جاء التصدي من جانب قانون المواريث لجريمة الامتناع عن تسليم الميراث الشرعي لأصحابه من الورثة بهدف تقليل هذه الافعال وتبعاتها حيث من المعروف إن قضايا الميراث تشكل جزء من الحياة الخاصة بالمواطنين، وينبثق منها العديد والعديد من القضايا وبالرغم من أن نظام الميراث من الأنظمة الشرعية القانونية المرتبطة بالدين والتي كان من الطبيعي أن يحترمها الشخص باعتبارها جزءاً من عقيدته المنصوص عليها في الأديان السماوية بل جزءاً من أخلاقه الطبيعية التي تتفق مع الفطرة الإنسانية. الا انه قد انتشر عرف فاسد أحل حرمان بعض الورثة من الميراث لاعتبارات العصبية والتمييز بين الذكور والإناث والمتعلمين وغير المتعلمين وغيرها من الأسباب الواهية المنتشرة في ربوع الوطن العربي.
ومن المسلم به أن القانون لا يتدخل في التجريم والعقاب إلا بعد شيوع إحدى الظواهر وتفاقمها، وقد انتشرت انتشاراً واسعاً في المجتمع ظاهرة الامتناع عن تسليم الميراث الشرعي، أو حجب سنده عن صاحب الحق فيه، الأمر الذى استوجب التدخل التشريعي من المشرع للقضاء على هذه الظاهرة لمنع استمرار انتشارها، لذا فان ففلسفة القانون في تعديلات 2018 جاءت واضحة بالمذكرة الإيضاحية التي قالت الحكومة خلالها إن القوانين السابقة لم تكن تتضمن أي عقوبة بشأن عدم تسليم الميراث، وهو ما ألزم الحكومة بإعداد هذا التشريع لوقف ظاهرة عدم تسليم الميراث والتي استفحلت في المجتمع، حسبما جاء بالمذكرة الإيضاحية.
لملايين الورثة.. هل يجوز رفع جنحة عدم تسليم الميراث مرتين؟
في التقرير التالي، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بأزمة المواريث وقضاياها تتمثل في الإجابة على حزمة من الأسئلة.. ما هو موقف الأحكام الصادرة بالبراءة بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن القانون رقم 219 لسنة 2017 الخاص بجريمة الامتناع العمدي عن تسليم الميراث وعدم اشتراط وجود قسمة وفرز وتجنيب لثبوت الجريمة؟ وهل يجوز رفع الجنحة مرة أخري أم لا يجوز لسابقه الفصل فيها؟ وماهي الأثار المترتبة على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة؟ وما معني رجعية أثر الحكم؟ ما هو أثر الرجعية على الحكم الصادر بالإدانة أو البراءة؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
كيف يضيع حق صاحب الحق في استلام ميراثه؟
في البداية - بعد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسى على قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 77 لسنة 1943 بشأن المواريث في عام 2018، والذي نص على معاقبة من يمتنع عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تجاوز 100 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، والحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز 50 ألف جنيه كل من حجب سندًا يؤكد نصيب الوريث أو امتنع عن تسليمه، حيث أن أغلب حالات عدم تسليم الميراث تخص في الغالب النساء المستحقات لأرثهن، حيث يمتنع الذكور عن تسليم الميراث بدعوى عادات بالية، إذ يتسبب الميراث في الكثير من الجرائم، والقضايا أمام المحاكم المختلفة، وطبقا للتعديلات الأخيرة لقانون المواريث، تم تجريم عدم تسليم أحد الورثة نصيبة الشرعي من الميراث – وفقا لـ"الجعفرى".
وللأسف الشديد ظن السواد الأعظم أن مثل هذه التعديلات في قانون المواريث ستنهى آلاف الدعاوى القضائية والنزاعات الأسرية المتداولة والتي تستغرق سنوات طويلة بين أروقة المحاكم، خاصة وأن مشيخة الأزهر وهيئة كبار العلماء، اللتان عُرض عليهما مشروع القانون – حينها - جنحتا لجواز الصلح والتسوية الودية فى أية حالة كانت عليها الدعوى، دون أن يترتب على الصلح أثر على حقوق المضار من الجريمة، إلا أن الأزمة اتضحت بعد التطبيق الفعلى للقانون حيث يحصل صاحب الحق على حكم بالحبس لعدم تسليم الميراث، ثم يحصل المتهم على البراءة عند استئناف الحكم ويكون تسبيب المحكمة أن "المدعى" لم يقم بإجراء الفرز والتجنيب قبل إقامة دعوى تسليم الميراث، فإذا حاول "المدعى" إقامة الدعوى مرة أخرى بعد الانتهاء من الفرز والتجنيب يقوم المتهم بالدفع بعدم الجواز لسابقة الفصل فيها، ومن ثم يضيع حق صاحب الحق– الكلام لـ"الجعفرى".
ما هو موقف الاحكام الصادرة بالبراءة بعد حكم المحكمة الدستورية العليا بشأن القانون رقم 219 لسنة 2017 الخاص بجريمة الامتناع العمدي عن تسليم الميراث وعدم اشتراط وجود قسمه وفرز وتجنيب لثبوت الجريمة، وهل يجوز رفع الجنحة مرة أخري أم لا يجوز لسابقة الفصل فيها؟
نعم - يجوز رفع جنحة جديدة بالامتناع عن تسليم حصة ميراثيه، فقبل صدور حكم الدستورية العليا كانت معظم دوائر المحاكم تبراء الممتنع عن تسليم حصة ميراثية وتأسس أحكامها على عدم سلوك المدعي بالحق المدني الطريق الذي رسمه القانون بإقامة دعوى "فرز وتجنيب" قبل اللجوء للطريق الجنائي، فهذا القانون لا يجود آلية لتطبيقه أو وجود لائحة تنفيذية وقرار أو منشور ينظم العمل به، لذلك تم الطعن عليه بالمحكمة الدستورية بالدعوى رقم 31 لسنة 42 دستورية، والتي تطالب بعدم دستورية نص المادة 49 المضافة بالقانون 219 لسنة 2017 الي القانون رقم 77 لسنة 1943 والخاص بالمواريث فيما تضمنته من معاقبة كل من امتنع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث – هكذا يقول "الجعفرى".
نص حيثيات حكم المحكمة الدستورية العليا
وقضت المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول الدعوى رقم 31 لسنة 42 قضائية "دستورية" الخاصة بالفصل في دستورية المادة "49" من قانون المواريث، المضافة بالقانون رقم 219 لسنة 2017 فيما لم تتضمنه من لزوم وجود قسمة نهائية رضًا أو قضاءً لقيام جريمة الامتناع عمدًا عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، وتم تأسيس الحكم على ما أفصحت عنه المذكرة الايضاحية لمشروع القانون رقم 219 لسنة 2017، وكذا مناقشات مجلس النواب - بأن ذلك النص لا يمس أحكام المواريث، ولا الأنصبة الشرعية للورثة، إذ تظل خاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية، واقتصر الأمر على تجريم فعل الامتناع العمدي عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي في الميراث.
وبحسب "المحكمة": ذلك لمواجهة تلك الظاهرة التي ظهرت في المجتمع، سواء كان الأمر يتعلق بحصة شائعة أو مفرزه من التركة، فكلاهما يقبل الحيازة والتصرف والتسليم وفقًا لأحكام القانون المدني، وتتحراه المحكمة الجنائية وتكون من خلاله عقيدتها للفصل في الدعوي، فمن ثم فإن النعي على ذلك النص بأنه لم يتضمن لزوم وجود قسمة نهائية رضًا أو قضاءً لقيام تلك الجريمة، فضلًا عن كونه يمثل خطأ في فهم النص على غير معناه الحقيقي والتطبيق الصحيح لأحكامه، فإنه يشكل خوضًا في بواعث التشريع وملاءمته، وتدخلًا في السياسة التشريعية من خلال تعديل ذلك النص، وهو أمر يخرج عن ولاية هذه المحكمة، وبذلك يكون الدفع الخاص بعدم وجود تقسيم للتركة الذي كان محلا للبراءة لكل الجنح المقامة بالامتناع العمدي عن تسليم الميراث غير ذي محل.
ماهي الأثار المترتبة علي الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة؟
نظم القانون ما يترتب على الحكم بعدم الدستورية من آثار ونفاذاً، لذلك صدر قانون المحكمة الدستورية العليا الصادر بالقانون رقم 48 لسنة 1979 المعدل ونص فى المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا: "أن أحكام المحكمة الدستورية وقراراتها بالتفسير ملزمة لجميع سلطات الدولة وللكافة"، يترتب على الحكم بعدم دستورية نص فى قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالى لنشر الحكم، فإذا كان الحكم بعدم الدستورية متعلقاً بنص جنائى تعتبر الأحكام التى صدرت بالإدانة استناداً إلى ذلك النص كأن لم تكن، ويقوم رئيس هيئة المفوضين بتبليغ النائب العام بالحكم فور النطق به لإجراء مقتضاه".
ما معني رجعية أثر الحكم؟
أشارت المذكرة الإيضاحية لهذا القانون يتضح أنها قد قررت أن المقصود بعدم تطبيق النص، لا يقتصر على المستقبل فحسب، وإنما يمتد كذلك إلى الوقائع والعلاقات السابقة على صدور الحكم بعدم الدستورية - أى أن الأصل هو سريان الحكم بأثر رجعى - وأنه يستثنى من هذا الأثر الرجعى الحقوق والمراكز التي تكون قد استقرت عند صدوره، بحكم حاز قوة الأمر المقضى، أو بانقضاء مدة التقادم، وقد استقرت أحكام المحكمة الدستورية العليا على ذلك فى أحكامها فذهبت إلى أن: "ما يوقف الأثر الرجعى للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص تشريعى، صدور حكم قضائى بات، أو انقضاء مدة تقادم، تقررت بموجب حكم بات، استقرت به المراكز القانونية التى ترتبط بالحقوق محل المطالبة القضائية قبل صدور حكم المحكمة الدستورية العليا".
ما هو أثر الرجعية على الحكم الصادر بالإدانة؟
في هذه الحالة لابد أن يكون الحكم الجنائي صادراً بالإدانة ويستوي في ذلك أن يكون صادراً بعقوبة مقيدة للحرية أو سالبة لها أو بعقوبة مالية سواء كانت غرامة أو تعويضات أو رد مبالغ ولابد أن يكون الحكم الجنائي قد صدر- أيضاً- مستنداً إلى النص القانوني المقضي بعدم دستوريته، وسواء صدر مستنداً إلى هذا النص وحده أو إلى مجموعة من النصوص الأخرى من بينها النص غير الدستوري، فإن الحكم الصادر بعدم الدستورية يمتد إليه
ما هو أثر الرجعية على الحكم الصادر بالبراءة؟
في حالة الأحكام الصادرة بالبراءة، استناداً إلى النص المقضى بعدم دستوريته، فقد سكت المشرع عن معالجة تلك الحالة بنص المادة (49) من قانون المحكمة الدستورية العليا وهو ما يعنى إخضاعها للقواعد العامة فى هذا الشأن، التى تقضى بسريان الحكم بأثر رجعى، إلا إذا حاز هذا الحكم قوة الأمر المقضى باستنفاد جميع طرق الطعن المقررة أى أن الحكم في هذه الحالة يسرى عليه ما يسرى على الأحكام الأخرى الصادرة في غير المجال الجنائى، وذلك بمراعاة عدم مساس الرجعية بقاعدة القانون الأصلح فى المجال الجنائى، إذ يتعين حينئذ إعمال الأثر المباشر، لا الرجعى فى هذه الحالة للأحكام الصادرة بعدم دستورية نص جنائى أصلح للمتهم.