في 2009 انطلقت حملة أُطلق عليها "مواجهة ظاهرة انتشار الجهر بالإفطار"، وعلى إثر تلك الحملة شنت الأجهزة المختصة عدة حملات ببعض المحافظات، أسفرت عن القبض على عشرات المواطنين في محافظات متعددة مثل أسوان وبورسعيد والسويس والإسكندرية، وتحرير محاضر لهم بتهمة الجهر بالإفطار، خاصة لفتاوى دار الإفتاء المصرية التي أكدت إن المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان: "لا يدخل ضمن الحرية الشخصية للإنسان، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام، وهى حرام فضلا عن أنها خروج على الذوق العام فى بلاد المسلمين، وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه فى احترام مقدساته".
وفى مايو 2016، تمثلت أحد الوقائع التي تسببت في جدل كبير حين داهم أحد رؤساء حى العجوزة السابقين أحد المقاهي في نهار رمضان، وقام بتشميعها وسحب المعدات، ثم أكد في تصريحات لاحقة أن الهدف لم يكن ضبط المفطرين، ولكن إعادة الانضباط للشارع بغلق الأماكن غير المرخصة، وأخرى لتعديها على الأرصفة والشوارع وعرقلة المرور، بينما اختفت تلك الظاهرة في العام الماضي 2017 إلى يومنا هذا، إلا أن عدد من أصحاب المقاهي والكافيهات خاصة في المناطق الشعبية، يخشون من عودة الظاهرة.
صاحب مقهى يؤكد: الجهات المختصة تصدر تعليمات بوضع "فراشة" أو غطاء
وفى هذا الشأن – يقول الحاج مصطفى حنفي طنطاوى، صاحب مقهى بمنطقة عين شمس، أن هناك تعليمات من الجهات المختصة تصدر لجميع أصحاب المقاهي ولكن بـ "صفة ودية" في بداية الشهر الكريم بعدم فتح المقاهي قبل الإفطار مراعاة لمشاعر الصائمين، بينما فى حالة الاضطرار إلى فتح المقهى يجب وضع "فراشة" تغطى الواجهة، حتى لا يتمكن الذين يسيرون في الشوارع والطرقات من مشاهدة المفطرين داخل المقهى، وهو الأمر الذي تقوم به 90% من مقاهي مصر بالالتزام بعملية التغطية مراعاة لمشاعر الصائمين.
وبحسب "طنطاوى" في تصريح لـ"برلماني": كان في السابق تقوم الجهات المختصة بحملات أمنية إلى المقاهي وتطالب رواد المقاهي في شهر رمضان ببطاقاتهم، فإذا كان غير مسلم يتركوه دون اتخاذ أي إجراء، وإذا كان مسلما تصطحبه الشرطة إلى القسم وتحرر له محضرا، أما الآن فقد تغير الوضع منذ عام 2017 تقريبا فلم يتم اتخاذ مثل هذا الإجراء، مؤكدأ إلى أنهم أصحاب مقاهي منذ عشرات السنين وتربى على عادات وتقاليد أجداده، والتي تمثلت في عدم فتح المقهى من الأساس في نهار رمضان، رغم إصرار العديد من الشباب المفطرين على فتح المقهى، إلا أنه لم يستجيب ولم يخضع لتلك الرغبات، وذلك مراعاة لشعور المسلمين.
الحاج مصطفى حنفى طنطاوى - صاحب مقهى
خبير يؤكد: التنمية المحلية لم تصدر قرارت بمنع فتح المقاهي في رمضان
وأما عن الناحية القانونية – يقول الخبير القانوني والمحامي بالنقض محمد ميزار – أن مسألة فتح المقاهي في نهار رمضان لاستقبال روادها من الفاطرين هذا الأمر هو نوع من الإساءة إلى المجتمع الذي يحتضن المعتقدات الدينية واستفزاز لمشاعر الصائمين، وهذا ليس نوع من التشدد الديني والسطوة، وإنما لمنع النيل من الحرمات والمقدسات الدينية، وبالرغم من عدم وجود قرارات من وزارة التنمية المحلية بمنع فتح المقاهي في رمضان، إلا أن المداهمات التي تتم علي هذه الأماكن هي لكونها مخالفة للقانون وبدون ترخيص أو لإشغالها جزء من الطريق العام وخلافه، كما أن العديد من التشريعات والقوانين العربية قد جرمت المجاهرة بالإفطار بالحبس أو الغرامة، وبالتالي فإن المقاهي ينطبق عليها ذلك الأمر فيها.
ويضيف "ميزار" في تصريح لـ"برلماني": وبرغم خلو القوانين المصرية من فرض عقوبات أو غرامة على المفطر في نهار رمضان، ومن منطلق أن فتح المقاهي في نهار رمضان هو من قبيل العمل التحريضي للشباب والمراهقين لاختراق حرمة هذا الشهر الكريم، ودعوات لاستفزاز مشاعر المارين ومجتابي الشارع إلا أن نصوص قانون العقوبات تتسع لهذا المعني فيما يتعلق بنصوص ازدراء الأديان في تهيئة مكان للمساس بحرمة الدين ولكل المنتمين إليه والسخرية منه ومحاولة التحقير بركن من أركان الإسلام، وانتهاك القيم المجتمعية والأسرية، كما أن هذا الأمر يحتاج تدخل تشريعي بنص خاص لعقوبة المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان لغير عذر أو لغير المنتمين للدين الإسلام.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض محمد ميزار
التشريعات العربية تعاقب المفطر أما مصر لم تنص على عقوبة
وعن رأى القانون فى المجاهرة بالإفطار فى نهار رمضان، قال رجب السيد قاسم، الخبير القانونى والمحكم الدولى، أن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام، لذلك يكثر اللغط والجدل حول الإفطار العلني خلاله، حيث تحدث حملات أمنية باستمرار خلال الشهر الكريم للحد من ظاهرة الإجهار من الإفطار في شهر رمضان، وفى حقيقة الأمر الجريمة ليست الإفطار في حد ذاته، فالصيام كونه فرضا وله أجره عند الله عز وجل فهو أمر بينه وبين ربه، وإنما الجريمة هنا تكمن في "المجاهرة بالإفطار" وليس الإفطار نفسه.
ويضيف "قاسم" في تصريحات صحفيه، أن "المجاهرة" تعني إتيان الفعل عيانا بيانا أمام العامة دون استتار أو تستر ودون مراعاة أو رعاية، فالإفطار الجهري علة تجريمه هي درأ الأذى ولا شك أن الجهر بالإفطار أمام الصائمين ما هو إلا إيذاء متعمد لا مبرر له، ومما لا شك فيه أن المجاهرة بالإفطار في الأماكن العامة يؤذي شعور المسلمين حتى لو كانت هذه المجاهرة ممن له عذر في إفطاره لأن هذا العذر لا يعلمه الناس كافة وإنما هو أمر بين العبد وربه، والمجاهرة به إيذاء لا مبرر له.
وكشف الخبير القانوني: أن بعض الدول العربية أصدرت قوانين تعاقب مَن يكسر "حرمة" هذا الشهر ووضعت عقوبات تتفاوت من بلد لآخر حيث أن الدستور المصري يكفل صيانة أخلاق المجتمع، والأعراف والتقاليد، وبالتالي رغم أنه لا يوجد قانون في مصر يجرم الإفطار في نهار رمضان إلا أن الشرطة تستند إلى ذلك في ضبط المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان، مبينا أن النيابة العامة تضطر إلى إخلاء سبيل المتهمين، رغم تصنيف الفعل كـ"جنحة"، ويصنف كـسند تشريعي مثل عقوبة الفعل الفاضح في الطريق العام، وتناول المشروبات الكحولية والمسكرة في غير الأماكن المخصصة لها التي قد تصل عقوبتها الي الحبس مدة لا تقل عن 3 أيام، وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، مع الحبس شهرا لمن يفتح مطعما، أو يسهل تناول الطعام جهارا في نهار هذا الشهر.
رأى قانونى أخر: كان يتم الغلق في السابق بقرار وزاري وليس قانون
من ناحية أخرى، نفى ياسر سيد أحمد، الخبير القانون والمحامى بالنقض، وجود عقوبة قانونية لذلك الفعل، حيث أنه لا يوجد فى قانون العقوبات من الأساس كلمة "الجهر بالإفطار"، بإعتبار أن ما يتم يستند إلى قرار وزارى سابق، وأنه قد يكون مستندًا أيضًا على قانون تنظيم عمل المقاهي والأماكن التى يتم تناول الطعام أو الشراب بها، وليس عقوبة محددة لجريمة تسمى الجهر بالإفطار، وردد قائلا: "قد يكون أيضًا المحضر يحرر ضد من يجاهر بالإفطار استنادا إلى مواد قانون العقوبات التي تجرم تهدد أمن الشارع والمارة".
كل هذه الأمور – بحسب "أحمد" فى تصريح خاص - تعد من أمور الذوق العام والآداب العامة، يمكن أن ينظمها قانون خاصة أن هناك غير مسلمين لا يمكن أن تفرض عليهم عدم تناول الشراب أو الطعام فى نهار رمضان، أو حتى المرضى وكبار السن الذين لا يستطيعون الامتناع عن تناول الطعام والشراب لأسباب صحية، بينما يرى أخرون أن الحريات تتطلب احترام أصحاب الديانات الأخرى، وأصحاب العذر الشرعي من المرضى، إضافة إلى أن آخرين يلجأون للمقاهي فى الفترة من وقت صلاة العصر إلى المغرب، لشغل وقتهم بألعاب الطاولة والدومينو.
تصدى دار الإفتاء لهذه الأزمة
هذا وقد سبق لدار الإفتاء المصرية التصدي لمثل هذه الإشكالية حيث قالت في فتوى لها: "لا يجوز لمسلم يؤمن بالله وبرسوله واليوم الآخر أن يفطر في نهار رمضان جهرا لغير عذر أمام أعين الناس، معتبرة من يفعل ذلك بأنه مستهتر وعابث بشعيرة عامة من شعائر المسلمين، كما أن الوسيلة لمحاربة من يجهر بإفطاره في شهر رمضان هي توجيه النصح له بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن يتخذ ولى الأمر من الضوابط ما يكفل منع المجاهرين بالإفطار في الشوارع والميادين وكافة الأماكن العامة.
وأضافت دار الافتاء فى بيان لها: على أن هذه ليست حرية شخصية كما يستند البعض على نص المادة 54 من الدستور عن حرمة الحرية الشخصية وعدم تقيدها، بل هي نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية، وهي حرام فضلا عن أنها خروج عن الذوق العام في بلاد المسلمين، وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته.
نص المادة 54 من الدستور
يشار إلى أن المادة 54 من الدستور تنص على: "الحرية الشخصية حق طبيعى، وهى مصونة لا تُمس، وفيما عدا حالة التلبس، لا يجوز القبض على أحد، أو تفتيشه، أو حبسه، أو تقييد حريته بأى قيد إلا بأمر قضائى مسبب يستلزمه التحقيق. ويجب أن يُبلغ فوراً كل من تقيد حريته بأسباب ذلك، ويحاط بحقوقه كتابة، ويُمكٌن من الاتصال بذويه وبمحاميه فورا، وأن يقدم إلى سلطة التحقيق خلال أربع وعشرين ساعة من وقت تقييد حريته، ولا يبدأ التحقيق معه إلا فى حضور محاميه، فإن لم يكن له محام، نُدب له محام، مع توفير المساعدة اللازمة لذوى الإعاقة، وفقاً للإجراءات المقررة فى القانون، ولكل من تقيد حريته، ولغيره، حق التظلم أمام القضاء من ذلك الإجراء، والفصل فيه خلال أسبوع من ذلك الإجراء، وإلا وجب الإفراج عنه فورًا.