مما لا شك فيه، أن مواقع التواصل الاجتماعى هي عبارة عن مواقع تربط الأفراد المنتشرين في كل مكان على كوكب الأرض، حيث تمتد هذه المواقع من دولة إلى أخرى، ومن مدينة إلى أخرى، ومن حرم جامعى إلى حرم جامعى أخر، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعى على وجه الخصوص، أفضل الوسطاء للأتصال، ويمكن الوصول إليها في جميع الأوقات والأماكن، وقد تطورت طرق استخدامها على مر السنين، وهو الأمر الذى أصبح لا غنى عنه في أيامنا هذه حتى أصبحت مواقع التواصل كالماء والهواء، فلو سألت من غاص في هذه العالم الافتراضى، ماذا لو تم قطع النت عنك؟ لأجاب بعدم تصور هذا الأمر من الأساس.
ولكن مع انتشار تلك التقنية التي صاحبت التطور التكنولوجى، تجد هناك العديد من المخاطر والسلبيات أبرزها التزييف المستتر الـ Deepfake للصورة وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، والنظام القانونى لحماية حق الفرد فى الصورة عبر الإنترنت، فتخيل معى أن تستيقظ يومًا لتجد مقطع فيديو أو صور لك مزيفة بدقة تقوم فيه بممارسة بعض الألعاب السحرية، فماذا سيكون شعورك؟ تخيل مرة أخرى، ماذا سيكون شعورك إذا انتشر هذا المقطع بسرعة فيروسية؟ ما طرحناه الآن لم يعد أمرًا افتراضيًّا، فمقاطع الفيديو والصور المزيفة انتشرت في كل مكان ودفعت انتحال الهوية الرقمية إلى مستوى أعلى حقًا - حتى وقت قريب - كنا نظن أنه لا يوجد ما هو أسهل من التفرقة بين مقطع فيديو حقيقي وآخر محوسب، ولكن التطورات الأخيرة التي شهدتها تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي كانت مدعاة لقلق الملايين من مستخدمي الإنترنت.
المسئولية القانونية الناجمة عن التزييف المستتر الـ Deepfake للصورة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتمثل في التزييف المستتر الـ Deepfake للصورة وتكنولوجيا الذكاء الإصطناعى، والنظام القانونى لحماية حق الفرد فى الصورة عبر الإنترنت، حيث أن الترجمة الشائعة لمصطلح deepfake ألا وهـي التزييـف العميق، ونـرى مـن جانبنـا عـدم دقة هذه الترجمة على الرغم من شيوعها، وذلك لعدم اتصالها بالمعنى المقصود من هذا المصطلح في مجال التكنولوجيا، فكلمـة deep في مجال تكنولوجيا الانترنـت لـهـا استخدامات عدة وأشهرها Deepweb ويقصد بها مواقع الانترنت الخفيـة والـتـي لا تظهر للمستخدمين عنـد البحث على محركات البحث المعروفة. فكلمة deep اذن تستخدم بمعنى الشيء الخفي غير الظاهر للكافة – بحسب أستاذ القانون العام الدكتور السعيد عبد الناصر السعيد.
مفهوم التزييف المستتر الـ " Deepfake "
في البداية - نـرى أن الترجمـة الأقرب للمعنى المقصود مـن تقنيـة deepfake هي التزييـف المستتر، وذلك لأن مصطلح التزييف العميق لا يفيد خفاء أو ستر التزييف، ومفهوم التزييف المستتر الـ "Deepfake": التزييف العميق "بالإنجليزية: "Deepfake" هى تقنية تقوم على صنع فيديوهات مزيفة عبر برامج الحاسوب من خلال تعلم الذكاء الإصطناعى، وتقوم هذه التقنية على محاولة دمج عدد من الصور ومقاطع الفيديو لشخصية ما من أجل إنتاج مقطع فيديو جديد - بإستخدام تقنية التعلم الآلى - قد يبدو للوهلة الأولى أنه حقيقى لكنه فى واقع الأمر مزيف – وفقا لـ"السعيد".
وتهدف هذه التقنية Deepfake التى أنفق عليها فيسبوك المليارات من أجل المنافسة مع شركات أخرى مثل شركات أخرى مثل: Face.com وFaciometrics وMasquerade إلى ربط وجهك مع إسمك ومن خلال هذه التقنية يقوم فيسبوك بإعلامك يبمن يقوم برفع صورة تخصك على حسابه، ويستطيع Facebook القيام بذلك بالنظر إلى أنه لديه أكبر معرض للصور فى العالم تمكنه من مطابقة جميع الصور الموجودة فيه وكذلك تحديد ما إذا كان هناك وجهان مصوران لنفس الشخص بدقة تبلغ 97,25 %، وقد قام بإعداد هذه التقنية ثلاثة باحثين داخليين من مستخدمى الفيسبوك، وأستاذ من جامعة تل أبيب، فعلى سبيل المثال، تسمح هذه التقنية بإمكانية التعرف بشكل أساسى على صورة الفنان سيلفستر ستالون – الكلام لـ"السعيد".
تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتقنية الـ Deep Fake أو التزييف المستتر للصورة الشخصية:
وتعريف مصطلح الذكاء الإصطناعى تعرض له العديد من الفقهاء وبعض الجهات أو المنظمات، ومن الناحية الفقهية نذكر التعريف الذى أورده أول من تعرض لتقنيات الذكاء الإصطناعى وهو من أطلق على هذه التقنيات هذا المسمى، وهو الفقيه "جون مكارثى"، الذى عرفه بأنه: "وسيلة لصنع جهاز كمبيوتر أو صنع روبوت يكون التحكم فيه بواسطة جهاز الكمبيوتر، أو برنامج يفكر بذكاء بنفس طريقة تفكير البشر الأذكياء، ويتم تحقيق الذكاء الإصطناعى من خلال دراسة كيف يفكر الدماغ البشرى وكيف يتعلم البشر ويقررون ويعملون أثناء محاولة حل مشكلة ما، ثم إستخدام نتائج هذه الدراسة كأساس لتطوير برامج وأنظمة ذكية" – هكذا يقول أستاذ القانون العام.
من الإشكاليات الهامة التي ترتبط بتطبيق أحكـام حـق المؤلف على تطبيقات الذكاء الاصطناعي هي تقنية Deep Fakes أو التزييف المستتر. ويمكن توضيح هذه التقنية بصورة مبسطة بأنها صورة من صور استخدام تكنولوجيـا الـذكاء الاصطناعي في خلق محتوى "مزيف" وغير حقيقي بالاعتماد على محتوى آخـر حقيقي ومملوك لشخص آخر. وتعمل هذه التطبيقات بتكنولوجيا Machine Learning على مرحلتين لخلق المحتوى المزيف.
مرحلتين لخلق المحتوى المزيف
فالمرحلة الأولى يتم فيها تثبيت صورة "وجه" شخص على مقطع مصور لشخص آخـر، ثـم فالمرحلة الثانيـة يـتم تتبع هذا التزييـف لأجـل خـلـق المحتوى الجديد المزيف بحيث يكون من الصعب اكتشاف هذا التزييف حتى باستعمال نفس النموذج من تكنولوجيا (Machine Learning)، ولا يقتصر التزييف المستتر أو Deep Fake على صناعة مقطع مصور مزيف بتغيير الوجوه فقط بل يمكنـه كذلك تزييف الأصوات أو خلق محتوى سمعي مزيف بإضافة صوت معين إلى تسجيل صوتي حقیقی.
ووفقاً لـهـذا الـتـصور – يضيف "السعيد" - فـإن deep fake أو التزييـف المـستتر يثيـر بعـض الإشكاليات القانونية الخاصة بحمايـة حـق المؤلف، هذا بالإضافة إلـى مـا يثيـره مـن جوانب جنائية – في بعض الحالات - تخرج عن إطار هذا البحث، من هذه الإشكاليات؛ هل يجب الاعتراف قانوناً بأعمال التقليد والتزييف المعتمدة على Deep fakes؟ وفي حالة الاعتراف القانوني بهذه الأعمال باعتبارها من قبيل الأعمال الإبداعية، فلمن يثبت حق المؤلف عن هذه الأعمال؟ هل يثبت للشخص صاحب المحتوى الحقيقي الذي تم تزييفه، أم للشخص نفسه الذي استخدمت صورته/صوته في عملية التزييف، أم لتطبيق الذكاء الاصطناعي الذي قام بعملية التزييف؟ هل هناك ما يستدعي وجـود نظام قانوني موازي لتعويض الأشخاص الذين يتم تزييف أعمالهم، أو تعويض الأشخاص الذين تم استخدام صورهم أو صوتهم في عملية التزييف؟
الاعتراف القانوني بالتزييف المستتر أوDeep fake للصورة الشخصية:
في بداية الأمر، وفيما يتعلق بالاعتراف القانوني بالتزييف المستتر أوDeep fake، ومدى اعتباره عملاً ابداعياً يستدعي حمايته بمقتضى أحكام حق المؤلف، فإنه يجب الإشارة إلى أن الغرض من استخدام هذه التكنولوجيـا هـو خـلـق مـحـتـوى جديـد والتعبير عنه ونشره للجمهور، وهو من حيث المبدأ يستوجب الاستفادة من حماية حق المؤلف، إلا أنه بسبب كونه يعتمد بالأساس على فكرة التزييف واستخدام محتوى أصلي قد يكون محميا، فهنا يمكن أن تظهر حالة من حالات التعدي على هذا المحتوى المحمي إذا كان ذلك دون الحصول على إذن أو ترخيص من صاحب المحتوى الأصلي المحمي.
ولكن في بعض الحالات قد يكون استخدام هذا المحتوى الأصلي المحمي يندرج تحت فئة من الاستثناءات التي نص عليها المشرع لأنها تعتبـر مـن قبيل الاستخدام العادل، وبالتالي لا تشكل مخالفة أو تعدي على حق المؤلف - بناء على ذلك - يمكننـا القـول بـأن الاعتراف القانوني بالأعمـال الناتجة عن التزييف المستتر أو Deep fake هو أمر ضروري ويجب تنظيمـه قانوناً على نحـو حمى أصحاب الحقوق المحمية، ويجب أن يكون هناك آلية لتتبع هذه الأعمال حتى يستطيع أصحاب الحقوق اتخاذ الإجراءات اللازمة في مواجهة حالات التعدي.
وفيما يتعلق بتطبيق أحكام حق المؤلف، يجب توضيح أن أحكـام حـق المؤلف تنطبق على بعض حالات تزييـف المحتـوى Deep Fake ولكنها قد لا تنطبق على بعضها الآخر، وذلك بسبب أن بعض هذه الاستخدامات قد تدخل في نطاق الاستخدام العادل أو المباح من الأعمال المحميـة، أو بسبب أن الصور الشخصية، في بعض الحالات – ليست محلا للحماية بمقتضى أحكام حماية حق المؤلف.
موقف المشرع المصرى من تقنية التزييف العميق :
جرم المشرع المصرى فعل التزييف العميق فى قانون جرائم تقنية المعلومات حيث جاء فى الفصل الثالث منه بعنوان الجرائم المتعلقة بالإعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتى غبر المشروع حيث نص فى الفقرة الأخيرة من المادة (25) من القانون رقم 175 لسنة 2018 بشأن مكافحة جرائم تقنية المعلومات إليه على أن: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من إعتدى على المبادئ أو القيم الأسرية فى المجتمع المصرى أو إنتهك حرمة الحياة الخاصة، أو أرسل بكثافة العديد من الرسائل الإلكترونية لشخص معين دون موافقته، أو منح بيانات شخصية إلى نظام أو موقع إلكترونى لتوريد السلع أو الخدمات دون موافقته، أو نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية أو بإحدى وسائل تقنية المعلومات معلومات أو أخبارًا أو صورًا وما فى حكمها، تنتهك خصوصية أى شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة " .
كذلك كانت المادة 26 من ذات القانون أكثر دقة فى توصيف بعض صور التزييف العميق حيث نصت على أنه: "كل من تعمد إستعمال برنامج معلوماتى أو تقنية معلوماتية فى معالجة معطيات شخصية للغير لربطها بمحتوى مناف للآداب العامة ،أولإظهارها بطريقة من شأنها المساس بإعتباره أوشرفه ".
نص المادة 178 من القانون رقم 82 لسنة 2002
كما تنص المادة 178 من القانون رقم 82 لسنة 2002 على أنه: "لا يحق لمن قام بعمل صورة لآخر أن ينشر أو يعرض أو يوزع أصلها أو نسخاً منها دون إذنه أو إذن من في الصورة جميعاً مـا لـم يتفق على خلافه. ومع ذلك يجوز نشر الصورة بمناسبة حوادث وقعت علناً أو إذا كانت الصورة تتعلق بأشخاص ذوي صفة رسمية أو عامة أو يتمتعون بشهرة محلية أو عالمية أو سمحت بهذا النشر السلطات العامة المختصة خدمة للصالح العام، ويشترط ألا يترتب على عرض الصورة أو تداولها في هذه الحالة مساس بشرف الشخص أو سمعته أو اعتباره. ويجوز للشخص الذي تمثله الصورة أن يأذن بنشرها في الصحف وغيرها من وسائل النشر حتى ولـو لم يسمح بذلك المصور ما لم يتفق على غير ذلك، وتسري هذه الأحكام على الصور أيا كانت الطريق التي عملت بـهـا مـن رسـم أو حفر أو أية وسيلة أخرى".
ولكن مع ذلك فإن المحتوى الحقيقي "المقطع المصور الأصلي أو التسجيل الصوتي" والذي يتم استخدامه في التزييف قد يكون محمياً بحق المؤلف، وبالتالي، ووفقاً لطبيعة عمل Deep fake فإن صاحب حق المؤلف على العمل الأصلي يظل محتفظاً بحقه في المقطع المصور أو التسجيل الصوتي الذي تم تزييفه، على العكس من صاحب الصورة أو صاحب الصوت الذي تم استخدامه في التزييف، فليس له أن يتمسك بحق المؤلف على المحتوى الجديد المزيـف، وإن كـان لـه أن يطـالـب جنائياً باتخاذ الإجراءات التي تحميـه مـن اسـتعمال صورته أو صوته في هذا التزييف.
حق المؤلف في الرجوع على المزيف
إذا، ووفقاً لما تقدم، فلصاحب المحتوى الأصلى وحده سواء كان مقطعاً مصوراً أو تسجيلا صوتياً الحق في المطالبة بحق المؤلف والادعاء بالتعدى عليه ومخالفته بسبب تزييف المحتوى عن طريق Deep fake، ولا يحق للشخص صاحب الصورة أو الصوت الذي تم استخدامه في هذا التزييف المطالبة بحق المؤلف، لأنـه -كما سبق القول – لا يثبت حق المؤلف لصاحب الصورة أو الصوت، ولكن هذا لا ينفي حقه في الادعاء جنائيا في جريمة التزييف إذا توافرت شروطها، وهذا بالطبع لا يمنع من إعمال الاستثناءات التي نص عليها المشرع والمرتبطة بالاستخدام العادل للمصنف المحمي، والأمر متروك لسلطة القاضي التقديرية في تحديد طبيعة الاستخدام وما إذا كان يمثل تعدياً على المصنف المحمي أم لا.
ونرى أنه في جميع الحالات، يجب أن يكون هناك نص تشريعي للتعامل مع هذه الحالة من حالات استخدام التكنولوجيا وتطبيقات الذكاء الاصطناعي والتي قد يترتب عليها تعدياً على الحقوق المحمية لكل من أصحاب المحتوى الأصلي، وكذلك أصحاب الصور التي يتم استخدامها في عملية التزييف دون وجه حق، هذا النص التشريعي يجب أن يتعامـل مـع عملية التزييـف مـن جـانـب التعدي على حق المؤلف لصاحب المصنف المحمـي، ومـن جـانـب عمليـة التزييـف ذاتهـا وتبعاتهـا الجنائيـة، وكـذلك مـن جـانـب التعويض عن الأضرار التي قد تصيب صاحب الصورة أو الصوت الذي تم استخدامه في التزييف أو قد تصيب صاحب المحتوى الأصلي المحمي أو قد تصيب أي شخص من الغير.
الذكاء الإصطناعى كحل لإشكالية "التزييف العميق"
الذكاء الإصطناعى كحل لإشكالية "التزييف العميق" ومبادرة دولة الإمارات العربية المتحدة فى هذا الشأن: البين أن المشرع المصرى لم يتناول بقدر من الاهتمام - ولو يسير- بشأن تقنية التزييف العميق الـ "Deepfake" فى ظل تحديات الفضاء المعلوماتى وما تتيحه هذه التقنية من التعدى على حق الفرد فى صورته الشخصية عبر الإنترنت من خلال عملية التزييف للصور ونقلها داخل فيديوهات وتطبيقها على وجه أشخاص آخرين تنشئ من خلالها مقاطع صوت وفيديو غير حقيقية - ولا أساس لها من الصحة - رغم أنها تبدو واقعية ومقنعة جدًا، ما يجعل من السهل استخدامها فى التنمر الإلكترونى ونشرها عبر الشبكة العنكبوتية.
وحسن صنعًا ما انتهجته دولة الإمارات العربية المتحدة فى هذا الشأن حيث أطلقت البرنامج الوطنى للذكاء الإصطناعى "دليل التزييف العميق"، ضمن مبادرات مجلس جودة الحياة الرقمية، ويسهم دليل "التزييف العميق"، فى ترسيخ مفهوم جودة الحياة الشاملة فى دولة الإمارات، وتمكين الأفراد من تبنى علاقة صحية مع الوسائل التكنولوجية، وتعريفهم بأهمية الإستخدام الصحيح لهذه الوسائل، لمواجهة تحديات الفضاء الرقمى، وإرشادهم بكيفية التعامل والإستخدام الفاعل لهذه التكنولوجيا، ما ينعكس إيجابًا على حياتهم، ويرفع من فعالية القطاعات التى تعزز جودة حياتهم، من خلال الإستعانة بتقنيات متطورة، تعتمد بيانات الأفراد، لتقديم خدمات متطورة، بإستخدام الواقع الإفتراضى.
ويستعرض الدليل، التنوع الهائل لمختلف المجالات والإستخدامات المفيدة لهذه التقنيات، فى العديد من القطاعات، مثل التطبيقات الطبية، وصناعة محتوى الأفلام والإعلانات والترفيه والمؤثرات البصرية، إضافة إلى خدمة العملاء "المساعد الإفتراضى"، وإذاعة الأخبار "مقدم الأخبار الإفتراضى"، وغيرها الكثير ، وأشار الدليل إلى طرق إكتشاف المحتوى المزيف، من خلال تنفيذ فحص منهجى للكشف عن التزييف العميق، بإستخدام أدوات قائمة على الذكاء الإصطناعى، يتم تحديثها بشكل منتظم.
ضرورة سن تشريع مباشر لجريمة التزييف العميق
ونرى ضرورة إنتهاج المشرع المصرى ذات النهج الذى سار عليه نظيره الإماراتى مع بذل الجهود الوطنية الهادفة إلى تسليط الضوء على مختلف الجوانب المتعلقة بالإستخدامات الإيجابية والسلبية لتكنولوجيا التزييف العميق، وتعزيز الوعى المجتمعى نحو تأثير تلك التقنية فى جودة حياة الأفراد وتعريفهم بسبل الحماية من مختلف التحديات الناجمة عن الاستخدام غير الصحيح لمثل هذه التطبيقات والوسائل التكنولوجية الحديثة لا سيما إبراز أهم التحديات الناجمة عن سوء استخدام تلك التقنية، وخطرها على المجتمعات بشكل عام.
كما نرى أيضًا ضرورة الإستمرار فى البحث عن أدوات لكشف التزييف العميق وتدريب وسطاء الإنترنت على محاربة تلك التقنية بما تحمله من آثار سلبية على الأفراد، الأسر، المؤسسات، والمجتمعات فضلًا عن تطوير تقنيات علم الأدلة الجنائية وبصمات الأصابع وتقنيات التحقق "الرقمية وغير الرقمية" لكشف الفيديوهات والصور المزورة التى وقع التلاعب بها، لما تشكله تلك التقنية من خطر على الأمن الشخصى، إذ يمكن أن تحاكى تقنية التزييف العميق البيانات البيومترية، وتخدع الأنظمة التى تعتمد على التعرف على الوجه أو الصوت.
دار الإفتاء تحرم التزييف
هذا وقد سبق لدار الإفتاء المصرية التصدي لمثل هذه الإشكالية حيث قالت: إنه لا يجوز شرعًا استخدام تقنية "التزييف العميق" لتَلْفِيق مقاطع مَرْئية أو مسموعة للأشخاص باستخدام الذكاء الاصطناعى لإظهارهم يفعلون أو يقولون شيئًا لم يفعلوه ولم يقولوه في الحقيقة؛ لأنَّ في ذلك كَذِبًا وغِشًّا وإخبارًا بخلاف الواقع، وفي الحديث: "مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" (رواه مسلم)، وهو نَصٌّ قاطعٌ صريحٌ في تحريم الغِشِّ بكل صوره وأشكاله.
وأضافت الإفتاء أن الإسلامُ إذ حثَّ على الابتكار والاختراع؛ فقد جَعَله ليس مقصودًا لذاته، بل هو وسيلة لتحقيق غَرَضٍ ما؛ لذا أحاط الإسلامُ الابتكاراتِ العلمية بسياجٍ أخلاقيٍ يقوم على أساس التقويم والإصلاح وعدم إلحاق الضرر بالنفس أو الإضرار بالغير، فمتى كان الشيء الـمُخْتَرع وسيلة لأمرٍ مشروعٍ أخذ حكم المشروعية، ومتى كان وسيلة لأمر منهيٍّ عنه أخذ حكمه أيضًا.
وأوضحت الإفتاء عبر صفحتها على "فيس بوك"، أن اختلاق هذه المقاطع بهذه التقنية فيه قَصْدٌ الإضرار بالغير، وهو أمر منهي عنه في حديث النبي صلى الله وعليه وآله وسلم: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ"، إضافة لما فيها من الترويع والتهديد لحياة الناس، والشريعة الإسلامية جعلت حفظ الحياة من مقاصدها العظيمة وضرورياتها المهمة؛ حتى بالغت في النهي عن ترويع الغير ولو بما صورته المُزْاح والترفيه.