بالتزامن مع بدء الدراسة تطفو ظاهرة "التنمر" على السطح لما لها من أخطار على طلبة المدارس، باعتبارهم الفئة العمرية الأكثر عرضة لهذه الممارسة غير المرغوبة، فضلا عن أنه يمثل عدواناً له آثار سلبية على الطفل الذي يتعرض له، ما يتطلب فهم التنمر وأساليب الحد منه في المدارس والمؤسسات التعليمية، وخصائص المتنمرين، وضحاياهم، والبيئة المهيأة لنمو الظاهرة وصولا لاكتشاف كيفية الوقاية منه، ما يكفل للطلبة نشأة سوية تجعلهم أفراداً صالحين في المجتمع.
ومع دخول المدارس واختلاط الأطفال بعضهم بعضاً لساعات طويلة، يظهر التنمر بين بعض الأطفال، وهو يعد من أخطر المشاكل التي قد تقتحم عالم الطفل، نظراً إلى عدم درايته بمواجهة الصعاب، وأسلوب التربية غير المهيأ لاستقبال هذه السلوكيات غير المتوقعة، ما يدفع الأبوين إلى إدراك ومراقبة ما يحدث للطفل، والمظاهر غير الطبيعية على ملامحه أو سلوكياته، ومحاولة إثراء مخزونهم الثقافي بطرق علاج تنمر الأطفال، ليكونوا مستعدين للتعامل مع الموقف بشكل مدروس وسليم، تجنباً لأي عواقب قد تنتج عن هذا السلوك العدائي.
بدأ "هزار" التلاميذ مع بداية الدراسة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في "التنمر المدرسى" ومدى تأثيره على التلاميذ والعقوبات المقررة للتصدى لمثل هذه الأفعال، فالتنمر سلوك مرفوض يتنافي مع قيمتي السلام وحسن الخلق، وحرم الإسلام التنمر والإيذاء والاعتداء ولو بكلمة أو نظرة والمتنمر يعتقد أنه الأكثر قوة وسلطة ونفوذا، ووجود شخص متنمر فى الأسرة الواحدة يؤدى إلى ظهور الكثير من المتنمرين الآخرين فى الأسرة والمجتمع – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
المشرع اعتبرها جريمة "تنمر"
في البداية - يجب أن تتحلى العملية التعليمية بالضوابط والأخلاقيات والأداب العامة التي تضعها وزارة التربية والتعليم، لأنه من أخطر الأشياء ترويع المدرس بأي شكل من الأشكال، فمن حق المدرس أن يكون له دور تربوي قوامه المنع بشرط ألا يمتد إلى التنمر، ومن الأضرار التي تسببها ظاهرة التنمر سلْب حق الطفل الذي يتعرض للتنمر في العيش الهنيء، فالطفل في حاجة إلى حارس أمين على صحته يحرس القيم ويحمي الصحة ويدافع عنها، فالتنمر مرفوض بكل أشكاله – وفقا لـ"الجعفرى".
ما هو تعريف التنمر؟
التنمر هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه شخص أو مجموعة من الأشخاص ضد شخص آخر، أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة ووفقا للمادة 309 مكرراً ب من قانون العقوبات المضافة والتي أوردت تعريفاً للتنمر: "يعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسئ للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي" – الكلام لـ"الجعفرى".
ماهي أشكال التنمر؟ وحالات تشديد العقوبة فيما يلى:
قد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الشخص المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، وهناك أنواع من التنمر منها اللفظي والمعنوي والجسدي، وعادة ما يشعر الشخص الذي يتعرض إلى التنمر إلى الكثير من الشعور السلبية ويجب على الأهل أن يكونوا منتبهين بشكل كبير لأولادهم، ووفقاً لأحكام قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لعام 2018، فقد تم إضافة مادة جديدة برقم 50 مكرر، إلى القانون، حيث تنص على معاقبة المتنمر على الشخص من ذوي الإعاقة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ، ولا تزيد عن 100 ألف جانيه، أو بهاتين العقوبتين .
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات، ولا تزيد عن خمس سنوات، وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد عن مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، إذا وقعت الجريمة من شخصين أو أكثر، أو كان الفاعل من أصول المجني عليه، أو من المتوليين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، أو كان المجني عليه مسلماً إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادماً له أو عند من تقدم ذكرهم، أما إذا اجتمع الظرفان، فيطبق الحد الأدنى للعقوبة .
عقوبة التنمر في قانون العقوبات
أما عن عقوبة التنمر بشكل عام في أحكام قانون العقوبات، فقد تم إضافة مادة للقانون العام الماضي برقم 309 مكرر ب، والتي أوردت تعريفاً للتنمر وتنص على ما يلي:
- يعد تنمرا كل استعراض قوة أو سيطرة للجاني، أو استغلال ضعف للمجني عليه، أو لحالة يعتقد الجاني أنها تسئ للمجني عليه، كالجنس أو العرق أو الدين أو الأوصاف البدنية، أو الحالة الصحية أو العقلية أو المستوى الاجتماعي، بقصد تخويفه أو وضعه موضع السخرية، أو الحط من شأنه أو إقصائه عن محيطه الاجتماعي.
-عقاب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه، ولا تزيد على 30 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
- تشديد العقوبة إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه
-تشدد العقوبة أيضا إذا كان مسلماً إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادماً لدى الجاني، لتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
-مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين وفي حالة العود تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.
هل هناك ظرف مشدد بتلك الجريمة؟
نعم - كما ذكرنا من قبل - تشديد العقوبة إذا توافر أحد ظرفين، أحدهما وقوع الجريمة من شخصين أو أكثر، والآخر إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه أو من المتولين تربيته أو ملاحظته أو ممن لهم سلطة عليه، وتشدد العقوبة أيضا إذا كان مسلماً إليه بمقتضى القانون أو بموجب حكم قضائي أو كان خادماً لدى الجاني، لتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه، ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، وكذلك - مضاعفة الحد الأدنى للعقوبة حال اجتماع الظرفين وفي حالة العود تضاعف العقوبة في حديها الأدنى والأقصى.
رأى دار الإفتاء في التنمر
هذا وقد سبق لدار الإفتاء التصدي لمسألة التنمر حيث قالت إن التَّنَمُّر بجميع صوره مذمومٌ شرعًا، ومَجَرَّمٌ قانونًا؛ وذلك لما يشتمل عليه من الإيذاء والضرر الـمُحَرَّمين، إضافة لخطورته على الأمن المجتمعي من حيث كونه جريمة.
وأوضحت دار الإفتاء، في فتوى لها، أن التنمر سلوك عدواني يهدف للإضرار بشخصٍ آخر عمدًا؛ سواء كان العدوان جسديًّا أو نفسيًّا؛ وهو بهذا الوصف عمل مُحَرَّم شرعًا، ويَدُل على خِسَّة صاحبه وقلة مروءته؛ وذلك لأنَّ الشريعة الإسلامية حَرَّمت الإيذاء بكل صوره وأشكاله؛ قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾ (الأحزاب: 58). ويقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ دِماءكم وأَموالَكم وأَعراضَكم عليكم حَرامٌ كحُرمةِ يَومِكم هذا في بَلَدِكم هذا في شَهرِكم هذا".
وأشارت الدار إلى أن التَّنَمُّر يشتمل على جملة مِن الإيذاءات النفسية أو الجسدية الحاصلة من الـمُتَنَمِّر، والتي يحصل بسببها ضررٌ على الـمُتَنَمَّر عليه؛ وقد جاءت الشريعة الإسلامية لحماية الإنسان مِن كل ما يمكن أن يصيبه بالضرر؛ ففي الحديث الذي رواه ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"؛ فحَرَّمت الشريعة عليه كل ما يضره، وجرَّمَت إيصال الضرر إليه بشتى الوسائل؛ والإيذاء والاعتداء الحاصل من الـمُتَنَمِّر تجاه الآخر هو من الإضرار بالغير الممنوع شرعًا.
وأضافت أن التَّنَمُّر -بناء على تعريفه السابق- يشتمل على السخرية واللمز والاحتقار؛ وهي أفعال مذمومة؛ جاء الشرع الشريف بالنهي عنها صراحة في القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: 11].
التَّنَمُّر قد يشتمل على السب وبذاءة اللسان
ولفتت الفتوى إلى أنَّ التَّنَمُّر قد يشتمل على السب وبذاءة اللسان، وهو مَحرَّمٌ شرعًا، ومُوجِبٌ لفسق صاحبه؛ ففي الحديث المتفق عليه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ".
وأوضحت الدار في فتواها أن السب والتعدي على أعراض الإنسان وإيذاءه بالضرب أو القتل ونحوه، كل ذلك سبب لإفلاس الإنسان يوم القيامة؛ فقد أخرج الإمام الترمذي في "سننه" عن أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أَتَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ"؟ قَالُوا: المُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "المُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِصَلَاتِهِ وَصِيَامِهِ وَزَكَاتِهِ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا فَيَقْعُدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْتَصَّ مَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ".
وناشدت دار الإفتاء المصرية في ختام فتواها جميع فئات المجتمع بالعمل على التصدي لحل هذه الظاهرة، ومواجهتها، وتحَمُّل المؤسسات التعليمية والدعوية والإعلامية دورها من خلال بيان خطورة هذا الفعل والتوعية بشأنه؛ بإرساء ثقافة الاعتذار في المجتمع، ومراعاة حقوق الآخرين.