لازالت الإشادات مستمرة بحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول دعوى عدم دستورية عقوبة الامتناع عن تسليم الميراث وعدم اشتراط فرز وتجنيب التركة لقبول الجنحة حيث قضي بعدم قبول الدعوى رقم 31 لسنة 42 قضائية "دستورية"، المحالة من محكمة الجنح المستأنفة للفصل في دستورية المادة (49) من قانون المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، فيما لم تتضمنه من لزوم وجود قسمة نهائية رضًا أو قضاءً لقيام جريمة الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث.
فقد جرم المشرع المصري واقعة الامتناع عن تسليم الورثة حصتهم القانونية من الميراث، إلا أنه حدد لهذه الجريمة عدة أركان يجب توافرها من أجل شروع المتضررين فى اتخاذ الإجراءات القانونية التي تحفظ حقوقهم في الميراث، أهم هذه الشروط هي: وجود تركة مملوكة للموروث "ميراث"، وأن تكون التركة "الميراث" تحت يد أحد الورثة "فى حيازته"، والامتناع حائز الميراث عن التسليم لمن له حق الإرث، كما أن إثبات امتناع حائز التركة عن إعطاء الميراث للمستحقين من الورثة يثبت عن طريق إنذار المتضرر لواضع اليد على التركة وهو غير وجوبى، ويجب أن توضح الحصة الميراثية المطالب بها على وجه التحديد في الإنذار وعريضة الجنحة المباشرة.
عقوبة الامتناع عن تسليم الميراث بين التأويل والتطبيق
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على جريمة الامتناع عن تسليم الميراث وسلبيات هذا القانون من حيث العقوبات المقررة، والشروط الواجب توافرها لاكتمال الجرم، وموقف المحكمة الدستورية العليا من هذا القانون، وهل القانون "فيه نظر" في بعض النقاط، وذلك فى الوقت الذى يعد فيه قانون المواريث، أحد القوانين الحياتية الهامة، لاسيما أنه ينظم علاقة الأبناء والأقارب في توزيع الميراث وفقا للشرع، وحرص المشرع على إعادة الحقوق إلى أصحابها بعدما تبين أن كثير من النساء في الريف والصعيد يواجهن مشكلات عديدة بسبب عدم الحصول على حقوقهن في الميراث بزعم الحفاظ عليه أو عدم تسليمه للزوج – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
ماهي جريمة الامتناع عن تسليم الميراث وما يحتاج لسد الثغرات به؟
نصت المادة 49 من القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث المعدل بالقانون رقم 219 لسنه 2017 والمنشور بالجريدة الرسمية يوم 30 ديسمبر 2017 العدد 52 مكرر: "مع عدم الإخلال بأي عقوبة أشد ينص عليها قانون آخر يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تجاوز 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث رضاءً أو قضاءً نهائيا.
ويعاقب بذات العقوبة كل من حجب سندًا يؤكد نصيبًا للوارث أو امتنع عن تسليم ذلك السند حال طلبه من أي من الورثة الشرعيين أو أي جهة مختصة وفى حالة العودة لأي من الأفعال السابقة تكون العقوبة الحبس الذي لا تقل مدته عن سنة، وللمجنى عليه أو وكيله الخاص أو لورثته أو وكيلهم الخاص، إثبات الصلح مع المتهم أمام النيابة العامة أو المحكمة بحسب الأحوال وذلك في الجنح المنصوص عليها في هذه المادة، ويجوز للمتهم أو وكيله الخاص إثبات الصلح المشار إليه في الفقرة السابقة" – وفقا لـ"الجعفرى".
ولتوافر تلك الجريمة لابد من توافر إحدى الشروط الأتية:
أولا: جريمة الامتناع العمد عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، ومفاد هذه الجريمة وركنها الأساسي هو توافر القصد الجنائي للمتهم بحيث يكون قاصد منع الوريث من استحقاق نصيبه.
ثانيا: جريمة الامتناع عن تسليم المستندات الدالة على استحقاق الميراث وفى هذه الجريمة قد اشترط المشرع قبل تحريك الدعوى الجنائية أن يكون الوريث قد طالب من تحت يده المستند وامتنع عن تسليمه ويتحقق الطلب والعلم اليقيني هنا إما بتوجيه إنذار رسمي على يد محضر ومحضر اثبات حالة أو بخطاب مسجل بعلم الوصول.
ثالثا: جريمة حجب السندات التي تؤكد نصيب الورثة كاحتجاز عقود ملكية المورث وخلافة.
وقد راعى المشرع أن تلك النوعية من الجرائم تقع بين الأقارب وبين الأصول والفروع لذلك وحفاظاَ على صلة الرحم وخير ما فعل المشرع بأن أجاز التصالح يترتب على الصلح انقضاء الدعوة الجنائية ولو كانت مرفوعة بطريق الادعاء المباشر وتأمر النيابة العامة بوقف تنفيذ العقوبة إذا تم الصلح أثناء تنفيذها، ولا يكون للصلح أثر على حقوق المضرور من الجريمة – الكلام لـ"الجعفرى".
هل القانون "فيه نظر"؟
ولكن القانون "فيه نظر" حيث لم يطبق كما ينبغي، ويحتاج إلى تفسير وشرح وآلية للتطبيق، وأولها كيفية إثبات أركان جريمة الامتناع ومن هو المسئول عن حقوق الورثة وتعريف الممتنع وما هو معيار الامتناع؟ وما هو موقف النيابة الخاصة بالولاية على أموال القصر؟ فمعظم دوائر المحاكم تبراء الممتنع وتأسس أحكامها على أسباب متناقضة، فمنها مثلا عدم سلوك المدعي بالحق المدني الطريق الذي رسمه القانون بإقامة دعوى "فرز وتجنيب" قبل اللجوء للطريق الجنائي، وبالرغم أيضا من وجود عقد قسمة وفرز وتجنيب تحكم المحكمة أيضا بالبراءة تأسيسا على أن المدعي بالحق المدني قام بالتوقيع على عقد القسمة، وبالتالي يكون أخذ تركته من الممتنع – هكذا يقول "الجعفرى".
فهذا القانون "فيه نظر" لعدم وجود آلية لتطبيقه أو وجود لائحة تنفيذية وقرار أو منشور ينظم العمل به لذلك تم الطعن عليه بالمحكمة الدستورية بالدعوى رقم 23 لسنة 41 دستورية، والتي تطالب بعدم دستورية نص المادة 49 المضافة بالقانون 219 لسنة 2017 الي القانون رقم 77 لسنة 1943 والخاص بالمواريث فيما تضمنته من معاقبة كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث.
ما هو موقف المحكمة الدستورية العليا من هذا القانون؟
قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار سعيد مرعي، اليوم، بعدم قبول الدعوى رقم 31 لسنة 42 قضائية "دستورية"، المحالة من محكمة الجنح المستأنفة للفصل في دستورية المادة (49) من قانون المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017، فيما لم تتضمنه من لزوم وجود قسمة نهائية رضًا أو قضاءً لقيام جريمة الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث.
وقال المستشار محمود غنيم، نائب رئيس المحكمة ورئيس المكتب الفني، إن الحكم تأسس على ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية لمشروع القانون رقم 219 لسنة 2017، وكذا مناقشات مجلس النواب - بأن ذلك النص لا يمس أحكام المواريث، ولا الأنصبة الشرعية للورثة، إذ تظل خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، واقتصر الأمر على تجريم فعل الامتناع العمدي عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي في الميراث، وذلك لمواجهة تلك الظاهرة التي ظهرت في المجتمع، سواء كان الأمر يتعلق بحصة شائعة أو مفرزه من التركة، فكلاهما يقبل الحيازة والتصرف والتسليم وفقًا لأحكام القانون المدني، وتتحراه المحكمة الجنائية وتكون من خلاله عقيدتها للفصل في الدعوي.
فمن ثم فإن النعي على ذلك النص بأنه لم يتضمن لزوم وجود قسمة نهائية رضًا أو قضاءً لقيام تلك الجريمة، فضلًا عن كونه يمثل خطأ في فهم النص على غير معناه الحقيقي والتطبيق الصحيح لأحكامه، فإنه يشكل خوضًا في بواعث التشريع وملاءمته، وتدخلًا في السياسة التشريعية من خلال تعديل ذلك النص، وهو أمر يخرج عن ولاية هذه المحكمة.