الشريعة الإسلامية سائر القوانين الوضعية فى شأن صون حرمة القبور، وهى ذاخرة بالأوامر والنواهى فى مسألة دفن الموتى وحرمة قبورهم من الإنتهاك والتدنيس، وأعتنت الشريعة بذلك بإعتبارها شعيرة دينية مقدسة تكريماُ للميت من ناحية، ومن ناحية أخرى حفاظاً على الجثث من أن تنهشها السباع والحيوانات فيتأذى من مشهد ذلك الأحياء أقرباء الميت والإنس على وجه العموم فلا أحد يطيق أن يرى جسد إنسان ميت تمزق أشلائه الحيوانات كما لو ترك بدون دفن – هذا بالإضافة إلى الرائحة الكريهة التى تنبعث عن جثث الموتى بعد مرور بضعة أيام على الوفاة هذه الأسباب وغيرها كانت الداعية إلى أن يوارى الإنسان الموتى التراب.
ولم تكتفِ الشريعة بالأمر بدفن الموتى بل نهت أحكامها عن نقل الجثث أو نبش القبور أو إنتهاكها أوتدنيسها بكافة الصور والأشكال لأنها تمثل فى واقع الحال والحقيقة إهانة للميت ذاته مصداقاً لقول نبى الله نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فيما روته زوجه عائشة رضى الله عنها: " كسر عظام الميت ككسر عظام الأحياء"، وخلال الفترة الأخيرة طفت على السطح العديد من الوقائع المتعلقة بنبش القبور وتصوير الموتى حتى وصل الأمر لقيام أحد الشباب باستخراج جثة امرأة من قبرها واغتصابها، ثم أحرق جثتها، وتمت إحالته للمحاكمة الجنائية، وقضت المحكمة ضده بالسجن المشدد 15 عاما، ناهيك عما حدث في واقعة تصوير "جثة نيرة أشرف" – الشهيرة بفتاة المنصورة، ونشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى، ولا يفوتنا ذكر ما حدث مع جثث المتوفين بداية انتشار أزمة كورونا – حتى وصل الأمر لمنع بعض المواطنين في عدد من المحافظات دفن جثث شهداء كورونا في مقابرهم بدعوى الخوف من العدوى.
مشروعات قوانين لتجريم انتهاك حرمة جثث الموتى
كل هذه الأحداث دعت الى ضرورة سد الفراغ التشريعى في مسألة التشهير بجثث الموتى حيث أن القانون المصرى تصدى لجريمة انتهاك القبور فقط دون الموتى، وهو ما جعل النائب أيمن أبو العلا، عضو مجلس النواب، وآخرين من أعضاء المجلس التقدم بمشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 58 لسنة 1937 بإصدار قانون العقوبات وتعديلاته، والذى أحاله رئيس مجلس النواب المستشار الدكتور حنفي جبالي خلال الجلسة العامة المنعقدة اليوم الثلاثاء إلي لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، ويتضمن مشروع القانون مادة واحدة إلي جانب مادة الإصدار، وتقضي المادة المستحدثة برقم 160مكرر، بأن " يعرف انتهاك حرمة الموتى، بكل فعل من شأنه الإخلال باحترام الموتى على أن يكون ذلك الفعل معبرا عن إرادة الجاني ورغبته في التشهير والإساءة بجثة المتوفى".
العقوبات الواردة بمشروع القانون
ويعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة أو بغرامة لا تقل عن خمسين الف جنيه، ولا تزيد عن مائتى ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، من انتهك عمدا حرمة جثة أو أي جزء منها أو أى روفات آدمية وتكون العقوبة الحبس الذى لايقل عن سنتين ولايزيد عن خمس سنوات، إذا تم ذلك الفعل من خلال أحد وسائل التواصل الاجتماعي، أما "المادة الثانية": تنص علي أن ينشر هذا القانون في الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالي لتاريخ نشره يبصم هذا القانون بخاتم الدولة، وينفذ كقانون من قوانينها".
المذكرة الإيضاحية تضمنت العديد من الأسباب التي نتج عنها التقدم بمشروع القانون، أبرزها انتشار وقائع تصوير الموتى بالتقاط صور وفيديوهات لهم، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، في شكل يتعارض مع حقوق صاحب تلك الجثة وأهليته، يسئ إليه، يأتي ذلك في الوقت الذى يوجد فيه "فراغ تشريعى" في مواجهة مثل تلك الوقائع، حيث لم يتضمن قانون العقوبات المصرى، أي عقوبة لجريمة انتهاك حرمة الموتى، وإنما تتضمن فقط عقوبة لجريمة انتهاك القبور فقط، وذلك في مادته 160 التي نصت في فقرتها الثالثة على: "معاقبة كل من انتهك القبور والجبانات أو دنسها"، الأمر الذى يعنى أن الحماية الجنائية في نص المادة 160 تتعلق بالاعتداء على حرمة الموتى بعد دفنها بالقبور وهى حماية خاصة بمدفنها في المقام الأول، ولا تتعلق بالاعتداء على جثة المتوفى والتشهير بها قبل دفنه.
مشروع قانون أخر الشهير بقانون "مهنى"
هذا وقد سبق للنائب أحمد مهنى، عضو مجلس النواب ونائب رئيس حزب الحرية والأمين العام للحزب، التقدم بشمروع قانون للتصدى لظاهرة انتهاك حرمة الموتى وتصويرهم ونشرها في العلن وعبر وسائل التواصل الاجتماعي، والذى أكد خلاله أن القوانين والتشريعات المصرية تقف عند تجريم الاعتداء على حرمة الإنسان وجسده إذا كان حيًا فقط ولم تتطرق هذه التشريعات إلى حرمة التعرض لجثة المتوفي أو المصاب بحوادث في حالة الاعتداء عليها سواء بالتصوير أو النشر في العلن أو استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشأن إذاعة والترويج لمشاهد جثث الموتي أو المتوفين في حوادث أو حتى من أصيبوا في حوادث على الطرقات أو حوادث سير، فكل هذه الأمور غير مجرمة بشكل واضح وصريح في التشريع المصري سواء قانون العقوبات أو القوانين الأخرى التي تنظم عمليات النشر والإذاعة وترويج لذلك.
كما أن مواد قانون العقوبات تتحدث عن التعدى على حرمة الحياة الخاصة للمواطن، بأن ارتكب أحد الأفعال الآتية في غير الأحوال المصرح بها قانونا أو بغير رضاء المجنى عليه: استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أيا كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التليفون، أو التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أيا كان نوعه صورة شخص في مكان خاص، وذلك كله لا ينطبق على تصوير الجثث أو الموتي حيث أن "الحياة الخاصة للمواطن" تعنى أنه على قيد الحياة، ولا يمكن الحديث عن انتهاك حرمة الحياة الخاصة للمتوفي كونه بلا شخصية قانونية، وكلمة حياة تتعلق بأن الشخص حى، وهذا يعنى أن جريمة انتهاك حرمة الموتى غير مجرمة بموجب القانون.
علة العقاب
ونص التعديل المقترح بأن يعاقب بالحبس وبغرامة لا تقل عن ألف جنية ولا تزيد على خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من التقط أو نقل صوراً أو أفلاما أو فيديوهات للمصابين في الحوادث أو جثة متوفى وتضاعف العقوبة إذا اقترنت هذه الأفعال بالنشر بإحدى طرق العلانية أو بأى وسيلة كانت، والحكم بمصادرة الوسيلة المستخدمة في ارتكاب الجريمة ومنع عرضها، وذلك دون إخلال بالحقوق العينية التي للغير حسن النية، فإذا ارتكبت هذه الأفعال بعلم من ذوي الشأن دون اعتراضهم في حينها فإن رضاء هؤلاء يكون مفترضا، ولا يجوز رفع الدعوى أو اتخاذ إجراءات التحقيق الابتدائي عن الجرائم المنصوص عليها في البند رابعا إلا بناء على شكوى من المجني عليه أو أحد ورثته.
علة العقاب لدى هذين المشروعين أن هذه الجريمة تكمن فى أن تقديس الموتى يعتبر من أعرق الإعتقادات الدينية وأعمقها لتعلقها بالدين، والقانون الوضعى إذ يعاقب على الأفعال التى تزرى بكرامة الموتى وتحط من قدرهم بعد مماتهم وتقلق راحة مضاجعهم، لأنها مما يجرح إحساسات الأحياء الأدبية والدينية والمعنوية لذلك وغيره كان العقاب واجباً لتحقيق الردع العام، كذلك مما يبرر وضع عقوبة لأفعال الإنتهاك والتدنيس للقبور والجبانات أن الإنسان وهو حى يستطيع أن يرد الإعتداء عن نفسه وماله وبعد مماته ليس كذلك، فوجب تدخل المشرع للتصدى لهذه الأفعال التى تنتهك حرمة المقابروالجبانات سيما وأحكام الشريعة الإسلامية فى هذه الجريمة وغيرها معطلة فى مصر بحلول القوانين الوضعية التى منها ما يتفق وأحكامها ومنها ما لايتفق فكانت الحاجة العامة تحتاج لتشريع وضعى يتصدى لكل من تسول له نفسه أن ينال من قبرأو جبانة فيه قد دفن فيه ميت بالفعل أو بنى وجهزوأعد لهذا الغرض.