فى تشريح دقيق للمشهد، استند إلى الرؤية العلمية، وإلى الخبرة العملية، وإلى ما قد يصل لمستوى المعلومة، قدم الدكتور عماد جاد عضو مجلس النواب ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية تحليلًا كاملًا لما وصل إليه المشهد السياسى المصرى قبل أيام من أن تكمل ثورة 30 يونيو عامها الثالث.
كشف فى مقاله بجريدة "الوطن"، وفيما أشبه بالمصارحة ما وصفه بخطايا الدولة التى ارتكبتها بحق تحالف "30 يونيو"، وعنون مقاله بـ"دروس تفكيك التحالف"، ليعطى تأكيدًا أن ما حدث ليس خطأ عابرًا، أو عشوائيًا، بل أن هناك من يقدم نموذجًا يُدرس فى تفكيك التحالفات.
القاعدة الذهبية للعمل السياسى والأهداف الثلاثة الرئيسية:
1- لا تؤذى مؤيدًا ولا تنقلب على حليف
وبموضوعية أستاذ السياسة بدأ جاد مقاله بتأصيل نظرى لأهم قواعد العمال السياسى، والتى وصفها بـ"القاعدة الذهبية"، وقال فى مقدمة مقاله: "هناك قاعدة ذهبية فى العمل السياسى والحزبى يتعلمها دارس العلوم السياسية فى أيام دراسته الأولى، وتلقنها القوى والأحزاب السياسية لكوادرها، وهى العمل وفق ثلاثة أهداف مرتبة بدقة، الأول هو ضرورة العمل على الحفاظ على وتقوية وتعزيز معسكر الأنصار أو المؤيدين، ويعنى ذلك ببساطة ضرورة الحفاظ على كتلة التحالف المؤيدة والمساندة للنظام، الرئيس، الحكومة، أو الاتجاه السياسى والحزبى.
وهنا يؤكد جاد أن هذه الأولوية تحذرك من أن تنقلب على حليف أو تؤذى مؤيداً، وألا تنفرد بالعمل مع مجموعة صغيرة وتغلق الدائرة المحيطة بك وتصم آذانك عن سماع أنين وشكاوى أو مطالب المؤيدين لأن فى ذلك خسارة مجانية لقواعدك التى تحتاج إليها باستمرار.
2- لا تخسر الفريق المحايد لأن تحركه يغير المعادلة دائمًا
أما الهدف الثانى الذى حدده الدكتور عماد جاد فى أولويات العمل السياسى، فكان كما قال: "العمل بكل قوة على استقطاب أكبر قدر ممكن من الفريق المحايد، الذى يسمى فى الانتخابات بالأصوات العائمة، وقال إن هذا الفريق يمكنه حسم الموقف فى أى لحظة وعلينا أن نتذكر أن هذا الفريق فى زمن الإخوان أطلق عليه "حزب الكنبة" وعندما تحرك ونزل إلى الشارع بسبب أخطاء وخطايا وجرائم الجماعة، كانت ثورة الثلاثين من يونيو التى أطاحت بحكم المرشد، ومن ثم لا ينبغى الاستهانة بهذا الفريق على الإطلاق فقد يكون القطاع الأكبر والأكثر تأثيراً فى حال اتخذ القرار بالعمل فى اتجاه معين.
3- تفتيت جبهة المعارضة "وهو الأمر الأكثر صعوبة"
أما الهدف الثالث والأخير فحدد عضو مجلس النواب بأنه هو العمل على تفكيك بل وتفتيت قوة الأطراف الأخرى، وقال: "إذا كنا نتحدث عن الأحزاب والانتخابات فالهدف هنا هو تفتيت جبهة أنصار الأحزاب الأخرى واختراقها، وهو الهدف الأكثر صعوبة، والذى يتطلب جهداً هائلاً وعملاً متواصلاً".
كيف فككت الدولة معسكر 30 يونيو؟
وهنا يدخل عماد جاد فى عمق الأزمة ويكشف بمباشرة لا ينقصها صراحة أو وضوح، -واستنادًا إلى ما قدمه من تأصيل علمى- الأخطاء التى تم ارتكابها فى حق تحالف ثورة 30 يونيو، وأطلق فيما يشبه السهام الخطايا التى أوصلت المشهد لما نحن عليه، وهى من وجهة نظره، العمل عكس هذه الأسس والمبادئ فيما يشبه الجهود متكررة لتفتيت المعسكر المؤيد، الإغلاق المبكر للدائرة الصغيرة المحيطة بالرئيس، ضيق الأفق فى التعامل مع مكونات تحالف ٣٠ يونيو على النحو الذى أدى إلى تصدعه حتى لا نقول تفتته –كما وصف-.
ثم رصد جاد حالة التأزم فى عدة مشاهد وهى، انسحاب السياسة لحساب الأمن، وتصدر رجال الأمن لشغل مهام رجال السياسة، وهنا أشار جاد إلى أن الأخطاء المتراكمة قادت إلى تفتت المعسكر المؤيد، وقال: "لا تحتاج إلى جهد كبير حتى تعرف أن رموزاً من أخلص مؤيدى وأنصار ٣٠ يونيو قد ابتعدت أو أُبعدت عن المشهد لسببين رئيسيين أولهما الإغلاق المبكر للدائرة المحيطة بالرئيس، والثانى تغول المكون الأمنى على حساب السياسى ومن ثم جرى التعامل مع رموز مصرية وطنية بطرق خشنة وفظة فكان قرار الخروج من التحالف أو التنحى جانباً حزناً وألماً على طريقة الإدارة وإعادة إنتاج الأخطاء، والإصرار على الخطأ".
ثم تابع إشاراته لمشاهد الأزمة: "انظر إلى قرارات القبض العشوائى، إلى التضييق على حرية الرأى والتعبير، إلى عدم التسامح مع الرأى الآخر، بل توقف أمام قرار اقتحام نقابة الصحفيين لأول مرة فى تاريخها".
وأنهى عماد جاد هذا المقال الأشبه بانتفاضة من نفذ صبره، مطالبًا بالتمعن فى كل ذلك لتكتشف أنك استخلصت دروسًا فى الاجتهاد فى تفكيك التحالف وخسارة الأنصار والمؤيدين.