواء كان بإدخال أنظمة التصويت الإلكترونى داخل القاعة الرئيسية، أو أجهزة التشويش على الاتصالات وأجهزة الإنترنت لتقوية شبكة الـ"واى فاى" داخل قاعات وأروقة المجلس.
الثابت هنا أن وزارة العدالة الانتقالية وشئون مجلس النواب، تعاقدت مع إحدى الشركات الألمانية، لتجهيز قاعة المجلس بأنظمة التصويت الإلكترونى، بتكلفة اقتربت من 10 ملايين جنيه، بحسب تصريحات سابقة للمستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية السابق وتحملتها وزارة الاتصالات، وضمت حزمة مساعدات، تشمل الصيانة والتدريب على التشغيل لمدة عام، كما تم تجهيز الخدمات الخاصة بالنواب من ذوى الإعاقة، وذلك بتحديد خط سير للكرسى المتحرك من البوابة حتى القاعة، وتجهيزات خاصة للصعود والهبوط، إضافة إلى دورات مياه مخصصة لهم.
4 صفوف إضافية لمقاعد مجلس النواب
وشملت تجديدات مجلس النواب أيضًا إضافة 4 صفوف إضافية لمقاعد النواب بواقع 32 مقعدًا، خاصة أن القاعة بشكلها القديم كانت لا تستوعب أكثر من 500 مقعد فقط، الأمر الذى فرض ضرورة زيادة المقاعد لاستيعاب الأعداد الإضافية للنواب، وتم تخصيص الشرفات والمقاعد التى كانت مخصصة للصحفيين فى الدور الثانى لتكون مقاعد للنواب أيضًا، فيما أصبحت كبائن كبار الزوار مخصصة للصحفيين، هذا إلى جانب تخصيص 10 مقاعد لذوى الاحتياجات الخاصة، 4 مقاعد منها بجوار رئيس المجلس، والـ6 مقاعد الأخرى موزعة فى الأركان الخلفية للقاعة، كما تم تصغير مساحة منضدة كتابة المضابط، هذا إلى جانب تزويد القاعة بـ4 شاشات اثنان كبيرتان فى الواجهة، وأخرتان صغيرتان على جانبى القاعة، لتعرض من خلالها نسب التصويت على القوانين، والتى تتم لأول مرة بالتصويت الإلكترونى.
لم تقتصر نفقات مجلس النواب لتهيئة وتأهيل أعضائه الجدد عند هذا الحد بل امتدت إلى توفير دورات تثقيفية حول مهددات الأمن القومى بالتعاون مع أكاديمية ناصر العسكرية، وسبقها دورات لـ"الإتيكيت" واللباقة لتدريب النواب الجدد على الظهور بالشكل الأمثل واللائق بهم كنواب عن الشعب، إضافة إلى دورات أخرى تتعلق بلغة الجسد والسلوك، وكل هذا للخروج بالمظهر المشرف للنائب المصرى سواء فى المظهر أو الجانب المعلوماتى، ورغم ذلك إلا أن النواب وقعوا فى عدة أخطاء توقف عندها الدكتور على عبد العال كثيرًا ومنها ارتداء النائب أحمد الطنطاوى، "تى شيرت" بدلًا من الزى الرسمى، الأمر الذى دفع رئيس المجلس لتحذيره مرتين بضرورة الالتزام بالزى الرسمى "البدلة"، فيما علق على كثرة تبادل "السلام" بين النواب، محذرًا أحد النواب "السلام ممنوع داخل الجلسة"، هذا إلى جانب تعليقه على الأحاديث الجانبية بين النواب واستخدامهم للهاتف المحمول، موجهًا حديثه لنائب ونائبة تعقيبًا على حديثهما أثناء انعقاد الجلسة: "سيادة النائب اللى بيكلم سيادة النائبة وسط القاعة، إحنا مش فى فصل"، وكان من أشهر تعليقاته على تصرفات بعض النواب أيضًا: "احنا مش فى قاعة أفراح، قاعة مجلس النواب لها احترامها، حيث جلس بالقاعة سعد باشا زغلول".
واللافت للنظر هنا أيضًا هو خلو قاعة المجلس من النواب فى كثير من الأوقات خلال الجلسات العامة سواء المنعقدة لمناقشة بيان الحكومة أو فيما قبل خلال بداية مناقشات بعض القرارات بقوانين الصادرة عن رئيس الجمهورية فى غير دور انعقاد المجلس، وكان آخر مشاهد غياب النواب اليوم الأربعاء، فرغم أهمية جدول أعمال جلسة اليوم التى تم التصويت فيها على برنامج الحكومة، إلا أن 117 نائبا تغيبوا عن حضور الجلسة، حيث حضر 476 نائبًا، صوت منهم 433 نائبًا بـ"نعم"، و37 بـ"لا"، فيما امتنع 5 نواب عن التصويت.
تعليقات الدكتور على عبد العال على غياب النواب
ودائمًا ما كان للدكتور على عبد العال، رئيس المجلس، تعليقات على تكرار مشهد خلو القاعة من النواب وانخفاض أعداد الأعضاء الحاضرين، جاءت بالتحذير أحيانًا، ورفع الجلسات مرات أخرى لعدم اكتمال النصاب القانونى، وتشديده أوقات على بعض النواب بضرورة عدم مغادرة الجلسة فى مشاهد قد تبدو "كوميدية" فى بعض الأحيان، حين يطلب رئيس المجلس من نائب عدم مغادرة القاعة حتى يحافظ على اكتمال النصاب القانونى لانعقاد الجلسة، لتبدو الأمور وكأنها تدور داخل أسوار "محراب علم" وليس مجلسًا منوط به التشريع والرقابة، ويكون أعضائه أكثر الناس حرصًا على التواجد والمتابعة لأنهم لا يمثلون أنفسهم، بل يمثلون ملايين المصريين الذين اختاروهم عبر صناديق الاقتراع ليعبروا عن مشاكلهم، ويشرعوا بما يخدم المصلحة الوطنية ومصلحة المواطن.
ومع تكرار تلك المشاهد، يتجلى هنا تساؤل حول الملايين التى أنفقتها الدولة بداية من تكاليف إجراء الانتخابات البرلمانية، وصولًا إلى التجديدات والتحديثات التى أدخلت على قاعات وأروقة المجلس، وأيضًا التجهيزات التكنولوجية التى زود المجلس بها أعضائه مثل "التابلت" وغيره الكثير من أوجه الصرف، فهل تكبدت الدولة إنفاق ملايين الجنيهات لكى تُعد مجلسًا للنواب أعضائه غير حريصين على الحضور والتواجد بجلساته العامة أو غير عابئين بالقيام بدورهم الرقابى والتشريعى؟