المجتمع المصري يتابع عن كثب، باهتمام بالغ، وقائع محاكمة قاتل طالبة المنصورة نيرة أشرف، التي جرى ذبحها ونحرها بطريقة وحشية، على رؤوس الأشهاد، أمام أسوار جامعة المنصورة، وتحت سمع وبصر العديد من الطلاب والطالبات من زملاء وزميلات الطالبة القتيلة وغيرهم ممن تصادف مرورهم فى مكان ارتكاب الواقعة، والصادر ضده حكم بالإعدام "شنقا" من محكمة الجنايات، ومن المقرر تقديم مذكرة الطعن أمام محكمة النقض لإلغاء الحكم وتخفيفه، لتصبح الكرة في ملعب محكمة النقض إما بتأييد إعدامه أو تخفيف الحكم.
إلا أنه نظراً لخطورة الجريمة وبشاعتها وعلانية ارتكابها، فقد اقتضى ذلك أن تقوم النيابة العامة بإحالة المتهم إلى محكمة الجنايات بعد مرور ساعات معدودات على تاريخ ارتكابها، بما يجعل هذه القضية الأسرع فى تاريخ القضاء المصرى فى الإحالة من النيابة العامة إلى المحاكمة، حيث تم ارتكاب الجريمة ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، وإنما طالب البعض بأن يتم الفصل فى القضية من أول جلسة، وإحالة أوراق المتهم إلى فضيلة المفتى، وبالفعل تم الحكم عليه بالإعدام في 3 جلسات فقط لتكون أسرع قضية تمت احالتها من النيابة وكذلك أسرع قضية في الحكم فيها أمام المحكمة.
علانية تنفيذ حكم الإعدام في التشريعات العربية
ولأن المتهم "محمد عادل" لم يتورع ولو لحظة عن ارتكاب جريمته علانية، وفى وضح النهار، فقد طالب بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالقصاص العاجل من القاتل، مشددين على ضرورة إعدام الجانى علناً، وفى موقع ارتكابه جريمته البشعة ذاتها، لكى يكون عبرة للجميع، مؤكدين أن الإعدام علناً هو أقل جزاء يناله القاتل، بعد أن أزهق روح "نيرة" لمجرد أنها رفضت الزواج منه، وفى صفحته على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" اقترح أحد القضاة إذاعة أحكام الإعدام للحظات قبل التنفيذ، لما فيه من الردع العام، مرفقاً هذا الاقتراح بصور لبعض المحكوم عليهم بالإعدام قبل تنفيذ العقوبة ضدهم بلحظات، والتى كان يجرى عرضها على شاشات التليفزيون المصري فى التسعينات من القرن الماضي.
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في مدى جواز علانية اعدام المتهم "محمد عادل" حال تأييد حكم الإعدام من قبل محكمة النقض، ومثلما حدث مع الإرهابي "عشماوى"، وكما حدث فى سنوات التسعينات من القرن الماضى، فعلى سبيل المثال، وفى غضون 11 أبريل سنة 1998م، قام برنامج "مساء الخير" بالبث على الهواء مباشرة لوقائع تنفيذ حكم الإعدام فى ثلاثة من المحكوم عليهم فى إحدى قضايا الرأى العام، وتتعلق بقتل المجنى عليها نانسى أحمد فؤاد وطفليها، وكان القصد من ارتكاب جنايات القتل الثلاث هو ارتكاب جنحة سرقة، حيث سرقوا الحلى والمنقولات الذهبية المملوكة للمجنى عليها وزوجها، حال حملهم سلاحاً أبيض عبارة عن مطواة قرن غزال – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض محمود البدوى.
عقوبة الاعدام هى العقوبة القصوى فى التشريع الجنائى
في البداية - عقوبة الاعدام هى العقوبة القصوى فى التشريع الجنائى، حيث أن دول كثيرة تخلت عنها لتعارضها مع الحق فى الحياة، وأخرى تتمسك بها لارتباطها بثقافة هذه المجتمعات، ومصادرها التشريعية، وتعتبرها نوعا من القصاص والردع للعديد من الجرائم، بينما يرى آخرون أن عقوبة الاعدام لم تردع المجرمين فى كثير من الجرائم ومنها الاغتصاب والقتل وجلب المخدرات.. الخ، فلقد شغل موضوع عقوبة الاعدام – أو قتل النفس لجرم اقترفته معاقب عليه فى القانون – الكثير من دارسى علم الاجرام والعقاب وكذلك الكثير من الحقوقيين والمهتمين بحقوق الانسان فى مصر والعالم – وفقا لـ"البدوى".
فكانت وجهات نظر الباحثين والعلماء دائما تختلف باختلاف البيئة التى عايشوها، أو الاتجاه الدينى الذى اتبعوه أو الافكار الفلسفية التى اعتنقوها، وهذا الانشغال الفكرى لعقوبة الاعدام لم يكن ليقف عند حدود البيئة أو الدين أو الفلسفة، بقدر ما كان يبرز خلال المناقشة فى أمر أحد القتلة أو المعتدين على حقوق الناس، ومن ثم يجب أن نفرق أولا بين شرعية عقوبة الاعدام وبين الغاء عقوبة الاعدام أم الابقاء عليها، فالشرعية هى اقرار مبدأ هذه العقوبة، والالغاء هو عدم الحاجة لتطبيقها فى الوقت الحاضر، ويرى المؤيدون لعقوبة الاعدام أنه من حق الهيئة الاجتماعية فرض هذه العقوبة، لأنه إذا كان المجتمع لم يعط حق الحياة، فهو لم يعط حق الحرية لأحد، مع الاعتراف بأن الحياة أثمن من الحرية – الكلام لـ"البدوى".
لماذا يرى البعض إلغاء عقوبة الإعدام؟
والاعتراض على عقوبة الاعدام يقضى معه على شرعية كل العقوبات الأخرى، وإذا كانت عقوبة الإعدام خطر لأنه من الجائز أن يخطأ القاضي، فعقوبة الحبس أيضا جائز أن يخطئ القاضى أيضا وهى تؤثر فى صحة الفرد وحياته بصورة لايمكن تلافى معها الضرر، وقد تكون عقوبة المؤبد أكثر ضررا من الاعدام، فضلا عن أن عقوبة الاعدام خففت كثيرا من أعداد المجرمين لتحقيقها الردع العام ، والاعتراض القائم على أساس عدم تناسب هذه العقوبة مع الجريمة، مردود عليه أن التناسب التام أمر غير ممكن، فتقدير الانسان للأمور نسبى بصورة دائمة، كما أن بلاء العقوبات طويلة المدة أخطر وأوقع من عقوبة الموت على قصر عذابها – هكذا يقول "البدوى".
بينما يرى المعارضون لعقوبة الاعدام والمطالبين بإلغائها أن الغرض من العقوبة ليس معاقبة الشخص عن فعل وقع، بل منع وقوع مثل هذا الفعل مستقبلا، وأيضا عقوبة الاعدام لا يمكن تلافيها أو أصلاحها اذا نفذت على المحكوم عليه ثم تبين خطأ الحكم فلا مجال لتصحيح الخطأ، وكذلك عقوبة الاعدام لم تكن فى يوم من الايام رادعة للمجرمين، بدليل أن نسبة الجرائم التى يجوز فيها الحكم بالاعدام لم تقل فى البلاد التى أبقت على هذه العقوبة، ولم تزد فى البلاد التى الغت هذه العقوبة، أضافة الى أن العقاب فى مدارس الدفاع الاجتماعى الحديث هدفه الإصلاح، فهل فى موت المجرم اصلاح له؟.
كما يرى البعض أن الغاء هذه العقوبة واستبدالها بعقوبة رادعة مثل عقوبة الاشغال الشاقة المؤبدة تكون أنفع وأجدى للمجرم، أما رأى الدين فالقرآن الكريم بعد أن أوجب القصاص فى القتل العمد، خيرنا بين القصاص وبين الصفح أو العفو فى مقابل دية أو مال، فالقضية تحتاج للكثير من النقاش المتعمق وصولا الى مراعاة حقوق الانسان وتحقيق الردع والصالح العام، ولكن يأتي الحديث هنا عن مدى قانونية علانية تنفيذ حكم الإعدام من عدمه من أجل الردع والتصدي لاستباحة وإهدار الدماء وسفكها.
تنفيذ حكم الإعدام علانية في التشريع المصرى
فقد اختلفت القوانين العربية بخصوص مكان تنفيذ عقوبة الإعدام، فبعضها اشترط أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو في مكان أخر مستور، كقانون الإجراءات الجنائية المصرى المادة "473"، وبالعبارات ذاتها تقريباً، تنص المادة "65" من قانون تنظيم السجون على أن "تنفذ عقوبة الإعدام داخل السجن أو فى مكان آخر مستور بناءً على طلب كتابى من النائب العام إلى مدير عام السجون يبين فيه استيفاء الإجراءات التى يتطلبها القانون"، وهكذا، يقرر المشرع صراحة أن تنفيذ عقوبة الإعدام يكون داخل السجن أو فى مكان آخر مستور، الأمر الذى يدل ضمناً على عدم جواز التنفيذ العلنى للأحكام – طبقا لـ"البدوى".
يؤكد ذلك أن المادة "474" من قانون الإجراءات الجنائية توجب أن: "يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بحضور أحد وكلاء النائب العام ومأمور السجن وطبيب السجن أو طبيب آخر تندبه النيابة العامة، ولا يجوز لغير من ذُكر أن يحضروا التنفيذ إلا بإذن خاص من النيابة العامة، ويجب دائماً أن يؤذن للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور.."، وبالعبارات ذاتها تقريباً، تنص المادة "66" من قانون تنظيم السجون على أن: "يكون تنفيذ عقوبة الإعدام بحضور مندوب من مصلحة السجون وأحد وكلاء النائب العام ومندوب من وزارة الداخلية ومدير السجن أو مأموره وطبيب السجن وطبيب آخر تندبه النيابة العامة، ولا يجوز لغير من ذُكروا أن يحضر التنفيذ إلا بإذن خاص من النيابة العامة، ويجب أن يؤذن للمدافع عن المحكوم عليه بالحضور إذا طلب ذلك"، وعلى هذا النحو، يمكن القول إن التنفيذ العلنى لأحكام الإعدام غير جائز، ولو كانت الجريمة المنسوبة إلى المتهم "محمد عادل" بشعة، كما هو الشأن فى جريمة قتل طالبة المنصورة نيرة أشرف.
علانية تنفيذ حكم الإعدام في 8 دول عربية
وقرر البعض الأخر – أن تنفيذ عقوبة الإعدام داخل بناية السجن أو في أي مكان أخر يعينه المرسوم الصادر عن رئيس الدولة القاضي بتنفيذ هذه العقوبة، وهذا هو اتجاه قانونى العقوبات اللبناني – المادة 43/2 – والسورى – 43/2 – فيما اشترط بعضها أن يكون التنفيذ في المكان الذى يعينه المرسوم الصادر عن رئيس الدولة – حصرا – كقانون العقوبات العمانى طبقا للمادة "40"، وكذا قانون إجراءات المحاكم الجنائية الإماراتى طبقا للمادة 103/3، أما قانون العقوبات المغربى فقرر أن يكون تنفيذ عقوبة الإعدام غير علنى إلا إذا قرر وزير العدل خلاف ذلك، طبقا للمادة 20، وقد جاءت قوانين عربية أخرى خالية من نص يحدد مكان تنفيذ هذه العقوبة، وهذا هو اتجاه قوانين تونس وقطر، ونصت المادة "288" من قانون أصول المحاكمات الجزائية العراقية: "تنفيذ عقوبة الإعدام شنقا داخل السجن، أو أي مكان أخر طبقا للقانون – وعلى مقتضى النص المتقدم، فإن عقوبة الإعدام يمكن أن تنفذ علانية في أي مكان أخر غير السجن، وكذا القانون السودانى يجيز تنفيذ الإعدام في العلن.
عقوبة الإعدام في المملكة العربية السعودية
عقوبة الإعدام في السعودية هي عقوبة مستمدة من الشريعة الإسلامية التي يحكم بها القضاء في السعودية، وتُنفذ في حالات معينة مثل جرائم القتل، وبعض الجرائم الكبرى مثل الإتجار بالمخدرات وتهريبها، ولا يُستثنى الأجنبي أو المقيم، طالما أنه فعل ما يستوجب العقوبة داخل السعودية حسب قوانينها، وخصوصا جرائم القتل والإرهاب والتهريب، ويكون الإعدام في السعودية إما قطع الرأس بالسيف أو رمياً بالرصاص، وخِلافاً للعديد من الدُوّل التي لم تُلغِ عقوبة الإعدام؛ عادةً ما يُنفذ الإعدام في المملكة السعودية العربية علناً أمام جماهير الناس في ساحات مُخصصّة لذلك وغالباً ما تكون وسط المُدن، لأن أحد أهداف هذه العقوبة في الشريعة الإسلامية هي الردع.
علانية عقوبة الإعدام في التشريع اليمنى
القانون اليمنى يبيح تنفيذ حكم الإعدام في العلن، مثلما حدث في غضون 13 يوليو 2021 نفذ رجال الشرطة اليمنية، عقوبة الإعدام رميًا بالرصاص على رجل يدعى "محمد المغربى"، يبلغ من العمر 41 عامًا، وذلك لإدانته بتهمة اغتصاب وقتل طفلة عمرها 3 سنوات، ونقل رجال الشرطة اليمنية، المدان فى قضية الاغتصاب، إلى أحدى الساحات العامة فى عربة الترحيلات، حيث احتشد آلاف المواطنين لمتابعة تنفيذ عقوبة الإعدام على المتهم، وألقى المتهم على الأرض، ونفذ فيه الحكم، وسط حراسة أمنية مشددة.
الحوثيون: تنفيذ أحكام بالإعدام في حق ثلاثة يمنيين بتهم القتل والاغتصاب
وفي غضون 16 يونيو 2021 نفذت السلطات التابعة للمتمردين الحوثيين يوم الأربعاء 16 يونيو 2021 أحكاما بالإعدام في حق ثلاثة يمنيين رميا بالرصاص بينهم رجل أقدم على قتل بناته الثلاث، وسط العاصمة صنعاء، ووسط إجراءات أمنية مشددة، نفذ حكم الإعدام رميا بالرصاص في ميدان التحرير وسط صنعاء التي يسيطر عليها المتمردون، بحضور مئات من اليمنيين، ونفذ الإعدام في حق يمني يدعى علي عبد الله النعيمي الذي قام بقتل بناته الثلاث بعد وضعهن في خزان مياه إثر خلاف مع والدتهن، وفي حق رجلين آخرين قاما باغتصاب طفل وقتله قبل التخلص من جثته، وارتدى الرجال الثلاثة بدلة السجن الزرقاء وأطلق الرصاص الحي عليهم.