حدث ما توقعه البعض وما حذر منه البعض الآخر، وأصبحنا أمام ما يبدو أنه مجرد سيرك سياسى، يسعى كل طرف فيه لصناعة زعامة بالاستعراض وليس بالعمل.
بالمناسبة، لا مانع إطلاقا أن يكون العمل السياسى قائما على الصراع أو المنافسة والمناورة، وأن يكون لكل حزب برنامج أو خطة عمل، أو تصورات عن الملفات المهمة والأولويات، وحول هذا العمل السياسى لا يخلو الأمر من حركات وألاعيب يقوم بها نواب أو سياسيون أو شخصيات عامة.
السياسة تشبه تقريبا ما يجرى فى السينما، فى السينما العالمية هناك أفلام جادة وأكشن وكوميدى وأفلام هلس وضرب وتهجيص، لكن عندنا أصبحت سينما التهجيص هى الأصل، والهلس هو الوجبة الرئيسية، والاستثناء هو الأفلام الجادة والمهمة التى تمثل علامات.
فى السياسة من الطبيعى أن تكون هناك صراعات ومناورات وتحالفات ومنافسات حول برامج، وخلافات حول توجه اقتصادى أو سياسى، موازنة عدالة اجتماعية مقابل اقتصاد السوق، نقاش حول مدى خطورة تردى التعليم والعلاج، كيف يمكن مواجهة البطالة أو صرف إعانات بطالة للخريجين المعرضين للضياع، الإسكان ، تنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال، البحث عن حلول داخل وخارج الصندوق للقضايا المتراكمة، والخروج من فوضى المحليات ومعالجة الأزمات الطارئة والمزمنة، الاستثمار والمرور والشوارع والعشوائيات.
وفى السياسة يمكن الحديث عن ائتلافات وتحالفات تعرفها كل البرلمانات والأحزاب فى العالم، لكن عندنا يغيب كل هذا، ويحل مكانه وضع سياسى عجائبى، فالانتخابات انتهت إلى تركيبة من المستقلين والحزبيين. الأحزاب لم يكن أحد يعرف أغلبها قبل أو بعد الانتخابات، ويتشوق الناس للتعرف على الفرق بين هذا الحزب وذاك، وكيف يمكنه التفرقة بين عضو فى حزب المصريين الأحرار عن زميله فى الوفد أو مستقبل وطن، وهى أحزاب تمثل ألغازا يصعب التعرف على كل منها، أو التفرقة بين أحدها والآخرين، من حيث اللون والطعم والبرنامج، وجرى ما جرى وانتهت الانتخابات، وأصبحنا أمام مجلس يجمع كل هؤلاء، وينتظر الناس أن يعرفوا من هؤلاء، وماذا يريدون، لكنهم وجدوا الأمر مختلفا.
كثير من نواب البرلمان الجدد يفضل لعب دور فى «مدرسة المشاغبين» كأنهم فى رحلة مدرسية، وكل منهم يرى أن يستعرض مهاراته فى التهريج ونط الحبل أو اللعب بالثلاث ورقات، وحتى فيما يتعلق بفكرة بناء ائتلاف أو تحالف للعمل الجماعى، عجزت الأطراف عن الاتفاق، وهو أمر رأيناه فى تحالف «دعم مصر»، الذى أثار الخلاف والاختلاف. السبب غالبا السعى للزعامة، من دون توفر قدرات لهذه الزعامة، بل وعدم إدراك كون الأشكال القديمة والكلاسيكية للزعامات السياسية انتهت من العالم، وحل مكانها القيادات الأقدر على طرح مبادرات وأفكار وليس فقط القيام بحركات، توك شو، وإطلاق تصريحات وتصريحات مضادة، لتبقى السياسة لديهم مجرد حركات تغيب عنها السياسة، وتبقى الإفيهات.