الجمعة، 22 نوفمبر 2024 06:22 م

تصالح كريم الهوارى يفتح ملف "الدية".. لا يجوز انقضاء الدعوى الجنائية بـ"الدية".. والتصالح لا يكون فى القتل الخطأ لأكثر من 3 أشخاص

تصالح كريم الهوارى يفتح ملف "الدية".. لا يجوز انقضاء الدعوى الجنائية بـ"الدية".. والتصالح لا يكون فى القتل الخطأ لأكثر من 3 أشخاص ضحايا حادث - كريم الهوارى
الجمعة، 13 مايو 2022 09:00 ص
كتب علاء رضوان

أدت واقعة التصالح فى قضية المتهم كريم الهوارى - إلى فتح "ملف الدية" فى جرائم "القتل الخطأ"، وهى الواقعة التى نتج عنها عملية دهس أودت بحياة 4 طلاب، صغار السن، نتيجة قيادة المتهم كريم الهوارى - نجل رجل الأعمال صاحب سلسلة أسواق "هايبر وان" - سيارته الفارهة مخمورًا، الأمر الذى أثار غضب الرأى العام، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك"، بداية من وقوع الحادث حتى الإعلان عن خبر التصالح.

 

منذ وقوع الحادث فى غضون يوم الجمعة الموافق 10 ديسمبر 2021، حسرة وألم، خلفها حادث الشيخ زايد، فى نفوس أسر وأهالى الضحايا، وهو الحادث الذى تسبب فى دهس وقتل 4 طلاب، بينهم ثلاثة أطفال، بعدما اصطدمت بهم سيارة يقودها المتهم كريم الهوارى، ابن رجل الأعمال المليونير، وقتما كان يسير "مخمورا" وبرعونة شديدة مخالفا كل قواعد المرور، كل هذه الأحداث أدت لتعاطف مستخدمى السوشيال ميديا مع الأسر، خاصة بعد رفض الأهالى فى بداية الواقعة التصالح مع القاتل، ومطالبتهم المستمرة والملحة بالقصاص العادل وعودة الحقوق لفلذات أكبادهم، نتيجة "الإهمال".

 

2

ضحايا حادث كريم الهوارى  

 

تباين الآراء حول مدى قانونية التصالح من عدمه

ولكن مع مرور الأيام – استطاع دفاع المتهم كريم الهوارى اقناع أسر الضحايا ب "التصالح" الذى كان المخرج الوحيد لإنهاء الأزمة فى أسرع وقت ممكن، وبعيدا عن رقم التصالح الذى وصل ل 10 مليون جنيه – بحسب مصادر قضائية – إلا أن عملية التصالح لاقت استهجانا شديدا من الرأى العام المصرى، وذلك على الرغم من أن قبول الدية والتصالح أو التنازل أمر أجازه الشرع الحنيف حيث تُقدر بقيمة 35 كيلو و700 جرام فضة، للمتوفى الواحد، ويمكن تقسيطها على مدار 3 سنوات – بحسب فتوى دار الإفتاء.

 

فى التقرير التالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بفتح ملف "الدية" فى قضايا "القتل الخطأ"، وذلك فى الوقت الذى يرى فيه آخرين أن "الدية" المقبولة فى جريمة "القتل الخطأ" تكون لشخص أثناء قيادته السيارة وهو سليم الوعى والإدراك وفى السرعة المقررة، ثم حدث خطأ خارج عن إرادته أدى لمقتل الشخص، فبذلك يصبح "القتل خطأ" وهنا يجوز التصالح، أما حينما يكون الشخص فى حالة "سُكر" أو مخمورا أو متعاطيا للمخدرات، ومخالفا لقواعد المرور والسرعة المقررة، كما هو الحال فى حادث نجل رجل الأعمال كريم الهوارى، فالأمر يخرج عن نطاق القتل الخطأ الذى يُجيز التصالح، ومن الخطأ أن يطلق عليه "قتل خطأ" لتوافر النية المسبقة للمخاطرة بحياة الناس – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض صالح حسب الله.

 

4

المتهم كريم - نجل رجل الأعمال الهوارى  

 

عقوبة القتل الخطأ تصل العقوبة للسجن 7 سنوات فى هذه الحالة

فى البداية - نصت المادة 238/1 من قانون العقوبات أنه: "من تسبب خطأ فى موت آخر بأن كان ذلك ناشئا عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيها أو بإحدى هاتين العقوبتين"، وفى حالة ارتفاع عدد الضحايا نتيجة الحادث المرورى وتجاوز عددهم ال 3 أفراد، ترتفع العقوبة إلى الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على 7 سنوات وغرامة مالية قدرها 100 جنيه ولا تتجاوز ال 500 جنيه أو بإحدى العقوبتين – وفقا لـ"حسب الله".

 

وجرت أحكام محكمة النقض على أن ركن الخطأ هو العنصر المميز فى الجرائم غير العمدية، وأنه يجب لسلامة القضاء بالإدانة فى جريمتى القتل الخطأ والإصابة الخطأ – حسبما هى معروفة فى المادتين 238، 244 من قانون العقوبات – أن يبين الحكم كنه الخطأ الذى وقع من المتهم ورابطة السببية بين الخطأ والإصابة بحيث لا يتصور وقوع الإصابة بغير هذا الخطأ، ومن المقرر بقضاء النقض، أن الخطأ الموجب للمسئولية هو من المسائل الموضوعية التى تفصل فيه محكمة الموضوع بغير معقب إلا أن ذلك مشروط بأن يكون تقديرها سائغا تؤدى إليه ظروف الواقعة وأدلتها وقرائن الأحوال فيها، وأن يكون دليلها فيما انتهت إليه قائما فى أوراق الدعوى – الكلام لـ"حسب الله".

 

اموال

 

الحالات التى يجوز فيها التصالح من عدمه

ولا يكفى للإدانة فى جريمة "القتل الخطأ" أن يثبت وقوع الفعل وحصول الخطأ بل يجب أيضا أن يكون الخطأ متصلا بالقتل اتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير وجود هذا الخطأ ويبنى على ذلك أنه إذا انعدمت رابطة السببية، وأمكن تصور حدوث القتل ولو لم يقع الخطأ انعدمت الجريمة معها لعدم توافر أحد العناصر القانونية المكونة لها، كما أن رابطة السببية بين إصابة المجنى عليه ووفاته هى ركن فى جريمة القتل الخطأ، كما هى معرفة فى المادة 238 من قانون العقوبات وهى تقتضى أن يكون الخطأ متصلا بالقتل اتصال السبب بالمسبب بحيث لا يتصور وقوع القتل بغير وجود هذا الخطأ مما يتعين معه أن يثبت من وقائع الدعوى أنه لولا الخطأ المرتكب لما وقع الضرر وذلك بالاستناد إلى دليل فنى لكونه من الأمور الفنية البحتة – هكذا يقول "حسب الله".

 

يجب قانونا لصحة الحكم فى جريمتى القتل والإصابة الخطأ أن يبين فيه كنه الخطأ المنسوب إلى المتهم وما كان عليه موقف كل من المجنى عليه والمتهم حين وقوع الحادث، وحددت المادة 18 مكرر أ من قانون الإجراءات الجنائية الحالات التى يجوز التصالح فيها فى أى حال كانت عليه الدعوى، ويترتب عليه انقضائها بالتصالح، ومن بينها هذه الحالات الجنح والمخالفات المنصوص عليها فى الفقرتين "الأولى والثانية" من المادة 238 من قانون العقوبات سالفة الذكر، ويتضح من المادة اقتصار التصالح فى جريمة القتل الخطأ على ما ورد بالفقرتين الأولى والثانية فقط من المادة 238 عقوبات، أما الفقرة الثالثة فلا تصالح فيها.

 

1111

 

وتنص المادة 238 فى فقراتها الثالث على:

- من تسبب خطأ فى موت شخص آخر بأن كان ذلك ناشئاً عن إهماله أو رعونته أو عدم احترازه أو عدم مراعاته للقوانين والقرارات واللوائح والأنظمة يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر وبغرامة لا تجاوز مائتى جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

 

- وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على خمس سنين وغرامة لا تقل عن مائة جنيه ولا تجاوز خمسمائة جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا وقعت الجريمة نتيجة إخلال الجانى إخلالاً جسيماً بما تفرضه عليه أصول وظيفته أو مهنته أو حرفته أو كان متعاطياً مسكراً أو مخدراً عند ارتكابه الخطأ الذى نجم عنه الحادث أو نكل وقت الحادث عن مساعدة من وقعت عليه الجريمة أو عن طلب المساعدة له مع تمكنه من ذلك.

 

- وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على سبع سنين إذا نشأ عن الفعل وفاة أكثر من ثلاثة أشخاص، فإذا توافر ظرف آخر من الظروف الواردة فى الفقرة السابقة كانت العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على عشر سنين.

 

وبالتالى فإن الفقرة الثالثة التى لا ينطبق عليها التصالح يتضح منها أن وفاة أكثر من 3 أشخاص فى الواقعة - كما هو الحال فى هذه القضية - يحول دون إصدار المحكمة حكمًا بانقضاء الدعوى الجنائية بالتصالح، ويترتب على ذلك إصدارها الحكم بالإدانة أو البراءة ومدة العقوبة وفق ما اقتنعت به فى أوراق الدعوى وما دار بجلسات المحاكمة، واقتران جريمة القتل الخطأ بجريمة قيادة مركبة تحت تأثير المخدر إذا كانت أداة القتل هذه المركبة:

 

- إن المادة 76 من قانون المرور رقم "121" لعام 2008، نصت على أنه فى حال إثبات تعاطى السائقين للمواد المخدرة لسائقى المركبات أعلى الطرق، يتم سحب الرخصة، ثم إحالته للنيابة المختصة حسب دائرة القسم أو المركز الخاص به، ويجوز للنيابة العامة أن تأمر بحبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات، ومن الممكن أن يتم تجديد الحبس ثم يتم تحويل المتهم للمحاكمة.

 

 

3

 

- كما أن عقوبة تلك المخالفة الحبس لمدة لا تقل عن سنتين وغرامة 10 آلاف جنيه، فإذا نتج عنها إصابة أى شخص فى حادث مرورى يتم الحبس مدة لا تقل عن سنتين حتى 5 سنوات، وإذا نتج عنها عجز كلى أو وقوع وفيات يتم السجن من 3 سنوات إلى 7 سنوات، والغرامة 20 ألف جنيه، مع إلغاء رخصة القيادة ولا يجوز إعادة منح رخصة قيادة جديدة إلا بعد رد الاعتبار.

 

- ومن المقرر أن الغيبوبة المانعة من المسئولية على مقتضى المادة 62 من قانون العقوبات هى التى تكون ناشئة عن عقاقير مخدرة تناولها قهراً عنه أو على غير علم بحقيقة أمرها بحيث تفقده الشعور والاختيار فى عمله وقت ارتكاب الفعل وأن تناوله للمخدرات لا تأثير له على إرادته وإدراكه لأن المخدرات تعطى متعاطيها نوعاً من الإحساس بالجرأة والشجاعة وتبعث على الطمأنينة والهدوء وعدم المبالاة بالعواقب.


5

 

دفع الدية لأهل المجنى عليه لا يمنع من عقوبة قيادة المركبة تحت تأثير المخدر

والدية شرعًا هى المال الواجب فى النفس أو فيما دونها، والأصل فى وجوبها قوله تعالى: "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا" (النساء:92).

 

ولا تسقط دية القتل الخطأ وإن كان القتيل هو المُخطئ، الدية واجبة شرعًا على القاتل، يؤديها لأهل القتيل، وتعادل قيمتها خمسة وثلاثين كيلو جرامًا وسبعمائة جرام من الفضة الخام الشائعة، وتُقَوَّم بسعر السوق وتدفع لهم طبقا ليوم بدء أدائها.

 

والكفارة تكون على القاتل، والدية على العاقلة أو الأهل إن لم يكن للقاتل مال، وإن لم يكن لأهل الميت مال وجبت الدية على الدولة، وعاقلة الإنسان هم: الذكور من عصبته كلهم، قريبهم وبعيدهم، حاضرهم وغائبهم، يبدأ بالأقرب فالأقرب، ويدخل فيهم أصول الرجل دون فروعه، وتحمل العاقلة ما فوق الثلث من الدية، وتُوزَّع الديةُ على أولياء الدم على حسب أنصبائهم فى الميراث الشرعى من القتيل، وإن عفا أحدهم عن نصيبه فى الدية فلا يسقط حقُّ الباقين فى نصيبهم منها بحسب سهمه الشرعى فى الميراث، يجوز أن تُدفَع الدية مُقسطة فيما لا يزيد عن ثلاث سنوات، إلا إذا شاءت العاقلة دفعها مُنَجَّزة، فإن لم تستطع فالقاتل، فإن لم يستطع فيجوز أخذ الدية من غيرهم ولو من الزكاة.

 

645x344---1495098200486

 

الدية لدى الإمام مالك

وعند مالك فى القتل الذى لا قود فيه، كالقتل الذى عفى عن القصاص فيه، تجب على القاتل الدية، وتستحب له الكفارة، ويضرب مائة، ويحبس سنة، وهذا تعزير قد اجتمع مع الكفارة، وقال البعض فى القتل شبه العمد: بوجوب التعزير مع الكفارة، لأن هذه حق الله تعالى، بمنزلة الكفارة فى الخطأ، وليست لأجل الفعل، بل هى بدل النفس التى فاتت بالجناية، ونفس الفعل المحرم -وهو جناية القتل شبه العمد- لا كفارة فيه، وقد استدلوا على ذلك: بأنه إذا جنى شخص على آخر دون أن يتلف شيئًا فإنه يستحق التعزير، ولا كفارة فى هذه الجناية.

 

بخلاف ما لو أتلف بلا جناية محرمة، فإن الكفارة تجب بلا تعزير، وإن الكفارة فى شبه العمد بمنزلة الكفارة على المجامع فى الصيام والإحرام. ويستفاد من قوله: "ولو أتلف بلا جناية محرمة لوجبت الكفارة بلا تعزير"، أن التعزير فى القتل لا يصح إلا فى حال لحوق الإثم بالقاتل لارتكابه حرمة، وقد ذكر القرافى فى (الفروق) ثمانية مواضع لمشروعية الحبس، ليس لواحد منها علاقة بذلك، إلا الموضع الخامس وهو: "الحبس للجانى تعزيرًا وردعًا عن معاصى الله تعالى"، ثم قال بعد سردها: وما عدا هذه الثمانية لا يجوز الحبس فيه.

 

Capture

 

أهم الأسئلة حول "الدية"

ودفع الدية لأهل القتيل.. هل يخفف العقوبة التى توقع على القاتل أو شريكه؟ وهل يعترف القضاء المصرى بنظام الدية؟ وهل هناك تأثير فى الأحكام التى تصدرها المحاكم إذا دفع القاتل أو شريكه دية لأهل القتيل؟ وما هى علاقة العُرف بالدية؟ وهل يوجد فى القانون المصرى ما يسمى بالعرف؟ وكيف تكون الدولة هى وليّة الدم فى نظامنا القضائى المصرى الحديث الذى تقوم فيه المحكمة بالقصاص من القاتل؟ وماذا يقول رؤساء المحاكم خاصة محاكم الجنايات عن الدية ودفع الدية لأهل القتيل؟ وهل يخفف دفع الدية من الأحكام التى تصدرها المحاكم؟ وهل يؤثر ذلك على أحكام القضاء المصري؟.

 

فى الحقيقة لا تعرف أحكام قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية فكرة انقضاء الدعوى الجنائية بالدية أو تخفيف العقوبة الجنائية بها لأن نظام الدية تعرفه الشريعة الإسلامية لأنه كان يناسب المجتمع القبلى فى صدر الإسلام وقبل ظهور الدولة الحديثة.

 

20398797021627758772

 

أنواع القتل من العمد لـ"الخطأ"

القتل: عمد، وشبه عمد، وخطأ، فالعمد يختص القود به، وهو أن يقصد من يعلمه آدميًا معصومًا، فيقتله بما يغلب على الظن موته به: كجرحه بما له نفوذ فى البدن، وضربه بحجر كبير، وشبه العمد: أن يقصد جناية لا تقتل غالبًا، ولم يجرحه بها، كضرب بصوت أو عصا، والخطأ: أن يفعل ما له فعله، كرمى صيد ونحوه فيصيب آدميا، وعمد صبى ومجنون خطأ، ويقتل عدد بواحد، ومع عفو يجب دية واحدة، ومن أكره مكلفا على قتل معين، أو على أن يكره عليه ففعل - فعلى كل القود أو الدية، وإن أمر به غير مكلف، أو من يجهل تحريمه، أو سلطان ظلما، من جهل ظلمه فيه لزم الآمر.

 

أما بعد نشأة الدول أصبح القانون هو الذى ينظم الجرائم والعقوبات ولم ينظم القانون المصرى منذ عام 1937، وحتى الآن قبول الدية كبديل عن توقيع العقاب فى جرائم القتل وإن كانت بعض الدول العربية التى تعتمد الشريعة الإسلامية كمصدر وحيد للتشريع "تجيز قبول الدية"، أما باقى دول العالم فلا تعرف هذا النوع من العقوبات، وترى أن حق المجتمع فى توقيع العقاب حق ثابت وأصيل يعلو على حق الفرد أو ورثته وكل ما يملكه الفرد أو ورثته هو التنازل عن التعويض الناجم عن الأضرار التى حاقت بهم من جراء جريمة القتل أما عقاب الجانى فلا شأن لولى الدم فيه بل هو حق للمجتمع تمثله النيابة العامة وتوقعه سلطة القضاء.

 

دد

 

الدية لها تأثير فى التعويض المادى عن القتل الخطأ فقط

والعُرف هو مصدر من مصادر التشريع يطبق فى حالة خلو القانون من نصوص تنظم المسألة المطروحة فيعتبر ما تعارف عليه الناس والتزموا به مصدرًا من مصادر التشريع، فمثلا فى الزواج تعارف الناس على أن تقوم العروس بحجرة النوم والقانون لم ينص على ذلك ولم ينظم ذلك ولكن العُرف والناس تعارفوا على ذلك، فالعرف يظهر فى حالة عدم وجود نص ينظم المسألة المطروحة، كما لا يعترف القضاء الجنائى المصرى بنظام الدية فلا يوجد به أى تأثير لها ولا يطبقها، لأن قانون العقوبات المصرى تم وضعه فى الدولة الحديثة ولا يوجد به أى نص يعترف بالدية وأحكامه تندرج من الإعدام إلى السجن المشدد والسجن والحبس.

 

والدية لها تأثير فى التعويض المادى عن القتل الخطأ فقط، وهو فى هذه الحالة تنازل عن الحق المدنى ولكن هذا لا يؤثر فى العقوبة الجنائية لكن القاضى الجنائى أحيانا يمكنه تخفيف العقوبة طبقا للمادة 17 من قانون العقوبات المصرى وينزل القاضى درجة منها من الإعدام إلى السجن المؤبد مثلا لأن أهل القتيل تسامحوا ولكن القاضى غير ملزم بذلك لأنه يطبق حق المجتمع فى توقيع العقوبة ضد المتهم وهذا هو الشق الجنائى، أما الشق المدنى فهو يتعلق بأهل القتيل، ولا يوجد فى القانون المصرى ما يسمى بنظام الدية فهى لا تتفق وظروف العصر الحالى الذى يعيشه العالم وإن كان نظامها مطبقا فى بعض الدول العربية مثل الإمارات والسعودية وليبيا.

 

دفع الدية لتخفيف العقوبة هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا

وما يقال بشأن دفع الدية لتخفيف العقوبة هو أمر مرفوض شكلا وموضوعا، فالأمر مرجعه تقدير المحكمة دون مراعاة لدفع دية من عدمه، ففى جناية القتل مع سبق الإصرار والترصد والتحريض عليه أمر غير مقبول فيه دفع الدية أما بشأن دفع تعويض عن الضرر فهو ليس دية وإنما تعويض للمضرور ويمكنه التنازل عنه فى الدعوى المدنية فقط ولا تأثير له فى الدعوى الجنائية، أما الدية فهى لوقائع محددة كالقتل الخطأ أو الإصابة الخطأ وهذا يؤدى إلى تخفيف العقوبة وهذا لا ينطبق فى جنايات القتل العمد لأنه إزهاق للروح.

 

ولا يعترف القانون المصرى بالدية لكنه يعترف بالتعويض الذى تقره المحكمة لأسرة المجنى عليه، وتقديم الدية هو اعتراف ضمنى بالجريمة لأن الدية تعنى عقابا ماديا مقابل الإعفاء من العقاب الجنائى فولى الدم يقبل الدية ويعفو عن المتهم ومن ثم يُعفى المتهم من العقوبة وهذا الأمر موجود فى الأنظمة التى تأخذ بنظام الدية طبقا للشريعة الإسلامية مثل السعودية والإمارات وغيرهما، وتقديم الدية لا يخفف الحكم أو العقوبة وقد يشدده لأنه على الوجه الآخر هو اعتراف ضمنى بوقوع الجريمة من جانب المتهم.

 

رأى القانون المصرى فى مسألة "الدية"

ويطبق القضاء المصرى القانون الوضعى الذى يختلف فى هذه الجزئية عن الشريعة الإسلامية، فالشريعة تعتبر أهل القتيل هم أولياء الدم فالأمر بيدهم، والدية مقررة فى الشريعة الإسلامية، أما القانون الوضعى فى ظل الدولة الحديثة والذى تطبقه مصر فإن الدولة هى ولية الدم ولا تعترف بالدية إنما تعترف بحق المضرور - وهم هنا أهل القتيل - فى أخذ التعويض الجابر للضرر وهذا التعويض وإن كان فى مضمونه يقترب من الدية لأنها فى الشريعة الإسلامية محددة، أما التعويض فى القانون الوضعى فيختلف من حالة إلى أخرى ولذلك فقيام الجانى أو أهله بدفع الدية إلى أهل القتيل لا ينهى الجريمة ولا يلغى العقوبة ولا يخففها فهى متعلقة بالنظام العام فى الدولة.

 

أما تأثير التصالح أو دفع تعويض للمجنى عليهم قبل صدور الحكم فى الدعوى قد يدفع المحكمة إلى تخفيف العقوبة إذا كان لهذا التخفيف مبرر من واقع الدعوى ولكن إذا كانت الجريمة بالغة القسوة وتثير الحنق فإن المحكمة قد لا تجد فى سداد التعويض لأهل المجنى عليه مبررا لتخفيف العقوبة وهذا أمر موضوعى للمحكمة وسلطتها فيه مطلقة ولا رقابة لمحكمة النقض عليها فى تقدير العقوبة فهى وحدها التى تقدرها وتطبقها ما دامت بين الحدين الأدنى والأقصى.

 

صالح حسب الله

الخبير القانونى والمحامى بالنقض صالح حسب الله 
 

print