لم يكن القلم الصحفى يومًا عاجزًا عن الدفاع عن البسطاء والفقراء والكادحين من أصحاب الحق، ولم يقف ساعة مكتوف الأيدى أمام ظلم الأنظمة والحكام لمحكوميه فكيف يخيل البعض أن يفشل صناع الفكر والثقافة والقلم فى الدفاع عن أنفسهم ضد هجوم وصفه البعض بالبربرى أو حتى العدوانى على قلعت الحريات وشعاع التنوير فى الدولة؟.
لم تصمت أقلام الأساتذة من الكتاب عن الحديث والنقد وتناول الأزمة وتحليلها، والانحياز لنقابتهم، من خلال مقالات الرأى فى الجرائد المصرية المختلفة، والتى تناولوا فيها تفاصيل وتداعيات اقتحام قوات الداخلية لمحراب التنوير وقلعة الحريات فى مصر.
الخيوط الرفيعة.. اقتحام النقابة مخالفًا لكل الأعراف والقواعد التى حكمت علاقة السلطة بالصحفيين
تحت عنوان "الخيوط الرفيعة"، قال الكاتب الصحفى أكرم القصاص، فى مقاله المنشور بصحيفة "اليوم السابع": "فى الأوضاع الطبيعية هناك سلطة ومعارضة وأحزاب ورأى عام، السياسة هى تفاوض، وضغط واتهام وانتقاد تسفر جمعيتها فى النهاية عن تفاهم عام ولا يقود إلى صدام، وعندما تتكرر الصدمات، فهذا يعنى أخطاء فى بينة العمل السياسى تتطلب علاجا يواجه هذه التوترات".
وأضاف القصاص: "هذا كله كلام نظرى، لا يساوى شيئا فى ظل وقوع صداما يهدد بمزيد من الصدمات المتشعبة تنتهى إلى حرائق كل هذا بسبب الرؤية الضيقة لكل طرف والتعامل على أن الأمر حرب بين أعداء، وليس حوارا بين أطراف فى معادلة واحدة.
وعليه فإن أقدام طرف أو أطراف من وزارة الداخلية على اتخاذ قرار بدخول نقابة الصحفيين لتنفيذ قرار القبض على صحفيين تصرف يفتقر إلى أى نوع من التقدير، وأن دخول نقابة الصحفيين للقبض على عمرو بدر ومحمود السقا مخالفًا لكل الأعراف والقواعد التى تحكم علاقة السلطة بالصحفيين وهى سابقة لم تحدث طوال 75 عامًا من عمر نقابة الصحفيين ولا فى ظل أكثر الأوقات التى كانت فيها علاقة بين الصحافة والسلطة فى أسوأ أوضاعها، وتتنوع الأوصاف والاتجاهات فى التعامل مع هذا التجاوز لخطوط تم بناؤها على مدى عقود اتسمت بخيوط رفيعة تمتد بين أطراف العمل النقابى والسياسى، وكانت هذا العلاقات دائما قادرة على حفظ العلاقة بين الدولة والصحافة فى توازن واضح".
لغة البيادة.. الداخلية أجرمت حينما تدخلت فى السياسة وقمعت التظاهرات
وفى جريدة اليوم السابع قال الكاتب الصحفى وائل السمرى فى مقاله المعنون تحت عنوان "لغة البيادة".
إن اللغة الرسمية لوزارة الداخلية الآن هى "البيادة" واقتحام نقابة الصحفيين تهديد علنى بأن الجميع يقعون تحت البيادة، أو فى انتظار الوقوع تحتها، وللأسف فقد شوهت هذه الوزارة نفسها بنفسها، وأهالت التراب على بطولات بعض من أبنائها الأبرار الذين سقطوا فى معركة الشرف دفاعا عن مصر وأمنها، وللأسف فإن نهج الوزارة هذه الأيام يؤكد أنها تستعرض قوتها فى الشوارع والبيوت والميادين دون خوف أو حتى خجل وهو ما يبرز حاجتنا الآن إلى وضع ميثاق جديد للتعامل مع هذه الظروف.
فللأسف قد استغلت وزارة الداخلية شرعية الحرب على الإرهاب ووضعت جميع فئات المجتمع فى مصاف الإرهابيين وصارت لا تخجل من المخجلات، ولا تتقى الله فى شهدائها.
أجرمت الوزارة حينما تغولت على مؤسسات الدولة، وأجرمت حينما تركت يد أبنائها تعبث فى الشوارع والميادين، وأجرمت حينما تركت الأسلحة النارية فى أيدى أمناء الشرطة ومندوبيها، ليرهبوا بها عباد الله، فيقتلوا من يقتلوا، ويجبوا من يجبوا.
وأجرمت حينما ظنت أنها هى القانون، وأن رغباتها هى الفيصل بين الحق والضلال، وأجرمت حينما لم تحاكم المجرمين من المنتمين إليها، وأجرمت حينما أصرت على التدخل فى السياسة لتقمع التظاهرات.
«اعتقال» نقابة الصحفيين
وفى جريدة الشروق قال الكاتب طلعت إسماعيل فى مقاله المعنون تحت عنوان " «اعتقال» نقابة الصحفيين"
شهر كامل عاشته نقابة الصحفيين، ما بين ندوات وتوزيع جوائز ومناقشات لمستقبل الصحافة، احتفاء بيوبيلها الماسى، قبل أن تجد نفسها فى عين أعتى العواصف، بعد أن باتت ساحة مستباحة تقتحمها الشرطة كلما شاءت، وأصبح أعضاؤها لقمة سائغة، وعناصر مشبوهة يحق لأى فرد من جهاز الأمن توقيفهم، والتعدى عليهم بالسب والضرب إن لزم الأمر.
مساء الأحد الأول من مايو «يوم عيد العمال»، اقتحم شلة من رجال الأمن مقر نقابة الصحفيين واعتدوا على أفراد أمنها قبل أن يلقوا القبض على الزميلين عمرو بدر رئيس تحرير موقع بوابة يناير، ومحمود السقا المحرر فى الموقع ذاته، واللذين كانا معتصمين داخل النقابة، بدعوى صدور طلب ضبط وإحضار من النيابة لهما بتهمة التحريض على التظاهر ضد التنازل عن ملكية جزيرتى صنافير وتيران للسعودية.
وصف البعض ما جرى لنقابة الصحفيين يوم 25 أبريل بـ«الاثنين الأسود»، واعتبره الزميل أسامة داود، عضو مجلس النقابة «اعتقالا للنقابة»، لكن ما حدث ليلة الأحد «سقطة» مدوية ستدفع مصر ثمنها، وليس وزارة الداخلية فقط، وسيرى من أعطوا الأوامر باقتحام نقابة الصحفيين أية كارثة ألقوا بها على رأس البلد عندما يتولى الإعلام الدولى الحديث عن هذه الفضيحة التى تورطت الشرطة فى ارتكابها على رءوس الأشهاد.
عاد ضباط الشرطة إلى الجلوس ثانية على الرصيف المقابل للنقابة، فى مشهد يذكرنا بما كان يجرى فى عهد مبارك البائد، وعادت معهم المشاهد البغيضة التى كنا نعتقد أنها ولت لغير رجعة، ثم يسألونك بعد ذلك عن ضرورة إصلاح صورة الشرطة فى عين المواطنيين؟!
هل تعتقد الشرطة، ومن أمرها بالتعامل بمثل هذه الخشونة مع الصحفيين، أن من جرى ترهيبهم ومنعهم من التعبير عن رفضهم للتنازل عن جزيرتى صنافير وتيران للسعودية، يمكن محو الغضب الذى يعتمل فى صدورهم جراء هذا القرار بهذه الطريقة؟!.
كسب التأييد لقضية مختلف عليها لن يحدث بالعصا الغليظة، ولن يكون عبر أبواق وحناجر صنعت برعاية أمنية.
هيكلة الداخلية قبل إقالة الوزير
وفى جريدة الشروق قال الكاتب محمد عصمت فى مقاله المعنون تحت عنوان "هيكلة الداخلية قبل إقالة الوزير"
إذا كنت من معارضى السيسى، فلن تحتاج إلى أى دليل إضافى لتثبت أن اقتحام الشرطة لمقر نقابة الصحفيين للقبض على الزميلين عمرو بدر ومحمود السقا، ما هو إلا خطوة جديدة لبناء الدولة البوليسية فى مصر، كما أنك لن تحتاج لمجهود ذهنى كبير لكى تقتنع بما تقوله فصائل سياسية متعددة بأن ثورة يونيو لم تكن أكثر من «انقلاب» على حكم الإخوان المسلمين، وأنها أعادت من جديد الممارسات القمعية لدولة مبارك، حتى لو لم تكن أنت نفسك إخوانيا، أو حتى كنت تعارضهم طوال حياتك، وتقول فيهم ما قال مالك فى الخمر.
أما إذا كنت من مؤيدى الرئيس، فأمامك تفسيرات متعددة ومتضاربة لفهم انتهاك الداخلية الفاضح للقانون، يأتى فى مقدمتها أن غريزة الانتقام البدائى من ثورة يناير، وراء إقدام الداخلية على هذه الخطوة، باعتبارها الوجه الآخر لحالات القتل «الفردية»، التى يرتكبها أمناء الشرطة أخيرا فى شوارعنا.
ولو حاولت فهم الأمر على خلفية ما يتردد عن صراع الأجهزة الأمنية فى مصر، الذى تخطى الخطوط الحمراء، فلن تجد أى دليل عقلانى يثبت هذه الفرضية، فالداخلية هى التى ورطت نفسها بنفسها فى هذه العملية، دون أن ينافسها فيه أى جهاز أمنى آخر.
أما إذا كنت ترى أن بعض قيادات الوزارة أرادت إحراج النظام، فإنهم سيكونون أول ضحايا الفشل المتوقع لهذا الاقتحام، وأن ردود الأفعال الغاضبة المتوقعة ستطالب برؤسهم، ثم إن هذا الرأى يفترض بالضرورة تورط الوزير شخصيا معهم، وهو أمر غير معقول بالمرة، اللهم إلا إذا كان يريد أن ينتحر سياسيا، أو أن وراءه شخصية أكبر منه وافقت على هذه الخطوة، وهو أيضا أمر مستبعد حتى الآن!
قد يرى البعض أن قلة الحيلة، وانعدام الكفاءة، وغياب أى حس سياسى، وراء هذا القرار الغشيم باقتحام النقابة، خاصة أن هذا الاقتحام سبب حرجا بالغا النظام، وأثار غضبا واسعا داخل مصر، كما قدم للدول الغربية مبررا مجانيا لتوجيه المزيد من الانتقادات للنظام المصرى، باعتباره معاديا للقيم الديمقراطية، فى وقت يواجه فيه شبح عقوبات غربية على خلفية حادث مقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، أو على الأقل يزيد من مصداقية المطالب بفرض هذه العقوبات عليه.
هل ينتصر السيسى لـ"الصحفيين"؟!
وفى جريدة البوابة قال الكاتب محمد يوسف فى مقال له المعنون بعنوان "هل ينتصر السيسى لـ"الصحفيين"؟!
صدمة كبرى أصابت كل من تابع واقعة اقتحام ضباط الشرطة لنقابة الصحفيين لإلقاء القبض على الصحفيين عمرو بدر ومحمود السقا الصادر بحقهما أمر ضبط وإحضار لاتهامهما بالتحريض على التظاهر وخرق قانون منع التظاهر.. ومن مساوئ الصدف أن تأتى هذه الهجمة البربرية قبل ساعات من احتفال العالم كله باليوم العالمى لحرية الصحافة، ما يعتبر إشارة سلبية لأوضاع الصحافة فى مصر.
فإلى جانب كونها المرة الأولى التى يتم فيها اقتحام مقر النقابة، التى تعتبر حصن الحريات المنيع ورمزًا لحرية التعبير المكفولة بقوة الدستور والقانون، فإن الظروف المحيطة بالواقعة برمتها تفتح الباب واسعًا أمام الأخطاء المتعددة التى ترتكبها وزارة الداخلية والتى لن تسكت عنها القيادة السياسية تحت أى ظرف.
فتهمة التحريض على خرق قانون التظاهر فى هذه الحالة تشير إلى جريمة لم تقع بعد أو غير مكتملة الأركان بل إنها تنضوى أكثر تحت بند جرائم الرأى التى لا تستوجب الحبس وفق كافة التشريعات الإعلامية، كما أن إصرار قوة الضبط والإحضار على اقتحام النقابة المهنية الأعرق فى مصر يدل على أن هناك نية مبيتة لترويع الصحفيين.
كما جاء البيان الصادر عن المكتب الإعلامى وزارة الداخلية المكتب الإعلامى واهيًا ويعطى مبررات لا يقبلها عاقل حول دوافع الاقتحام، فمن بين ما تضمنه البيان: "إن تواجد الصحفيين فى النقابة كان بنية الهروب والاختفاء من التحقيق أمام النيابة"، كما جاء فى البيان: "وردت معلومات للأجهزة الأمنية تفيد اختباءهما داخل مقر نقابة الصحفيين واتخاذها ملاذاً للهروب والحيلولة دون تنفيذ قرار النيابة العامة ومحاولة الزج بالنقابة فى مواجهة مع أجهزة الأمن واستغلال ذلك لافتعال أزمة يشارك فيها عدد ممن وصفتهم بـ"العناصر الإثارية" لإحداث حالة من الفوضى".