تحتل أدلة الإثبات أهمية بالغة فى كافة فروع القانون، فبإنعدام الدليل يضيع الحق، لأن الدليل هو الذى يدعم الحق ويجعله سائدا، وتزداد أهمية أدلة الإثبات فى مجال الإثبات، كون الجريمة قد وقعت وما على المحكمة إلا أن تستعين بوسائل تنفى أو تثبت ما حدث، وهذه الوسائل هى أدلة الإثبات، ومن بين أدلة الإثبات نجد شهادة الشهود، فهى دليل جنائى معمول به فى جميع التشريعات ووسيلة لا غنى عنها فى المواد الجزائية، إذ تعتبر عماد الإثبات والدليل الأول فى المواد الجزائية، لأنها تنصب على وقائع مادية لا تثبت فى مستندات.
ونظرا لأهمية الشهادة وخطورتها فى المواد الجزائية والرغبة فى اكتشاف الحقيقة وإثباتها وللإحتياط ضد تعمد الشهود الكذب فى الشهادة، كان لابد من تجريم شهادة الزور منذ القدم بظهور الشهادة نفسها كدليل من أدلة الإثبات، وعليه تكون الشهادة خير معين للمحكمة فى تكوين قناعتها وبناء حكمها، إلا أنها فى مقابل ذلك قد تشكل صعوبات كون الشاهد قد يلى بأقوال كاذبة ومخالفة للحقيقة بسبب عوامل مختلفة كالمصلحة أو الخوف أو الانتقام أو غيرها.
الشهادة الزور.. "جنحة" قد تقودك لـ"حبل المشنقة"
فى التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية فى غاية الأهمية تتعلق بمدى خطورة الشهادة الزور ورأى محكمة النقض فى الشهادة الزور، ومفهوم الشهادة الزور شرعا وقانونا، ومتى تصل "جنحة" الشهادة الزور للإعدام؟ ومتى تتحقق الشهادة الزور؟ وما هى أركانها؟ خاصة وأن الأخطاء القضائية المترتبة على الأخذ بشهادة زور قد تدفع بإنسان برئ إلى السجن، وتؤدى إلى إفلات مجرم يستحق أشد العقاب، هذا فضلا عن الضرر الذى يصيب العدالة، حيث أن شهادة الزور تؤثر على سير العدالة تأثيرا سلبيا، لذلك يجب على القاضى فحص وتحليل الشهادة قبل الأخذ بها، مستعينا بأصول علم النفس القضائى حتى يستطيع كسف الشهادة الكاذبة والحصول على شهادة تمثل الحقيقة والواقع – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض حسام حسن الجعفرى.
أولا: ماهو مفهوم الشهادة الزور شرعا؟
فى البداية – هناك فئة قليلة من الناس ومن الشهود زيفوا الحقيقة وباعوا ضمائرهم وتسببوا فى حرمان أشخاص آخرين من حرياتهم وشرفهم، وحتى حياتهم فى بعض الأحيان ومع ذلك نجوا من العقاب، والشهادة الزور نوعٌ من أنواع الكذب المُتعمّد، وهى من أشدّ أنواع الكذب قُبحًا وأكثرها ظلمًا، وهى أن يقول الإنسان مالم يشاهده بعينه بعد تجميله وتحسينه ليظهر كأنّه قول صادق، فيضيف إليه شاهد الزور أشياءً أو ينقص منه أشياء، وذلك لغاياتٍ كثيرةٍ كتحليل الحرام، أو أخذ مالٍ بغير حقّ، أو تحريم الحلال، وقد ورد ذكر تحريم شهادة الزور فى كثيرٍ من الآيات القرآنيّة، قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}، وقد عُدّت من الكبائر؛ وذلك لما ورد عن النبيّ: "سُئِلَ عَنِ الكَبَائِرِ فَقالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، وقَتْلُ النَّفْسِ، وعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، فَقالَ: ألَا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبَائِرِ؟ قالَ: قَوْلُ الزُّورِ، أوْ قالَ: شَهَادَةُ الزُّورِ" – وفقا لـ"الجعفرى".
ثانيا: ما هو مفهوم الشهاده الزور قانونا؟
فى حالة إذا شهد الشاهد بعد حلف اليمين، بأقوال ما تغاير الحقيقة بإنكار الحق، أو تأييد الباطل، وكان ذلك منه بقصد تضليل القضاء، فإن ما يقرره من ذلك هو شهادة زور معاقب عليها قانونا، وحدد الباب السادس من قانون العقوبات عددا من المواد التى تعاقب على شهادة الزور واليمين الكاذبة، وذلك بدءا من المواد 294 وحتى المادة 301، وتصل هذه العقوبة للإعدام حال إذا ترتب على الشهادة الزور الحكم على متهم بالإعدام وتم تنفيذ هذه العقوبة، حيث نصت المادة 294 عقوبات: "كل من شهد زورا لمتهم فى جناية أو عليه يعاقب بالحبس" – الكلام لـ"الجعفرى".
متى تصل "جنحة" الشهادة الزور للإعدام؟
ونصت المادة 295: "ومع ذلك إذا ترتب على هذه الشهادة الحكم على المتهم يعاقب من شهد عليه زوراً بالسجن المشدد أو السجن أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها على المتهم هى الإعدام ونفذت عليه يحكم بالإعدام أيضاً على من شهد عليه زوراً"، وأشارت المادة 296: "كل من شهد زوراً على متهم بجنحة أو مخالفة أو شهد له زوراً يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين".
قاعدة جريمة الشهادة الزور ومتى تعتبر الشهادة زور معاقبا عليها؟
من المقرر أن شهادة الزور يتطلب القانون للعقاب عليها أن يقرر الشاهد أمام المحكمة، بعد حلف اليمين أقوالاً يعلم أنها تخالف الحقيقة بقصد تضليل القضاء، وفى حالة إذا شهد الشاهد بعد حلف اليمين، بأقوال ما تغاير الحقيقة بإنكار الحق، أو تأييد الباطل، وكان ذلك منه بقصد تضليل القضاء، فإن ما يقرره من ذلك هو شهادة زور معاقب عليها قانونا.
متى تتحقق جريمة الشهادة الزور وما هى أركانها؟
وتتحقق الجريمة إذا أصر الشاهد على أقواله الكاذبة حتى انتهاء المرافعة فى الدعوى الأصلية، وإذا عدل الشاهد عن أقواله الكاذبة قبل انتهاء المرافعة فى الدعوى اعتبرت هذه الأقوال كأن لم تكن، أما أركان جريمة شهادة الزور فإن اطمأنت المحكمة إلى مغايرة أقوال الشاهد الحق، وتأييد الباطل بعد حلفه اليمين، بقصد تضليل القضاء مع التصميم عليها حتى نهاية الجلسة، حيث إن القانون ينص على أنه كل من شهد زورا لمتهم فى جناية أو جنحة يعاقب بالحبس، ومع ذلك إذا ترتب على هذه الشهادة الحكم على المتهم يعاقب من شهد عليه زوراً بالسجن المشدد أو السجن أما إذا كانت العقوبة المحكوم بها على المتهم هى الإعدام ونفذت عليه يحكم بالإعدام أيضاً على من شهد عليه زوراً، ولا تتغير وصف التهمة من جنحة إلا أنه تصل لعقوبة الإعدام – هكذا يقول "الجعفرى".
ما هى عقوبة الشهادة الزور أمام محكمة مدنية ؟
نصت المادة 297: "كل من شهد زوراً فى دعوى مدنية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين".
هل تختلف العقوبة إذا قبل من شهد زوراً فى دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعداً بشيء ما؟
نصت المادة 298: "إذا قبل من شهد زوراً فى دعوى جنائية أو مدنية عطية أو وعداً بشيء ما يحكم عليه هو والمعطى أو من وعد بالعقوبات المقررة للرشوة أو للشهادة الزور إن كانت هذه أشد من عقوبات الرشوة، فإذا كان الشاهد طبيباً أو جراحاً أو قابلة وطلب لنفسه أو لغيره أو قبل أو أخذ وعداً أوعطية لأداء الشهادة زوراً بشأن حمل أو مرض أو عاهة أو وفاة أو وقعت منه الشهادة بذلك نتيجة لرجاء أو توصية أو وساطة يعاقب بالعقوبات المقررة فى باب الرشوة أو فى باب شهادة الزور أيهما أشد، ويعاقب الراشى والوسيط بالعقوبة المقررة للمرتشى أيضاً".
ما هى عقوبة الشهادة الزور لشخص مكلف من سلطة قضائية بعمل الخبرة أو الترجمة فى دعوى مدنية أو تجارية أو جنائية فغير الحقيقة عمدا؟
نصت المادة 299: "يعاقب بالعقوبات المقررة لشهادة الزور كل شخص كلف من سلطة قضائية بعمل الخبرة أو الترجمة فى دعوى مدنيةا أو تجارية أو جنائية فغير الحقيقة عمدا بأى طريقة كانت أو أكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً"، ونصت المادة 300: "من أكره شاهداً على عدم أداء الشهادة أو على الشهادة زوراً يعاقب بمثل عقوبة شاهد الزور مع مراعاة الأحوال المقررة فى المواد السابقة".
شرط ثبوت جريمة الشهادة الزور
المشرع اشترط لثبوت الجريمة أن تكون الشهادة أمام محكمة مدنية أو جنائية بعد حلف اليمين أما الكذب فى محاضر الشرطة والتحقيقات التى تجريها النيابة العامة، والكذب بمكاتب التوثيق لا يعتد بها كشهادة زور وتم تأسيس الحكم على ذلك بأن الشهادة التى أدلى بها الشاهد لم تكن تمام القضاء ولكن أدلى بها بتحقيقات النيابة.
محكمة النقض الشهاده الزور
هذا وقد سبق لمحكمة النقض وعدد من الأحكام القضائية التصدى لإشكالية الشهادة الزور حيث ذكرت محكمة النقض فى حيثيات الطعن المقيد برقم 30134 لسنة 59 القضائية أن الإدلاء بأقوال مغايرة للحقيقة فى محاضر جمع الإستدلالات والتحقيق لا يتحقق بها جريمة التزوير، وأن الشهادة الزور مشروطة بأن تكون أمام المحكمة بقصد تضليل العدالة، وبالتالى أى شهادة مغايرة للحقيقة فى محاضر التحقيق وجمع الاستدلالات ليست بشهادة زور.
وهو أيضا ما أشار إليه الحكم الصادر من محكمة جنح مستأنف مركز أبوصوير والمقضى به بالبراءة فى جنحة شهادة زور حيث أشترط المشرع الثبوت الجريمة أن تكون الشهادة أمام محكمة مدنية أو جنائية بعد حلف اليمين، أما الكذب فى محاضر الشرطة والتحقيقات التى تجريها النيابة العامة والكذب بمكاتب التوثيق لا يعتد بها كشهادة زور وتم تأسيس الحكم على ذلك بأن الشهادة التى أدلى بها الشاهد لم تكن تمام القضاء ولكن أدلى بها بتحقيقات النيابة.