في كثير من الأحيان ما يسمع الواحد منا قصص وحكايات تكون من أغرب مما رأيت في حياتك، خاصة حينما تراه رؤى العين وليست مجرد قصص تحكى ويتوارثها الأجيال دون سند أو دليل، وضمن هذه القصص قصة "الحاجة فوقية"، تلك السيدة الثمانينية التي كانت تعيش حياة الزهد بين الناس، وتتفرغ لعبادة الله بعيدا عن ضجيج الحياة ومشاكلها، ولا يعرف الكبر لها طريق، فكانت التواضع هو عنوان حياتها وسط الأهل والجيران.
مشهد "الحاجة فوقية" أقرب للمشاهد الدرامية ولكنها في الواقع قصة حقيقية، تؤكد لنا مقولة: "الدنيا لسه بخير"، ففي أحد شوارع الدرب الأحمر العتيق كانت تسكن سيدة تعيش بمفردها لعقود طويلة من الزمن تجاوزت العقد الثامن من العمر، 86 سنه، وتسمي "الحاجة فوقية"، وكان ملامح وجهه المميز يدل علي شدة قوتها وصلابتها في رحلة الحياة وكلما زاد الزمن انتقص من عمرها وزادها قوة وصلابه – وسنترك لكم محاميها على الحلوانى، يسرد لنا تفاصيل ما حدث.
الحاجة "فوقية".. "سيدة ثمانينية" حرمها الله من الإنجاب
وفي يوم من الأيام – وفقا لـ"الحلوانى" - شاء القدر أن اقابل هذه السيدة العظيمة وعرفتها عن قرب، ولم أكن اعلم عنها سوي كبر سنها، وأنها وحيدة ولم يرزقها الله بطفل، وقررت من هذه اللحظة أن احاول تعويضها عن مشاعر الأمومة وأن تشعر أنها ليست وحيدة وبالفعل كنت من حين لآخر ازورها وأهتم بشئونها واستطعت عمل بطاقة علاجية لها وبدأت تشعر بالأمان وأنا بجانبها.
وبحسب "الحلوانى": في يوم عرضت عليا باعتباري محامي أن اكتب لها وصية، فتبسمت لها وقولت لها: "أن شقتك ايجار قديم ولا تورث"، وكان حياتها منتهي البساطة والتواضع، فقالت لي: " إنها تملك بعض المال بالبنوك وتريد توزعها علي أقاربها الذين لا يسألون عنها"، لأنها تعلم أنهم بسطاء مثلها وأن مساعدتهم واجب ديني وإنساني، فوافقت علي طلبها وتناقشنا في أمور كثيرة استقرت في نهاية المطاف علي أن توزعها مالها بالعدل بينهم وأن تساوي بين الذكر والأنثى وكانت مترددة في هذا الأمر وكانت لي فلسفتي التي تقول بأن هناك فرق بين الإرث والوصية، لأن الواصي له الحق في توزيعه ميراثه كيفما يشاء طالما حي يرزق لكن الورث له قواعد أخري مختلفة، فاقتنعت برؤيتي وبدأنا في إجراءات الوصية من خلال الشهر العقاري.
وقبل وفاتها قررت كتابة وصية دون علم محاميها لتفاصيلها
وأثناء إبرام الوصية طلبت مني الخروج خارج غرفة مأمورية الشهر العقاري وخرجت وتركتها تكتب ما تشاء وبعدها انصرفنا وعادت لمنزلها وأوصتني بوصيتها التي اقسمت علي تنفذها، ومرت الليالي والايام ويبدو أن المحطات الأخيرة في حياة السيدة فوقية حامد حسن عبدالمجيد قد حانت وأنها قررت أن تأخذ استراحة محارب وتذهب لعالم آخر أكثر سلام وبراح من كل وقت مضي لتستريح من رحلة الحياة ويسكن جسدها الطاهر الأرض الطيبة بهدوء وسلام كما عاشت وحان لوصيتها المغلقة أن تفتح ليعرف ما بداخلها – هكذا يقول "الحلوانى".
وعند وفاتها تم فتح الوصية أمام المحكمة.. والمفاجأة كتابة السيدة أموالها للغلابة
وقد صرحت المحكمة بفتح الوصية وكانت المفاجأة أن هذه السيدة أوصت بتوزيع نصف أموالها علي أهلها بالتساوي بين الذكر والانثى والنصف الآخر يوزع للفقراء والمساكين وأوصتني أنا بتنفيذ تلك الوصية بالكامل لثقتها بأنني من الأقربون لها وانغمرت عيني بالدموع وتذكرت كم كانت عظيمة تلك السيدة في حياتها ومامتها وكانت تملك مئات آلاف من الأموال وكانت تعيش حياة بسيطة لتوفر لغيرها حياة أفضل، لقد فعلت كل ما بوسعها لإسعاد غيرها رحم الله "الحاجة فوقية"، وجعل سيرتها الطيبة تعيش أطول من حياتها – بحسب "الحلوانى".
على الحلوانى - محامى الحاجة فوقية