الجمعة، 22 نوفمبر 2024 06:49 ص

هل تجوز شهادة المضطرب النفسى أمام القضاء؟.. المشرع لا يقبل شهادة الشاهد أو المجنى عليه حال المرض النفسى ولو على سبيل الاستدلال

هل تجوز شهادة المضطرب النفسى أمام القضاء؟.. المشرع لا يقبل شهادة الشاهد أو المجنى عليه حال المرض النفسى ولو على سبيل الاستدلال اضطراب نفسى - أرشيفية
الإثنين، 07 مارس 2022 03:00 م
كتب علاء رضوان

الأصل فى الشهادة هى تقرير الشخص لما يكون قد رآه أو سمعه بنفسه أو أدركه على وجه العموم بحواسه، وهى تقتضى بداهة فيمن يؤديها العقل والتمييز، إذ أن مناط التكليف فيها هو القدرة على أدائها، ولهذا فإن الرأى مستقر فى الفقه والقضاء على أنه لا تقبل شهادة من كان فاقد التمييز كالمجنون أو الصبى دون السابعة، كما أنه دائما يلجأ الناس لإشهاد بعضهم البعض فى معاملاتهم، وذلك لحفظ الحقوق ولكن هنالك من يخطئ فى اختيار الشاهد أو الشهود، مما يتسبب له فى المستقبل إذا حدث خلاف فى ضياع حقه والسبب يعود لجهل الكثير من الناس فى معرفة شروط الشهادة ومدى انطباقها على الشاهد أو شهود الذين أشهدهم على حقه عند الآخرين.

 

ومن المعلوم أنه لا يكفى أن يكون الإنسان على حق ليربح دعواه، بل عليه أن يُثبت هذا الحق، إذ لا قيمة للحق إن بقى مجرّداً عن كل ما يُثبت وجوده، والإثبات هو إقامة الدليل أمام القضاء، وفقاً للشروط المنصوص عنها قانوناً على واقعة مادية أو عمل قانونى يُسنَد الى أى منهما طلب أو دفع أو دفاع، ومـفاد الشهادة أن يُثبت المتقاضى ادعاءه أو دفاعـه، بإفادة أشخاص يُسميهم، ويدعوهم الى المحكمة لأداء شهاداتهم، فى النزاع العالق أمامها، على وقائع غريبة عنهم، وغير متعلّقة بهم شخصياً، ولكن الصدفة شاءت أن يتواجـدوا فى مكان أو زمان حصولها.

 

14440-20190715222823742

 

أثر المرض النفسى واضطرابات الشخصية على شهادة الشاهد

فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بأثر المرض النفسى واضطرابات الشخصية على شهادة الشاهد، ومن هنا يحق لنا أن نتساءل عما إذا كان المرض النفسى يفقد الشخص التمييز، وبالتالى يضحى غير أهل للشهادة؟ ومرجع هذا التساؤل ما يقرره علماء الطب النفسى أن نسبة المصابين بأمراض نفسية واضطرابات الشخصية فى الوطن العربى كبيرة جدا، وبالتالى فإن أى جريمة جنائية بها شهود من المحتمل أن يكون بعض الشهود مصاب بمرض نفسى أو اضطراب شخصية، بما يؤثر على الشهادة بالسلب وهى عين القاضى واذنه فى الإثبات الجنائى – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.

 

فى الحقيقة بالرجوع إلى المادة الأولى الواردة فى الباب الأول من القانون رقم 72 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض نجد أنها قد نصت على أنه: "فى تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالكلمات والعبارات الآتية المعانى المبينة قرين كل منها – وفقا لـ"فاروق".

 

المريض النفسى الشخص الذى يعانى من اضطراب نفسى "عُصابى" أو عقلى "ذُهانى"

 

الاضطراب النفسى أو العقلى: هو اختلال أى من الوظائف النفسية أو العقلية لدرجة تحد من تكيف الفرد مع بيئته الاجتماعية ولا يشمل الاضطراب النفسى أو العقلى من لديه فقط الاضطرابات السلوكية دون وجود مرض نفسى أو عقلى واضح، مما يعنى أن المريض النفسى هو الإنسان الذى يعانى من اضطراب نفسى "عُصابى أو عقلي" ذُهاني" ولا يعتبر مريض نفسى من يعانى فقط من الاضطرابات السلوكية دون وجود مرض نفسى أو عقلى واضح، كما يلاحظ أيضا أن المشرع رفع العقاب عن المريض النفسى ولم يفعل المشرع ذلك اعتباطا، وإنما لأن المريض النفسى غير أهل لتحمل المسئولية الجنائية لفقده حرية الإرادة والتمييز وهما مناط التكليف.

                                                          

289623-شهادة-1

 

المشرع لا يقبل شهادة الشاهد أو المجنى عليه حال المرض النفسى

وإذا كان الأمر كذلك وجب القول بأنه متى ثبت أن الشاهد سواء أكان مجنى عليه أو خلافه مريض نفسى أضحى غير أهل للشهادة، فلا تقبل شهادته ولو على سبيل الاستدلال إذ لا ينفى عن الأقوال التى يدلى بها الشاهد بغير حلف يمين أنها شهادة، وهذا ما اكدته المادة 82 من قانون الإثبات فى المواد المدنية والتجارية التى أحالت إليها المادة 287 من قانون الإجراءات الجنائية، إذ جرى نصها على أنه لا يجوز رد الشاهد ولو كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلا أن يكون غير قادر على التميز بسبب هرم أو حداثة أو مرض أو لأى سبب آخر، مما مفاده أنه يجب للأخذ بشهادة الشاهد أن يكون مميزاً فإن كان غير مميز فلا تقبل شهادته، ولا شك فى إن تحديد ماهية المريض النفسى وصولاً إلى عدم تكامل أهليه الشخص أو تكاملها لأداء الشهادة يعتبر من المسائل الفنية البحتة التى لا تستطيع المحكمة بنفسها أن تشق طريقها لإبداء الرأى فيها بل يتعين عليها تحقيقها عن طريق المختص فنياً – الكلام لـ"فاروق".

 

واقعة حدثت أمام محكمة الجنايات

هذا ولقد عرض على محكمة الجنايات واقعة هتك عرض عول فيها حكم الادانة على أقوال المجنى عليها وأورد منها فى مدوناته أنه تم فسخ خطوبتها فساءت نفسيتها، فلجأت للمتهم بعد أن قرر لها الأطباء عدم وجود مرض عضوى بها، وأضافت بأنه كان يطلب منها ارتداء قمصان النوم المثيرة ويشترط الاختلاء بها بحجرة نومها، وقام بإطلاق البخور والنفخ فى وجهها حتى تفقد وعيها، وقام باحتضانها وبملامسة مواطن عفتها، وأفهمها أنه قام بعمل ربط لها بحيث لا تستطيع الزواج بغيره وكانت تخاله متواجداً معها بحجرتها وتصاب بالصداع لا يزول إلا بالذهاب إليه ورؤيته ولو من بعيد.

 

59172-59172-1_245

 

وكان دفاع المتهم فى تلك الواقعة قائم على أن المجنى عليها مريضه نفسيا منذ 5 سنوات سابقة على الواقعة لتعرضها لصدمة شديدة نتيجة فسخ خطوبتها، وذهبت إلى أطباء كثيرة لعلاج هذه الحالة وقدم حافظتى مستندات قرر أنها تضم رأى طبيب نفسى وشرعى، ودفع بعدم التعويل على رواية المبلغة لأنها مصابة بهلاوس ودفع أقوالها ببطلان أقوالها للمرض النفسى غير أن الحكم التفت عن هذا الدفع وعول فى قضائه بالإدانة – من بين ما عول عليه – على أقوال المجنى عليها.

 

رأى محكمة النقض فى الأزمة

وفى تلك الأثناء - طعن المتهم فى الحكم أمام محكمة النقض فى الطعن المقيد برقم الطعن 18793 لسنة 83 قضائية، فألغت حكم الادانة بعد أن استعرضت نصوص قانون الصحة النفسية وقانونى الإثبات والاجراءات الجنائية، وقالت أن محكمة الجنايات قعدت عن بحث إدراك المجنى عليها العام أو خصائص إرادتها استيثاقا من قدرتها على تحمل الشهادة وقت ادائها لها عن طريق المختص نفسيا وعولت على شهادتها فى قضائها بالإدانة، ولم تفطن المحكمة لدفع المتهم ولم تعرضه ولم تُدل المحكمة برأيها فيه رغم كونه دفاعاً جوهرياً فى صورة الدعوى ومؤثراً فى مصيرها.

 

32326-20190625035808588

 

إذ قد يترتب على تحقيقه تغير وجه الرأى فيها، مما كان يتعين عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل تحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها، وذلك عن طريق المختص فنياً – الطبيب النفسى – أما وهى لم تفعل ذلك فإنها تكون قد أحلت نفسها محل الخبير الفنى فى مسألة فنية ولا يقدح فى هذا الشأن أن يسكت الدفاع عن طلب دعوة أهل الفن صراحة، ذلك بأن إثارة هذا الدفاع – فى خصوص الواقعة المطروحة – يتضمن فى ذاته المطالبة الجازمة بتحقيقه أو الرد عليه مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.

 

قانون رعاية المريض ومفهوم الشهادة والشاهد فى الإثبات الجنائى

وهو قضاء من محكمة النقض صحيح يتفق مع المادة الأولى الواردة فى الباب الأول من القانون رقم 72 لسنة 2009 بإصدار قانون رعاية المريض ومفهوم الشهادة والشاهد فى الإثبات الجنائى، وهو ما يتفق معه قوله تعالي: "لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ"، أى ليس على الأعمى منكم أيها الناس ضيق ولا على الأعرج ضيق، ولا على المريض ضيق أن يتخلفوا عن الجهاد مع المؤمنين، وشهود الحرب معهم إذا هم لقعودهم للعلل التى بهم، والأسباب التى تمنعهم من شهودها، وإذا كان رفع الجهاد عن المريض مباح فكذلك الشهادة من باب أولى.


print