مازالت قضايا المرأة تشغل الجانب الأكبر من حيز تفكير المنصفين لها وعلى رأسهم الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي دعا مؤخرا إلى ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" من التراث الإسلامي، لحفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهداً في تنمية ثروة زوجها، وليؤكد أيضا أن التراث الإسلامي ليس كما يدعى البعض ينتقص من قدر المرأة وحقها، وهو الأمر الذي لقى ترحيبا واستحسانا من المنظمات والجمعيات الحقوقية والنساوية.
وفى الحقيقة حقوق المرأة في ظل العولمة التي نعيشها من الموضوعات التي يثور الجدل حولها من وقت لآخر، فبالأمس القريب كان الحديث عن مسألة ضرب الزوجة وتجريمه لما يقع عليها من أضرار جسيمة، وقبلها كان الحديث عن حبس الزوج حال زواجه من امرأة ثانية دون علم الأولى لما له أيضا من أضرار نفسية، وغير من القضايا التي يناقش لها المقترحات ومشروعات القوانين تحت قبة البرلمان، ما يؤكد أن المرأة لا يمر عليها يوما إلا وتنتزع فيها حقوقها المهدرة منذ قرون ولا يمر عليها يوما دون أن تتقدم خطوة تلو الأخرى.
فتوى "حق الكد والسعاية" بين التأويل والتطبيق
والواقع أن وضع المرأة يتأثر باختلاف الزاوية التي ينظر بها إليها بالنسبة لتقييم جهودها وتقدير دورها وثقلها، باختلاف الأزمنة والأمكنة والتطور الفكري والعلمي، مما أدى إلى العمل على وضع الآليات باختلاف أنواعها حتى تعمل على تفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز ضد المرأة في كافة مجالات الحياة، والاهتمام بحماية حقوق المرأة تجلى منذ زمن طويل، وقد تمخضت عنه إيجابيات لا يمكن إغفالها، من أهمها إصدار كافة الدول على اختلاف مستوياتها وعلى رأسها مصر العديد من القوانين والتشريعات التي تعنى بحماية حقوق المرأة.
وفتوى إحياء "حق الكد والسعاية" التي دعا لها الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، تكشف لها أن الأمور بدأت تأخذ إطارها الفكري والعلمي وتفعيل مبدأ المساواة وعدم التمييز ضد المرأة في كافة مجالات الحياة، خصوصا في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة، وجاء ذلك خلال لقاء الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، أمس، في مقر مشيخة الأزهر بالعاصمة المصرية القاهرة، مع الشيخ عبداللطيف بن عبد العزيز آل شيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي، لبحث التعاون المشترك بين الطرفين.
الحياة الزوجية لا تبنى على الحقوق والواجبات ولكن على الود والمحبة والمواقف
وبحسب "الطيب": أن التراث الإسلامي غني بمعالجات لقضايا شتى "إذا تأملناها سنقف على مدى غزارة وعمق هذا التراث، وحرص الشريعة الإسلامية على صون حقوق المرأة وكفالة كل ما من شأنه حفظ كرامتها"، حيث أن الحياة الزوجية لا تبنى على الحقوق والواجبات ولكن على الود والمحبة والمواقف التي يساند الزوج فيها زوجته، وتكون الزوجة فيها سندا لزوجها، لبناء أسرة صالحة وقادرة على البناء والإسهام في رقي وتقدم مجتمعها، وتربية أجيال قادرة على البذل والعطاء.
وفور خروج فتوى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، عن إحياء "حق الكد والسعاية"، تسأل قطاع عريض في المجتمع عن مفهوم "حق الكد والسعاية" الذي أحدث لغطا كبيرا ليخرج أسامة الحديدي، المدير التنفيذى لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، لتوضيح المفهوم بأن حق الكد والسعاية للمرأة يعنى مساهمة المرأة في زيادة ثروة أسرتها، سواء كان براتب عملها أو ببنائها منزلا لأسرتها أو من خلال امتلاكها لشركة أو محلات خاصة بها.
ماذا يعنى "حق الكد والسعاية"؟
ووفقا لـ"الحديدى" في تصريحات صحفية، أن الكد والسعاية للمرأة سواء كان من عملها أو ميراثها، أو ذمة مالية قديمة قبل زواجها، قد منحتها لزوجها أو فتحت له حسابًا في البنك، يقدر هذا المال كذمة مالية مستقلة للزوجة، بعيدًا عن الميراث، بمعنى أنه لا يحق للورثة مشاركة الزوجة في هذا المال، أما إذا رحل الزوج ولم يكن هناك ما يثبت حق المرأة في الكد والسعاية يقدر بتقدير الزوجة"، كما أن الجهات التشريعية والمنوط بها مجلس النواب هي المعنية بإعادة العمل في الكد والسعاية، فضلا عن وجوده في التراث القديم واهتمام الرسول الكريم به ومن بعده الصحابة، مضيفا: أن هذا كان أحد مخرجات مؤتمر الأزهر لتجديد الفكر الإسلامي في عام 2019 برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى.
مايا مرسى ترحب بحديث الشيخ الطيب عن "الكد والسعاية"
وفى تلك الأثناء – خرجت مايا مرسي، رئيسة المجلس القومي للمرأة في مصر، لتوجيه الشكر إلى فضيلة الإمام الطيب لتأكيده على ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية"، وأن الحق في الكد والسعاية يعني الحق في تقاسُم العائلة لمخرجات ما بُذل من الجهد في تحصيل وإنتاج الدخل، إضافة إلى مفهوم تقاسم الأموال المشتركة بين الزوجين.
مايا مرسي رئيسة المجلس القومي للمرأة
وقالت "مرسي" على حسابها في فيسبوك: "خالص الشكر والتقدير إلى فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر على تأكيده ضرورة إحياء فتوى "حق الكد والسعاية" من تراثنا الإسلامي، حفظ حقوق المرأة العاملة التي بذلت جهداً في تنمية ثروة زوجها، خاصة في ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة".
"حق الكد والسعاية" و "حق الحبس الزوجي"
من جانبه، قال الخبير القانوني والمحامي بالنقض، أن "حق الكد والسعاية" وإطلاق اللفظ علي العموم دون توضيح قد جعل البعض يروج لمشروع قانون منح المرأة نصف حقوق الرجل حال الطلاق، ويروج أيضا لحق الزوج في الحصول على كامل الدخل للمرأة العاملة، وسيخلق حالة من مشكلات لا حصر لها في المواريث محددة الأنصبة إذا ما أثير أمرها، فلابد من توضيح الأمر أكثر من ذلك وإجراء حوار مجتمعي في هذا الشأن ما إذا كان هناك مقترحات ومشروعات قوانين سوف تقدم خلال الفترة القادمة في هذا الشأن.
الخبير القانونى والمحتمى محمد ميزار
"ميزار" في تصريح لـ"برلماني" أوضح أن "حق الكد والسعاية" ليس بجديد فقد تناولته المدونة المغربية للأحوال الشخصية ولها شروط صارمه في تحققها، وفي فتوي سيدنا عمر بن الخطاب، وفي عهد خلافته توفى عمر بن الحارث الذى كان زوج لامرأة هى حبيبة بنت زريق، وكانت حبيبة نساجة طرازة، وكان زوجها يتاجر فيما تنتجه وتصلحه حتى اكتسبوا من جراء ذلك مالا وفيرا، ولما مات الزوج وترك المال والعقار فإن أولياءه تسلموا مفاتيح الخزائن إلا أن الزوجة نازعتهم فى ذلك، وحين اختصموا إلى عمر بن الخطاب فإنه قضى لها بنصف المال وبالإرث فى الباقي.
ويضيف: ونجد من الفقهاء من يتحدَّث عن الحبس الزوجي الذي يعطي الحق للزوج أخذ ما تكتسبه الزوجة من مال من عملها التكسبي، أو جزء منه، وألزمها البعض بتحمّل ثلث مصاريف البيت تحت ذريعة أنّ وقتها ملك لزوجها، وقد تكون هناك زوجة مشاركة بجزء من مالها في تجارة الزوج، وأخرى تشارك بالمجهود وأخرى ليس لها دورا سوي تربية الأولاد ورعاية الزوج، فطبيعة السعي متفاوتة فهل لها سند شرعي أم يحكمها عرف، وهل يقابلها الحبس الزوجي.
مشروع قانون مقدم في البرلمان بشأن تعويض المرأة
ترحيب نساوى حول الحديث عن "حق الكد والسعاية"
وفى سياق آخر – أشادت الدكتورة إيمان البطران، استشاري نفسي وعلاقات زوجية، بفتوى الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، حول "حق الكد والسعاية" حيث أن المرأة تكتسب خطوات يوما بعد يوم في استرداد حقوقها المهدرة منذ قرون، لأن حماية المرأة كفئة خاصة ومستقلة ومحتاجة إلى حماية تراعى هذه الخصوصية، مازالت تعاني من الكثير من الضعف أو النقص، وذلك لاختلاف النظرة إلى المرأة في المجتمع.
وأوضحت "البطران" في تصريحات خاصة، أن من أمثلة الإيجابيات التي بدأت تنتشر بين النساء، حقيقة أدوارهن الفعالة في بناء المجتمعات، ومشاركتهن الإيجابية حتى في الحياة السياسية التي كانت حكرا على الرجال في الماضي، وتشكيلهن لجمعيات خاصة تقوم على حماية المرأة أو لنشر الوعى، وتحصيلهن الدرجات العلمية، وتبنى هيئات حكومية ورسمية تحت مسمى حماية المرأة، إلا أنه أيضا من الظاهر للعيان أن المجتمعات العربية لازالت تعيش في حالة صراع بين الثقافة العربية والإسلامية ونظرتها وتحديدها لمفهوم حقوق المرأة "بما تحتويه من موروثات تقليدية مثل العادات والتقاليد والعرف، بعيدة كل البعد عن المبادئ الإسلامية السمحة، غير أنها مترسخة في داخل المجتمعات العربية".
الدكتورة إيمان البطران استشاري نفسي وعلاقات زوجية