مسألة التنازل عن عقد الإيجار وكذا الإيجار من الباطن من الأمور الشائكة حيث يعتبرها البعض حقل ألغام بين المالك والمستأجر، ما يؤدى معه إلى إقامة ملايين الدعاوى فى المحاكم المدنية من جراء المشاكل والخلافات التي تقع بين الطرفين، وذلك لعدم معرفة كل منهما حقوقه وواجباته تجاه الآخر، والتنازل عن الإيجار من الناحية العملية هو قيام "المستأجر" بتحويل كامل حقه في عقار ما إلى شخص آخر، وذلك من خلال عقد صوري ثم اكتشف المؤجر أو المالك هذا الأمر، فهل يكون بذلك مهدد بالإخلاء أو الطرد؟
تطورات جديدة ومهمة يشهدها ملف الإيجار القديم
يأتي هذا في الوقت الذي يشهد فيه البرلمان المصري تطورات جديدة وهامة في ملف الإيجار القديم، وذلك بعد اعلان الحكومة تشكيل لجنة مشتركة تمثل الملاك والمستأجرين بهدف العمل على صياغة مشروع قانون، يتم طرحه أولا على الرأي العام، بهدف إجراء حوار مجتمعي بشأنه، قبل إقراره من البرلمان، بهدف الوصول إلى صيغة تعيد التوازن بين المالك والمستأجر، وفي الوقت نفسه مراعاة البعد الاجتماعي، باعتباره أحد أهم القضايا التاريخية المعقدة، وهو ملف الإيجارات القديمة.
وتعتبر أزمة الإيجار القديم من الأمور التي ستظل تشغل بال الملايين بين المالك – المؤجر – والمستأجر في الوقت الذي لاتزال تتوالى ردود الأفعال حول التعديلات المرجوة، الأمر الذي يزيد معه الحالة ترقبا لما سوف تقره اللجنة المشتركة المرتقبة من تشريعات جديدة خلال الفترة المقبلة، مع مراعاة أهمية وحساسية وخطورة هذا القانون، فضلاَ عن مراعاة التوازن بين مصلحة الطرفين المالك والمستأجر.
هل يجوز طرد المستأجر حال اكتشاف تنازله لأخر عن "العين" بعقد صورى؟
فى التقرير التالي "برلماني" يلقى الضوء على إشكالية التنازل عن عقد الإيجار والإيجار من الباطن التى تشغل بال ملايين المصريين سواء ملاك أو مستأجرين، وذلك من خلال الإجابة على السؤال هل العقد الصوري الذى يصدر من المستأجر بالتنازل للغير عن العين المؤجرة أو تأجيرها له من الباطن بغير إذن المؤجر يكون سببا في اخلاء المستأجر للعين المؤجرة أو طرده، وما هو توقيع الجزاء بالإخلاء وفسخ عقد الإيجار في مجال أسباب الإخلاء الواردة في قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض دانيال شفيق.
في البداية - الواضح من استقراء المراحل التشريعية لقوانين إيجار الأماكن المتعاقبة أرقام 121 لسنة 1947 و52 لسنة 1969 و49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981 أن المشرع قد قيد حق المؤجر فى طلب إنهاء أو فسخ عقد الإيجار إلا لأحد الأسباب المبينة بتلك القوانين والتى وردت فيها على سبيل الحصر لا على سبيل البيان، وهو حصر أملته اعتبارات النظام العام، وأوجب المشرع فى بعض الأسباب وهى استعمال المكان المؤجر أو السماح باستعماله بطريقة مقلقة للراحة أو ضارة بسلامة المبنى أو بالصحة العامة أو فى أغراض منافية للآداب العامة أن تكون ثابتة بحكم قضائى نهائى للتيقن من ثبوت وقوع المخالفة – وفقا لـ"شفيق".
العقد الصورى لا وجود له قانوناً
فإذا ما ثبت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء وجب الحكم به، ولا أثر لعدول المستأجر عنها فى توقيع هذا الجزاء، مما يدل على أن ثبوت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء على وجه اليقين هو المناط فى توقيع الجزاء بالإخلاء وفسخ عقد الإيجار، ومن ثم فإن التصرف الصورى الذى يصدر من المستأجر بالتنازل للغير عن العين المؤجرة أو تأجيرها له من الباطن بغير إذن كتابي صريح من المؤجر لا يقوم به سبب الإخلاء المنصوص عليه فى الفقرة "ج" من المادة 18 من القانون رقم 136 لسنة 1981، إذ العقد الصورى لا وجود له قانوناً ولا ينتج أثراً فهو والعدم سواء، وبالتالى لا تثبت المخالفة المبررة للإخلاء بمقتضاه – الكلام لـ"شفيق".
تصدى محكمة النقض للأزمة
وفى هذا الشأن – سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في الطعن المقيد برقم 205 لسنة 73 قضائية – حيث ذكرت في حيثيات الحكم أن العقد الصورى الذى يصدر من المستأجر بالتنازل للغير عن العين المؤجرة أو تأجيرها له من الباطن بغير إذن المؤجر لا يقوم به سبب الإخلاء المنصوص عليه بالفقرة "ج" المادة 18 في القانون رقم 136 لسنة 1981، وتوقيع الجزاء بالإخلاء وفسخ عقد الإيجار فى مجال أسباب الإخلاء الواردة فى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية يكون سببه ثبوت وقوع المخالفة المبررة للإخلاء على وجه اليقين.
وتضيف "المحكمة": المقرر- فى قضاء محكمة النقض- أنه لا وجه للتحدي بأحقية المؤجر - باعتباره من دائنى المستأجر - متى كان حسن النية فى التمسك بالعقد الصوري طبقاً لنص الفقرة الأولى من المادة 244 من القانون المدني، إذ لا محل لإعمال هذا النص العام في مجال أسباب الإخلاء الواردة فى قوانين إيجار الأماكن الاستثنائية على سبيل الحصر والتي تتعلق بالنظام العام لما هو مقرر من أن النص الخاص يقيد العام، هذا إلى أن القول بتوقيع الجزاء بالإخلاء أخذاً بالعقد الصوري فيه استحداث لسبب جديد للإخلاء لم ينص عليه القانون، والمقرر- فى قضاء محكمة النقض - أن للمستأجر أن يثبت صورية التصرف الصادر منه للغير بكافة طرق الإثبات، فإذا ما نجح فى ذلك كان لا محل للقضاء بالإخلاء ولو كان المؤجر حسن النية لا يعلم بصورية هذا التصرف وتمسك بالعقد الصوري الظاهر.
بداية الواقعة
لما كان ذلك - وكان دفاع الطاعن أمام محكمة الموضوع بدرجتيها قد قام على أن عقد الإيجار المؤرخ 15/8/1978 الذى حرره لوالدته - المطعون ضدها الثانية - صورى صورية مطلقة قصد من تحريره الحصول باسمها من جهات الاختصاص على التراخيص والأوراق والشهادات اللازمة لمزاولة أعمال التجارة فى عين النزاع تحايلاً على أحكام القانون التى تحظر عليه باعتباره موظفاً عاماً الاشتغال بتلك الأعمال وأنه لم يتخل عن المحل المؤجر وظل يديره ويباشر النشاط التجارى فيه دون انقطاع منذ أن استأجره من المطعون ضده الأول، وقدم إثباتاً لهذا الدفاع ورقة ضد حررتها والدته فى تاريخ معاصر لعقد الإيجار المحرر بينها وبينه والعديد من فواتير شراء البضائع التى يجرى الاتجار بها فى ذلك المحل صادرة باسمه كما تساند إلى التوكيل الصادر من والدته إليه لمباشرة أعمال التجارة نيابة عنها وإلى ما اجمع عليه الشهود أمام الخبير المعين فى الدعوى من أنه لم يترك عين النزاع وأنه واضع اليد عليها والمنتفع بها منذ بدء الإجارة.
وكان الحكم المطعون فيه قد رفض دفاع الطاعن فى هذا الخصوص مقرراً أنه لم يقدم ما يثبته دون أن يعرض لما ركن إليه من مستندات وقرائن ويخضعها لتقديره مع ما قد يكون لها من دلالة مؤثرة قد يتغير بها وجه الرأى فى الدعوى ، وكان من المقرر فى قضاء هذه المحكمة إنه متى قدم الخصم إلى محكمة الموضوع مستند مؤثر فى الدعوى وجب عليها أن تتناوله فى حكمها بالبحث وإلا كان الحكم قاصر البيان، إذ كان ذلك فإن الحكم المطعون فيه إذ أغفل التحدث عما تساند إليه الطاعن من مستندات استظهاراً لحقيقة مدلولها يكون قد شابه قصور يبطله ويوجب نقضه.