أصدرت الدائرة المدنية "ب" – بمحكمة النقض – حكما يهم ملايين الورثة والمورثين، أرست فيه لقاعدة قضائية أنهت النزاع حول مسألة القسمة وتوزيع المواريث، قالت فيه: "يجوز الرجوع في القسمة التي يجريها المورث حال حياته ولو كانت في صورة عقد بيع".
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 13450 لسنة 82 قضائية، لصالح المحامى بالنقض يحيى جاد الرب سعد، برئاسة المستشار سيد عبد الرحيم، وعضوية المستشارين محمد منصور، شهاوى عبد ربه، هشام عبد الحميد، وبحضور كل من رئيس النيابة المستشار مؤمن عبد القادر، وأمانة سر ماجد زكى.
الوقائع.. نزاع بين الأم وأبنائها بسبب تقسيم الميراث حال حياتها باعتباره "عقد بيع"
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة أقامت على المطعون ضدهم الدعوى رقم 253 لسنة 2011 مدنى الجيزة الابتدائية بطلب الحكم بفسخ عقد البيع المؤرخ 1 سبتمبر 1997 على سند من أن حقيقته وصية مضافة إلى ما بعد الموت ورغبة منها في تقسيم ميراثها بين أولادها بعد وفاتها وفقاً للأنصبة الشرعية، فقد أقامت الدعوى حكمت المحكمة ببطلان عقد البيع بحكم استأنفته المطعون ضدهما الأولى والثانية أمام محكمة استئناف القاهرة "مأمورية الجيزة" بالاستئناف رقم 1104 لسنة 128 ق - والتي قضت بتاريخ 19 يونيو 2012 بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى برفضه، وإذ عُرض الطعن على هذه المحكمة - في غرفة مشورة - حددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
الأم ترجع في الوصية.. والأبناء يرفضون
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ في فهم الواقع والفساد في الاستدلال وفى بيان ذلك يقول: إن الحكم المطعون فيه أقام قضاءه برفض دعواها واصفاً العقد موضوع التداعي بأنه عقد بيع مستنداً في ذلك إلى ما جاء ببنوده من سداد الثمن رغم أن النص فيه على وقف آثاره القانونية حتى وفاة الطاعنة واحتفاظ الأخيرة بحيازة عين التداعي وإقرار المطعون ضدهما الثالث والرابع أمام محكمة أول درجة بأن حقيقة التصرف وصية وليس بيعاً، كُل ذلك يحمل دلالة قوية على صورية التصرف مما يعيبه ويستوجب نقضه.
مذكرة الطعن تستند أن الأمر "عقد بيع" وليس "ارث" ولا يجوز الرجوع فيه
المحكمة في حيثيات الحكم قالت هذا النعي في أساسه سديد، ذلك بأن المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن العبرة في تكييف الدعوى ليس بما يصفه الخصوم بل بما تتبينه المحكمة من وقائع الدعوى ومن تطبيق القانون عليها، وأن التكييف الصحيح للدعوى أمر يتعين على القاضي أن يقوم به من تلقاء نفسه ولو لم يطلب إليه أي من الخصوم ذلك، وأن النص في المادة 908 من القانون المدني على أنه: " تصح الوصية بقسمة أعيان التركة على ورثة الموصي بحيث يُعين لكل وارث أو لبعض الورثة قدر نصيبه .... "، والنص في المادة 909 من ذات القانون على أن: "القسمة المضافة إلى ما بعد الموت يجوز الرجوع فيها دائماً وتصبح لازمة بوفاة الموصي"، يدل على أن القسمة التي يجريها المورث قبل وفاته تُعتبر وصية، ومن ثم يجوز له الرجوع فيها دائماً أو تعديلها في أي وقت، أما إن ظلت حتى الوفاة نُفذت في حق الورثة.
المحكمة تقر بالرجوع في القسمة باعتباره وصية وليس عقد بيع
وبحسب "المحكمة": لما كان ذلك - وكانت الطاعنة قد أقامت دعواها بطلب إبطال عقد البيع المؤرخ 1 سبتمبر 1997 على سند من أن حقيقته قسمة مضافة إلى ما بعد الموت في صورة عقد بيع، وكان الحكم المطعون فيه رفضها على سند من عدم انطباق شروط المادة 917 من القانون المدني - بقالة أن المتصرف إليهم ليسوا ورثة، إذ إن صفة الوارث لا تثبت إلا بوفاة المورث فإنه يكون أخطأ في فهم الواقع في الدعوى ولم يُصبغ عليها التكييف القانوني الصحيح ولم يتقصِّ الحكم القانوني المنطبق على هذا التكييف ذلك أن مجال إعمال نص المادة 917 مدنى - يكون حين يطعن الوارث على العقد بأنه يخفى وصية احتيالاً على أحكام الإرث أما الدعوى المطروحة فإنها تتعلق بحق الطاعنة في الرجوع في القسمة التي أجرتها بين الورثة في صورة عقد بيع إعمالاً لأحكام المادة 909 من ذات القانون، ومن ثم فإن خطأ الحكم في تكييف الدعوى على وجهها الصحيح قد أدى به إلى عدم تطبيق القانون عليها تطبيقاً صحيحاً بما يعيبه ويوجب نقضه.
وتضيف "المحكمة": وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، وكان من المقرر- في قضاء هذه المحكمة - أن العبرة في تكييف العقد والتعرف على حقيقة مرماه وتحديد حقوق الطرفين فيه إنما هي بما حواه من نصوص وبما عناه المتعاقدان دون اعتداد بما أطلقوه عليه من أوصاف متى تبين أن هذه الأوصاف تخالف الحقيقة.
شهادة الشهود تحسم النزاع
لما كان ذلك - وكان الثابت من مدونات الحكم الابتدائي والاستئنافي أن العقد موضوع التداعي قد نُص في بنده التاسع على اتفاق أطرافه على عدم نفاذه إلا بعد وفاة الطاعنة وأن المطعون ضدهما الثالث والرابع قد أقرا أمام محكمة أول درجة أن حقيقته وصية ولم يدفع فيه ثمن وهو ما تستظهر منه هذه المحكمة أن العقد محل الطعن وإن وصفه عاقداه بأنه عقد بيع، غير أنه وفقاً لحقيقة الواقع والنية المشتركة التي اتجهت إليها إرادة أطرافه وما تضمنه في بنده التاسع وما أقر به المطعون ضدهما الثالث والرابع لا يخرج عن كونه عقد قسمة مضافة إلى ما بعد الموت يجوز للطاعنة الرجوع فيها عملاً بالمادة 909 من القانون المدني وهو ما أفصحت عنه الطاعنة بإقامتها الدعوى المطروحة ومتى استقام ما تقدم فإنه يتعين القضاء في موضوع الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف للأسباب التي ساقتها هذه المحكمة.