في سابقة قضائية، قضت محكمة سوهاج برفض دعوى زوجة مسيحية طلبت الطلاق لإسلام زوجها، واعتبرت المحكمة أن إسلام الزوج لا يعد سببا لتطليق الزوجة المسيحية، إلا أنه لم يسدل الستار بعد عن هذه القضية من حق الزوجة استئناف الحكم، ولها الحق أيضا في إن تقيم دعوي التطليق للخلع.
السواد الاعظم من الآراء الفقهية والقانونية تري أن القاضي حكمه صحيح من الناحية الشرعية لأن المسلم يجوز له الزواج من كتابية، وبذلك يجري عليها حقوق الزوجة المسلمة، بمعنى أن الزوجة طالما ترغب في الانفصال فعليها أن ترفع قضية خلع وليس طلاق للضرر وذلك من أجل التنازل عن حقوقها - هذا رأي الشرع - وأن القوانين تستمد من الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسي للتشريع، كما يقر بذلك الدستور المصري في مادته الثالثة.
أما من الناحية القانونية فهناك آراء فقهية ودستورية أخري تقول - رأى مختلف تماما - وهو أنه يجوز للزوجة في هذه الحالة إقامة دعوى طلاق للضرر وليس خلع ومن حقها الحصول على كامل حقوقها لأن عقد الزواج يأخذ صفة العقود وهو العقد الأكثر قدسية وغلظة بين العقود وهناك مخالفة واضحة فى بنود هذا العقد لما تم الاتفاق عليه - وهو تحول الزوج لديانة أخري – وبذلك يكون هناك ضرر حتى لو معنوي وقع على الزوجة تستحق بسببه كامل حقوقها.
مواجهة الأقباط لمشاكل "الأحوال الشخصية" يفتح ملف "بيزنس تغيير الملة"
تلك الواقعة جعلتنا نفتح ملف "تغير الملة والطائفة" حيث يضطر يضطر الآف المسيحيين، لاستخدام أبواب خلفية، للتحايل على القوانين المكبلة للحياة الأسرية، فى ظل محاولة الدولة عدم التدخل في شؤون المسيحيين، وتأخر إصدار قانون الأحوال الشخصية، وتمسك الكنيسة بتعاليم الإنجيل وعدم رضائها بما يخالف قراراتها الصادرة عن المجمع المقدس، وقع الأقباط ضحية لمافيا استغلت معاناتهم لتفتح جيوبهم بالمال الحرام فى سبيل الخلاص من معاناة الأحوال الشخصية للأقباط.
كانت على رأس تلك الأبواب الخلفية ما يعرف بشهادات "تغيير الملة"، بين الطوائف المسيحية، الذي فتح تعديل لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس -المعروفة بلائحة 1938، في 2 يوليو 2008 والذي قيد الطلاق والزواج الثاني للأقباط في سببين هما علة الزنا وتغيير الدين، الباب أمام ظهور تلك التجارة التي تحكمت فيها مافيا من السماسرة معظمهم محامين أقباط.
يضطر الآلاف للدفع للحصول على "الطلاق"
وفى هذا السياق – يقول الخبير القانوني والمحامى المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية للأقباط هانى صبرى – أن هناك بعض القضايا الشائكة فى "الوسط القبطى"، آلا وهي تغيير أحد الزوجين المسيحيين لدينه أو تغيير الملّة أو الطائفة التي انتشرت بين بعض المواطنين المصريين المسيحيين، لتسهيل الحصول على أحكام بالطلاق، حيث تجدر الإشارة إلى انه قد يلجأ أحد الزوجين المسيحيين إلى تغيير دينه أو الحصول على شهادات تغيير الملّة والطائفة للتحايل على القانون لتغيير المراكز القانونية للمتقاضين وتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، ناهيك عن شهادات "تغيير الملّة أو الطائفة" أصبحت مافيا وتجارة رابحة لبعض سماسرة تلك الشهادات التي يصل ثمن الشهادة الواحدة إلى أكثر من 100 ألف جنيه في بعض الأحيان.
وبحسب "صبرى" في تصريح لـ"برلماني": وفقًا للقانون إذا اختلف الزوجان في الطائفة أو الملة وكانت الشهادة صحيحة وفقاً للواقع والقانون، وأقامت الزوجة الدعوى بطلب الطلاق، فإن أحكام الشريعة الإسلامية تكون واجبة التطبيق، ولا يجوز الرجوع لشريعة كل منهما أو بحث دينونتهما بالطلاق من عدمه، باعتبار أن نص المادة "17 3" من القانون رقم ( 1 ) لسنة 2000 وضع القيد بالنسبة للزوجين متحدي الملة والطائفة، فإذا اختلف الزوجان ملة أو طائفة تعين تطبيق القواعد العامة وهي الشريعة الإسلامية التي تبيح الطلاق حتى ولو كانت شريعة أحدهما أو كلاهما لا تجيزه.
مافيا سماسرة الشهادات تصل لـ 100 ألف جنيه للشهادة
ووفقا لـ"صبرى": قد يلجأ البعض من الراغبين في الطلاق من المسيحيين إلى إدعاء تغيير الدين أو الملّة والطائفة لمحاولة الحصول علي الطلاق ويعلم الكثيرين أنها بقصد التحايل علي القانون، وفي حالة ارتداد أحد الزوجين عن المسيحية من حقهما طلب الطلاق سبب تغيير الدين وذلك وفقاً للمادة الثالثة من الدستور المصري الحالي، وعند ارتداد الزوج عن المسيحية، من حق الزوجة أن تقيم دعوي التطليق للخلع وهذه الدعوي أسهل نسيباً من دعوي الطلاق للضرر لحين تعديل قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين.
ويضيف الخبير القانونى: ناهيك عن سمساسرة تغيير الملة والطائفة الذين يستغلوا المتضررين من الخلافات الزوجية ومعاناتهم للالتفاف على القانون، ومخالفة تعاليم الكتاب المقدس؛ لتحقيق أغراضهم الشخصية ومصالحهم الضيقة، أو لأية مكاسب زائفة لهم، ولأحد طرفي العلاقة الزوجية، ونري إن المشرع لم يوفق في صياغة منظومة تشريعية ناجحة للأحوال الشخصية، وإن كل هذه الأمور تتطلب التعديل العاجل لقوانين الأحوال الشخصية حتى لا يتم المزيد من إهدار حقوق كل من الطرفين، ومراعاة المصلحة الفضلي للطفل، وفى تقديري أن قانون الأحوال الشخصية بالنسبة للمسيحيين يحتاج إلى تعديلات جذرية ليتوافق مع دستور 2014م وهى من التشريعات واجبة الإصدار لتخفيف المعاناة عن الأقباط وسرعة إصدار تشريع فى هذا الشأن.
ومطالبات بسد الفراغ التشريعى
ويؤكد: إن المادة الثالثة من الدستور المصري 2014م تنص على أن: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ومن ثم فإنه وفقاً للدستور تكون مبادئ الشريعة المسيحية واجبة التطبيق على المصريين المسيحيين، ويكون الطلاق لسببين تغيير الدين، وعلة الزنا، ويتعين على كافة السلطات المعنية إعمال نص الدستور وهو ما استقر عليه قضاء محكمة النقض منذ عام 1980م من مبادئ هامة والتى تضمنت أن النصوص الدستورية تتمتع بالإنقاذ الفورى والمباشر، منذ العمل بأحكام الدستور وما يخالفها من نصوص تشريعية تعبير منسوخة ضمنا بقوة القانون دون حاجة لانتظار قضاء دستوري أو تعديل تشريعي، وأوجبت بذلك إهدار مواد القانون التى تتعارض مع النصوص الدستورية سابقة كانت أم لاحقة على صدوره باعتبار الدستور القانون الأسمى والأعلى صاحب الصدارة على المدرج التشريعى.
الخبير القانونى والمحامى بالنقض هانى صبرى
كما إن الشريعة الإسلامية تقرر الاحتكام إلى الإنجيل فيما يتعلق بالمسيحيين وذلك وفقاً لما جاء في سورة المائدة ( ٤٧): "وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ ۚ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ"، فضلا عن عدم تطبيق المادة الثالثة من الدستور المصري التي تنص على أن: "مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية"، ومن ثم فإنه وفقاً للدستور تكون مبادئ الشريعة المسيحية واجبة التطبيق على المصريين المسيحيين، ويكون الطلاق لسببين تغيير الدين، وعلة الزنا، فمن حق الزوجة الطلاق للضرر .
مطالب بعدم اعتماد شهادات تغيير الملة أو الطائفة
وبناء عليه فإننا إدعو الطوائف المسيحية الثلاثة والحكومة والبرلمان الانتهاء من مشروع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وعرضه على البرلمان لإقراره، وأن يتضمن مشروع القانون المساواة فى الميراث بين الذكر والأنثى المسيحيين، وإقرار التبني في المسيحية، وأن يكون الطلاق في المسيحية لسببين تغيير الدين، وعلة الزنا، حيث إن هذه الأمور لها أساس دستوري وقانونى، ولها ما يؤيدها فى الكتاب المقدس، كما أدعو الجميع إلى تحمل مسؤوليته في هذا الشأن، مع ضرورة إصدار قرار من كافة الطوائف المسيحية بعدم اعتماد شهادات تغيير الملة أو الطائفة التي يكون الغرض منها التحايل للحصول على الطلاق، وإرسال القرار إلى محاكم الأسرة لإيقاف هذه الثغرة، لحين تعديل قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين – الكلام لـ"صبرى".
وتنظر المحاكم الآلاف من قضايا طلاق الأقباط، منهم العديد من ضحايا مافيا تغيير الملة، إما بالتزوير، أو الحصول على شهادات أصلية تفيد تغيير الملة بين الطوائف المسيحية فى الداخل أو الخارج، ولكل طريقة ثمنها، وتبلغ قيمة شهادة تغيير الملة الأصلية 4 الآف دولار، وهو سعر موحد للحصول عليها بالخارج، بخلاف تذاكر ومصاريف السفر فى رحلة الحصول على الشهادة التى تمتد أسبوعًا، وهى رحلة تُسرع من إجراءات التقاضى حيث يقدم الشخص الحاصل على شهادة تغيير الملة وثيقة تحركات من مصلحة الجوازات والهجرة للبلد الصادر منه شهادة تغيير الملة موثقة من الخارجية المصرية، ومصدقًا على الأختام التى بها، وحاصلة على صحة التوقيعات.
سيناريوهات تغيير الملة أو الطائفة
أما فى حالة عدم السفر للخارج وإرسال مبلغ الشهادة بتحويل بنكى لكاهن الكنيسة الذى يصدر الشهادة، فإن الأمر يتطلب من القاضى أن يستعلم عن كيفية تغيير الملة فى كنيسة من بلد لآخر لم يزُره من قبل، والاستعلام عن التزام من حصل على الشهادة بتأدية الطقوس الدينية للطائفة التى انضم إليها لمدة 6 شهور بانتظام أم لا، إضافة إلى أتعاب المحامى التى تتراوح حسب المكانة الاجتماعية للشخص الذى يسعى للحصول على الشهادة، وفى الغالب تكون بين 7 إلى 10 الآف جنيه، ويشتهر عدد من المحامين الأقباط بتلك الطريقة وهم مرتبطون بعلاقات وثيقة مع الكنيسة فى مصر، بل إن منهم من دافع باستماته عن تعديلات لائحة 1938 لكونها "باب خلفى للثراء".
بينما بعضهم بارك اتفاق "الكنيسة المصرية" مع كل الطوائف فى الداخل على عدم إعطاء شهادة تغيير الملة بين الطوائف، ويلصق بعض هؤلاء المحامين بدون سند من القانون لقب "مستشار"، بأسمائهم ويقولون إنهم مستشارو الكنيسة التى تنفى صلتهم دائمًا بها، وتربط هؤلاء المحامين علاقات وثيقة مع عدد من كهنة كنائس طائفة الروم الأرثوذكس فى سوريا ولبنان، خاصة "المتروبوليت إلياس الكفورى"، مطران صور وصيدا وتوابعهما للروم الأرثوذكس، حيث يظهر توقيعه وأختام كنيسته، على معظم شهادات تغيير الملة التي تقدم لمحاكم الأسرة من قبل الأقباط للحصول على الطلاق احتكامًا للشريعة الإسلامية.
التحايل على القانون بالتزوير والنصب في شهادات تغيير الملة
وعملية الوصول إلى السماسرة الذين يستطيعون الحصول على شهادات تغيير الملة الأصلية من الخارج ليست سهلة، فهم لا يعملون إلا عبر مصادر وأشخاص موثوق بهم وعبر محامٍ متخصص فى قضايا الأحوال الشخصية معلومًا لهم خوفًا من كشف سترهم، وهو نفسه الأمر الذي يجرى مع محامى الطائفة الوحيدة التى تعطى شهادة تغيير الملة داخل مصر.
ولصعوبة تلك العملية استغل بعض محترفى النصب والتزوير رغبة الآف الأقباط فى الطلاق، وتغيير ملتهم فى تزوير شهادات تغيير الملة، وهو الأمر الذى كشفته مئات القضايا والبلاغات المنظورة أمام النيابة العامة والقضاء، وكان أشهرها واقعة "ص. ل "، راعى الكنيسة الإنجيلية المتهم بتزوير شهادات طائفية، منسوب صدورها إلى الطوائف حتى يتمكن الضحايا من الزواج مرة أخرى، فقد ضُبط وحده بتزوير 300 شهادة تغيير ملة منسوب صدورها للطوائف الكاثوليكية والأرثوذكسية والبروتستانتية، مقابل 30 ألف جنيه للشهادة الواحدة، وكانت مباحث الأموال العامة فى القاهرة ألقت القبض على المتهم وبحوزته أختام شعار الجمهورية، وأختام خاصة بمديريتى أمن القاهرة والإسكندرية لاستخدامهما فى التزوير.
الفرق بين تغيير الملة والطائفة قانونا
ولم تقتصر الطرق التى يلجأ إليها متضررو الأحوال الشخصية عند التزوير بل يلجأ البعض للتحايل بالزواج العرفي فى الداخل بعلم طرفى المشكلة، فى ظل استحالة العشرة بينهما وعدم وجود خلاص لمشكلتهما، والبعض الآخر يذهب لتغيير الديانة والدخول فى الإسلام وهناك قضايا شهيرة بذلك من أجل تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عليه والحصول على الطلاق وبعد ذلك يعود إلى المسيحية وهي القضية الشهيرة المعروفة بقضية "العائدون إلى المسيحية" عام 2008.
أما عن تغيير الملة أو الطائفة هي أن يترك الشخص المذهب الذي ينتمي اليه "الأرثوذكس، أو الكاثوليكية، أو البروتستانتية"، وينضم إلى مذهب أخر، ومثال ذلك أن يترك الكاثوليكي مذهبه، وينضم إلى المذهب الأرثوذكسي، أو البروتستانتي، والعكس صحيح، وبهذا التغيير يخرج الشخص من المذهب الذي تؤمن به طائفته التي كان ينتمي إليها، ويدخل في مذهب أخر.
أما المقصود بتغيير الطائفة: فهي خروج الشخص من الطائفة التي ينتمي إليها، ليدخل في طائفة أخري داخل نفس المذهب فمثلا تغيير الشخص المسيحي لطائفته التي ينتمي غليها وهي الروم الأرثوذكس مثلا ليدخل في طائفة الأقباط الأرثوذكس، فهو تغيير داخل الملة الواحدة.
وتغيير الملة أو الطائفة لا يتم ولا ينتج آثره بمجرد إبداء طلبة أو الرغبة فيه، وإنما يتعين أن يتم ذلك بالدخول في الطائفة أو الملة الجديدة، وهذا عمل إرادي من جانب الجهة الدينية المختصة التي يرغب الشخص الدخول في طائفتها أو ملتها، ويكون قبول الانضمام إليها صادرا من رئاستها الدينية المعتمدة، وينتج عن ذلك التغيير إيقاع الطلاق عند الإخوة المسيحين وذلك لتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية فيما بينهم بمقتضى التغير السابق الإشارة إليه.