كان الحيوان فى الشرائع القديمة وعلى الأخص القانون الرومانى يعتبر مسئولا عن الأضرار التى تنشأ عن فعل هذا الحيوان وكان للمضرور من فعل الحيوان أن يطلب تسليم الحيوان للقصاص منه، ولكن انتهت هذه الفكرة، وذلك بعد ظهور فكرة الخطأ ولم يعد هناك محل لجعل الحيوان مسئولا وأصبح المسئول عنه هو الحارس بدلا من الحيوان، إلا أنه فى الوقت الراهن إذا كنت مالكا أو حارسا لحيوان وتسبب فى إلحاق الضرر بالغير فأنت مسئولا قانونا عن ذلك حتى لو تسرب منك الحيوان أو ضل، حيث نصت المادة 176 من القانون المدنى المصرى حين قررت أن: "حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا له مسئول عن فعله ولو ضل الحيوان أو تسرب، مالم يثبت الحارس أن وقوع الحادث كان بسبب أجنبى لا يد له فيه".
فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على المسئولية القانونية لمالك الحيوان أو حارسه حيث أنه طبقا لهذا النص سالف الذكر فإنه يشترط لقيام هذا النوع من المسئولية أن يكون هناك حيوان فى حراسة شخص، وأن يتسبب هذا الحيوان فى الإضرار بالغير، فإذا توافر الشرطان قامت مسئولية حارس الحيوان، إذا يستفاد من هذا أنه يشترط لقيام المسئولية عن فعل الحيوان توافر شرطان هما: "أن يتولى شخص حراسة الحيوان" و"أن يقع الضرر بفعل الحيوان" – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض أشرف فواز.
لآلاف الهواة.. المسئولية القانونية لمالك الحيوان أو حارسه
فى البداية - نلاحظ أن النص ذكر لفظ حيوان فقط، فيتناول النص كل أنواع الحيوانات سواء كانت أليفة أم غير أليفه من كلاب وقطط وقرده، وما يمكن أن يمتلكه الأنسان من حيوانات مفترسة كالسباع والنمور والفيلة وغيرها أو حتى الدواب من خيل وبغال وحمير ومواشى، أذ يتصور أن تحدث كل الأنواع ضررا بالنفس أو المال متى فقد مالكها أو حارسها الذى يملك زمامها السيطرة عليها، فالأصل هو أن حارس الحيوان هو مالكه وهو الذى يملك زمامه فى يده، فله سلطة التوجيه والرقابة عليه وهو المتصرف فى أمره، فهناك أذن قرينة على أن مالك الحيوان هو الحارس، وإذا رجع المضرور على المالك فليس عليه أن يثبت أنه هو الحارس، بل المالك هو الذى يثبت أنه لم يكن حارس الحيوان وقت أحداثه الضرر، وأن أفلت زمام الحيوان من يد المالك بأن ضل أو تسرب كان هذا خطأ فى الحراسة ويكون مسئولا عما يحدثه الحيوان من ضرر، وهذا ما تنص عليه صراحة المادة القانونية المشار إليها رقم "176" من القانون المدنى المصرى – وفقا لـ"فواز".
ونلاحظ أيضا أنه قد ينتقل الحيوان من يد المالك إلى يد أخرى، فإذا كان الانتقال "رغم إرادة المالك أو دون علمه"، كما لو انتقل الحيوان إلى لص سرقه أو إذا أستولى عليه أحد تابعى المالك ليستعمله فى منفعة شخصية له، فإن السيطرة الفعلية على الحيوان تنتقل إلى هذا الغير المستولى على الحيوان، وبالتالى يكون هذا الأخير هو المسئول عما يحدثه الحيوان من أى ضرر بالغير، ويتبين من ذلك أنه ليس بالضرورة أن تكون السيطرة الفعلية على الحيوان "سيطرة مشروعة" لها سند من القانون، ففى المثالين السابقين لكل من اللص والتابع نجد أنهما استوليا على الحيوان بطريقة "غير مشروعة"، وبالتالى يسألان عن سيطرتهم الفعلية على الحيوان باعتبار أن الحراسة انتقلت لهما، وهذا هو المعنى الذى أراده النص حين قرر أن "حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا له مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر ..." هكذا يقول "فواز".
ماذا لو انتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضاء من المالك؟
أما إذا أنتقل الحيوان من يد المالك إلى يد الغير برضاء من المالك، وكان تابعا للمالك كالسائس أو الراعى أو الخادم، فالأصل أن انتقال الحيوان إلى التابع لا ينقل إليه "السيطرة الفعلية على الحيوان"، إذ الغالب أن المالك يستبقى "سيطرته الفعلية" حتى بعد تسليم الحيوان إلى تابعه، فيبقى المالك فى هذه الحالة هو الحارس، ولكن لا شئ يمنع فى بعض الحالات من أن تنتقل السيطرة الفعلية إلى التابع كما لو سلم صاحب الحصان حصانه لخيال يجرى به فى السباق، فأن الخيال فى هذه الحالة من وقت أن أمسك زمام الحصان وبدأ يجرى به فى السباق انتقلت إليه السيطرة الفعلية على الحصان، وأصبح هو الحارس وهو المسئول عما يحدثه الحصان من أضرار بالغير، فإذا لا قدر الله دهس الحصان طفلا أو رفصه برجله أو أتلف سيارة أو مالا للغير تحمل الخيال المسئولية القانونية عن كافة الأضرار، وقس على ذلك من أمثله.
وسوف نتناول شرطان مسئولية حارس الحيوان فى هذه السطور القادمة.
الشرط الأول ـ أن يتولى شخص حراسة الحيوان.
من خلال قراءتنا الأولية لهذا الشرط يقتضى لنا الإحاطة بأن نحدد المقصود بالحراسة والمقصود بالحيوان.
أولا: المقصود بالحراسة:
سبق لنا أن تحدثنا فى الفصل التمهيدى وبالأخص فى المبحث الثانى والمتعلق بأساس مسئولية الحارس، أنه يراد بالحراسة فى هذا المقام السلطة الفعلية فى الرقابة والتوجيه والتصرف فى أمره، إذ أن هذا المعيار الذى يتفق مع ما تقضى به المادة "176" مدنى من أن "حارس الحيوان ولو لم يكن مالكا له مسئول عما يحدثه الحيوان من ضرر"، وعلى ذلك لا يلزم أن يكون حارس الحيوان هو مالكه، ولكن حارس الحيوان هو من له السيطرة عليه كما قلنا سابقا، وهو من يكون فى يده زمام الحيوان، ويكون هو المتصرف فى أمره سواء ثبتت هذه السيطرة الفعلية بحق أو بغير حق أى سواء كانت هذه السيطرة شرعية أو غير شرعية ما دامت سيطرة فعلية قائمة، فالسارق يعتبر هو الحارس الذى يسأل عما يحدثه الحيوان من ضرر.
والأصل أن حارس الحيوان هو مالكه ومن يصيبه ضرر من حيوان يستطيع أن يرجع بالتعويض على المالك باعتباره حارس الحيوان دون حاجة إلى إثبات ذلك وعلى المالك إذا أراد أن ينفى ذلك بإثبات أن الحراسة كانت لشخص اخر غيره، فإذا لم يكن الحيوان فى حراسة أحد غير المالك كان هذا المالك مسئولا بوصفه حارسا طبقا للأصل الذى ذكرناه وهو يظل مسئولا بهذا الوصف حتى لو ضل الحيوان أو تسرب، والحراسة قد تنتقل من المالك إلى الغير كالمنتفع أو المستأجر بشرط أن تنتقل إلى أى منهما السيطرة الفعلية على الحيوان، إذ من الجائز أن يؤجر الحيوان أو يعار ولكن تظل السيطرة الفعلية عليه لمالكه.
ماذا لو انتقل الحيوان إلى يد التابع؟
ونقول بصورة أخرى إذا كان الحيوان قد انتقل إلى يد غير المالك برضاء المالك، وذلك إما للانتفاع به بمقتضى إعارة أو إيجار أو للحفاظ عليه بمقتضى وديعة أو للعلاج عند الطبيب البيطرى، أو صاحب الإسطبل أو نحو ذلك، فالأصل فى هذه الأحوال أن تنتقل الحراسة إلى من ينتفع بالحيوان أو يحافظ عليه أو يتولى علاجه إذ هو صاحب السلطة الفعلية على الحيوان، وهذا ما لم يتضح من العقد وظروفه غير ذلك، وذلك لو ظل المالك محتفظا بإشرافه على الحيوان أثناء العلاج، إذ فى مثل هذه الحالة تبقى الحراسة للمالك.
إلا أنه يلاحظ أنه إذا انتقل الحيوان إلى يد التابع فإن الأصل أن تبقى الحراسة للمالك لأنه هو الذى يملك السلطة الفعلية فى التوجيه والتصرف فى أمر الحيوان، وذلك ما لم يتبين من الظروف أن المالك قد خول التابع سلطة التوجيه والتصرف فى أمر الحيوان، كما لو كان التابع وكيلا يباشر عمله فى مكان بعيد عن المالك وعهد إليه المالك فى تصريف بضائع له ووضع تحت تصرفه لهذا الغرض حيوانا ومركبه، وبالتأكيد كما يكون انتقال الحراسة من المالك إلى شخص آخر بمقتضى اتفاق بينهما، فإن ذلك قد يحدث دون اتفاق، كما لو سرق الحيوان من مالكه.
علاقة المشرع الأردنى بالأزمة
فإن السيطرة عليه قد تنتقل إلى السارق سواء كان من أتباع المالك أو شخص غريب عن هذا المالك، وفى هذا المثال بالتحديد يتضح أن الحراسة لا تقوم دائما على أساس حق للحارس على الحيوان بل تقوم أولا وقبل كل على السيطرة الفعلية على الحيوان، وهذا أيضا هو نفس الحل بالنسبة إلى التابع الذى يستغل الحيوان فى منفعته الشخصية متجاوزا بذلك حدود عقده مع المالك، ويلاحظ فى هذه الصورة الأخيرة أن المالك يمكن مسألته بوصفه متبوعا لكن يتعين حينئذ إقامة الدليل، ونص المادة 176 من القانون المدنى المصرى يقابلها نص المادة 289 من القانون الأردنى والتى تنص على أنه "جناية العجماء جبار ولكن فعلها الضار مضمون على ذى اليد عليها مالكا كان أو غير مالك إذا قصر أو تعدى"، هذه المادة قررت أصليين اقتباسهما المشرع الأردنى من الفقه الإسلامى:
أولهما: أن جناية العجماء جبار أى أن الضرر الذى يحدثه الحيوان هدر لا ضمان فيه.
أمثلة على ذلك:
1- لو ربط شخصان فرسيهما فى مكان معد لذلك فأتلف فرس أحدهما فرس الآخر، فليس من ضمان على صاحب الحيوان المتلف.
2- لا يترتب على صاحب الهرة ضمان فيما لو أتلفت طيرا لإنسان.
3- لو نطحت جاموسة إنسان فقتلته فلا ضمان على صاحبها.
ثانيهما: صيانة الأنفس والأموال من مبادئ الإسلام فإن ثبت أن جناية العجماء كانت بتقصير من صاحبها أى من ذى صاحب اليد عليها فإن صاحبها يضمن الضرر.
أمثلة على ذلك:
1- لو أطلق شخص حيوانه على مزروعات آخر يكون ضامنا بما أتلف.
2- لو رأى إنسان حيوانه وهو فى مزروعات غيره ومع ذلك لم يمنعه فيكون ضامنا بكل ما يحدثه من أضرار.
ثانيا: المقصود بالحيوان:
هناك تساؤل يطرح نفسه أى نوع من أنواع الحيوانات يكون الحارس مسئولا؟ فلم تحدد المادة 176 أى الحيوانات يكون الشخص مسئولا عن الضرر الناشئ منهما فهى قد تكلمت عن الحيوان بصفة عامة، وبالتالى فهى لم تفرق بين حيوان مستأنس وحيوان متوحش، ولا محل للتفريق بين حيوان وآخر، كما يستوى أن يكون من الدواب كالمواشى والخيل والبغال والحمير والجمال، أو من الحيوانات الأليفة كالكلاب والقطط أو الدواجن أو الطير أو الحيوانات المفترسة كالأسود والنمور، إنما يشترط أن يكون الحيوان حيا ومملوكا لأحد من الناس فجثة الحيوان الميت لا تعتبر حيوانا بالمعنى المقصود فى هذا المقام، بل تعتبر من الأشياء غير الحية.
وقد ينطبق عليها حكم المادة 178 مدنى إذا كانت حراستها تتطلب عناية خاصة، والحيوان الذى لا يملكه أحد كالطير الذى لا مالك له لا يسأل شخص عما يحدثه من ضرر إلا إذا ثبت خطأ فى جانبه، إنما لا يجب ألا نبالغ فنقول إن المالك يكون مسئولا عن الضرر الذى ينجم عن الحيوانات التى تكون فوق أرضه، فهو لا يسأل إلا عن الحيوانات التى تكون فى حراسته ومن ثم يجب أن تكون الحيوانات متعلقة به أو بأرضه إذ هذه هى التى يكون له عليها سيطرة فعلية فى التوجيه والرقابة.
الشرط الثانى: أن يقع الضرر بفعل الحيوان.
1- فعل الحيوان.
مفاد هذا الشرط أن يكون الضرر راجعا إلى تدخل إيجابى من جانب الحيوان، سواء اتصل الحيوان بالمضرور ماديا أم لا، أى يجب أن يكون الحيوان هو الذى أحث الضرر أيا كانت الصورة التى وقع بها الضرر، فقد يجرح الحيوان إنسانا، وقد يفلت حيوان مفترس من حراسة صاحبه ويخرج إلى الطريق العام فيصاب أحد المارة بالذعر فيسقط ويجرح دون أن يمسه الحيوان، ولكن ما هو الحكم إذا اقترب الإنسان من حيوان مفترس كما فى حديقة الحيوان ولم يمنعه الحارس بالقوة رغم أنه حذره؟
نقول إنه من المؤكد أن مهمة الحارس لا تقتصر على التحذير فقط بل تمتد إلى المنع ولو بالقوة ولو قلنا غير ذلك لكان بمثابة إعفاء ضمنى من المسئولية التقصيرية وهو أمر لا يفوته القانون، كذلك قد يكون الضرر عدوى ينقلها الحيوان إلى الغير أو أصوات مزعجة يرسلها الحيوان، ولكن يلاحظ أنه ليس فى كل الحالات التى يحدث فيها احتكاك مادى بين الحيوان وبين ما أصابه ضرر ينسب فيه الضرر للحيوان كما فى الأمثلة السابقة.
وكان السائد فيما سبق أن الحيوان إذا كان فى قيادة الذى يركبه وقت حصول الضرر كانت المسئولية عن فعل الشخص لا عن فعل الحيوان على أساس أن الضرر وقع من الشخص لا من الحيوان، ولكن هناك مسألة يجب الفصل فيها وهى أنه يحصل أحيانا أن يكون هناك شخص يقود الحيوان الذى أحدث الضرر أو يقود العربة التى يجرها الحيوان والتى أحدثت الضرر فهل يعتبر الضرر فى مثل هذه الحالات من فعل الإنسان أم من فعل الحيوان؟ هذه المسألة لها أهمية علمية كبيرة، فلو اعتبرت الإصابة قد حدثت بفعل الإنسان وجب على المضرور أن يثبت الخطأ طبقا للقواعد العامة، وإذا اعتبرت الإصابة بفعل الحيوان فلا يكلف المضرور بإثبات خطأ ما، وهو الذى يتفق مع مصلحة المضرور.
2- ضررا للغير
يسأل الحارس عن أى ضرر يصيب الغير بفعل الحيوان، كأن يدهس حيوان شخصا فيجرحه، أو يتلف حيوان مالا للغير، أو يعض كلب شخصا، أو ينتقل مرض معد من حيوان إلى آخر يملكه للغير وينطبق هذا الحكم إذا كان الضرر الذى أحدثه الحيوان قد وقع على غير الحارس، فقد يكون هذا الغير أجنبيا عن الحارس، وقد يكون هو المالك إذا كان شخص غير الحارس.