"القرقرة لزوم القعدة".. هي الجملة المستحبة بين الشباب في الخروجات والسهرات تعبيرا عن ضرورة أن يكون مقترح الخروجة أو الفسحة في مكان فيه "الشيشة" التي أصبحت حديث الساعة خلال الساعات الماضية بعد خروج قانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 للنور يوم الأحد الماضى، لتطبيقه رسميا بعد تأخر دام 3 سنوات من إصداره، ذلك المزاج الذى أصبح له شروط وضوابط للتدخين رغم أضراره الطبية والنفسية الخطيرة من شربها
وفى الحقيقة لا يمكن لجلسات المقاهي والسهرات أن تكتمل، لدى الكثيرين، دون صوت القرقعة المُمَيز الصادر عن النراجيل "الشيشة" حيث يعرف المكان الذى يقدمه بأنه "لا يعرف السكون"، والتي يزداد انتشارها اليوم حول العالم، وإن بقيت أكثر ارتباطاً بمناطق الشرق الأوسط والهند، والتي كانت مَهد نشأتها وتطورها إلى الشكل الذي هي عليه اليوم، وأصبح لـ"الشيشة" اشتراطات خاصة يجب توافرها فى المحال التى تقدم النرجيلة "الشيشة"، وبذلك تحولت من المجانية للترخيص أي شربها بأموال.
"الشيشة" من "المجانية" لـ"الترخيص بـ 10 ألاف جنيه"
ووفقا لقانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 : "لا يجوز للمحال العامة المعدة لبيع أو تقديم المأكولات أو المشروبات، أو لإقامة أو استقبال الجمهور تقديم النارجيلة (الشيشة)، وغيرها من أدوات التدخين، إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المركز المختص، وفقًا للاشتراطات الخاصة والضوابط التى تحددها اللجنة، على أن يتم سداد رسم بما لا يجاوز عشرة آلاف جنيه وتحدد فئاته بقرار من اللجنة"، وبالتالى وفقًا لقانون المحال العامة الجديد فإن أى كافيه أو مقهى سيقدم الشيشة للجمهور بدون ترخيص سيتعرض لفرض غرامات عليه.
وأما عن تاريخ تلك العادة السيئة، فيُعتبر التبغ من أكثر المواد إدماناً حول العالم، ولا يقتصر تدخينه على طريقة واحدة بعينها، فهناك من يدخّنه في لفائف السجائر، أو السيجار، أو بواسطة الغليون، أو بواسطة "الأرجيلة"، وإذا كان السُّكان الأصليون في القارّة الأمريكية هم أول من دخّن التبغ، فإنّ مناطق الشرق الأوسط والهند يعود لها الفضل الأكبر في تطوير أساليب تدخينه، وإليها بالتحديد يعود تطوير الشيشة، فقد دخل نبات التبغ الي مصر لأول مرة سنة 1601 وكانت أوراق النبات تستعمل عن طريقه المضغ، فلم تكن السجائر اخترعت من قبل .
عقوبة "التدخين" وصلت للإعدام في عهد العثمانيين
وقد ذكر الجبرتي عن التدخين فقال: "أن الوالي العثماني أصدر أوامر بمنـع شـرب الـدخان فـي الشوارع و على الدكاكين و أبواب البيوت و شدد في النكـال بمـن يفعل ذلك، ووصل الأمر لحد الاعدام فلقد اعتبرها الناس عادة بذيئة قبيحة"، وفي سنة 1799 وأثناء الحملة الفرنسية علي مصر بدء سكان الفيوم زراعة التبغ بدلا من استيراده بعد انتشاره بشكل واسع بين المصريين، وجاءت سنة 1810 ليحتكر محمد علي باشا زراعة التبغ في مصر، وفي سنة 1840 كان الفرنسيون أول من اخترع السجائر، وذلك حين قاموا بلف التبغ داخل ورق رقيق ثم انتشرت عادة شرب السجائر في أوربا وانتقلت منها الي القاهرة.
وفي سنة 1880 أدى التحسن فى نوعية ورق السجائر و الميكنة إلى انخفاض سعرها و انتشار ماركات كثيرة منها في الأسواق، والجدير بالذكر أن العالم عرف التدخين لأول مرة منذ 500 عام تقريبا بعد اكتشاف الرحالة "كريستوفر كولومبس" لأمريكا فقد كــان الهنـود الحمر يتعاطونه فــي المناسبات الهامة، ويروى عن أحد زعماء الهنود الحمر قوله: "لقـد أبادنا الرجل الأبيض بسلاحه و انتقمنا منه بسلاحنا"، يقصد بنقل عـادة التدخين الفتاكة إلى الرجل الأبيض الأوروبي، وأما عن أصل التسمية فيقال أن سفير فرنسا في البرتغال "جان نيكوت"، أرسل هذا النبات إلـى ملكة فرنسا لعلاجها من صداع كانت تشكو منه، وأصبحت المادة السامة في هذا النبات تسمى "نيكوتين" نسبة إليه.
أما عن الشيشة أو النرجيلة
أما عن الشيشة أو النرجيلة، فهي أداة تدخين تعتمد على تمرير دخان التبغ المشتعل بالفحم بالماء وكانت قاعدتها في الأصل من جوز الهند، ثم اتخذت من الزجاج أيضا وقد جاءت إلينا من تركيا، وأما تسميتها "الشيشة"، فلأنها صارت من زجاج والزجاج في الايرانية أيضا معناه "الشيشة" كما تقول بعض المصادر، ومن اسمائها الشائعة: "الجوزة"في مصر و"الجراك" في المملكة العربية السعودية، والتبغ المستخدم في الشيشة يعرف "بالمعسل"، وله نكهات مختلفة بطعم الفواكه مثل التفاح والكنتالوب و الأناناس والفراولة .
وبحسب العديد من المراجع فإن بداية الشيشة أو النرجيلة كانت هندية ودخولها إلى مصر كان دخولاً ملكياً حيث أهدى السلطان العثماني أول شيشة إلى والي مصر محمد علي قبل أن تنتقل من قصره إلى بيوت أمراء المماليك ثم كبار وأعيان مصر وحتى الأحياء الشعبية ومنها "حي الخرنفش" في قاهرة المعز حيث يتواجد الآن غالبية صناعها.
جمال الغيطانى متحدثا عن الشيشة
وفي كتابه "ملامح القاهرة فى ألف عام" أكد الأديب الراحل جمال الغيطانى، بأنها "النرجيلة" كلمة مشتقة من لفظة "النارجيل" الاسم الذي يطلق على ثمرة جوز الهند، يمكن القول أن ترجمته الحرفية تعني "الجوزة" وهو الاسم الذي تعرف به النرجيلة الشعبية في مصر، لأنها كانت مكونة فعلًا من ثمرة جوز هند مفرغة، وتثقب مرتين، ثقب يوضع فوقه الحجر، وثقب تنفذ من خلاله أنبوبة خشبية يتم من خلالها استنشاق الدخان الذي يمر خلال الماء الموضوع في الجوزة نفسها.
وذكر الكاتب مصطفى عبيد في كتابه "هوامش التاريخ"، فإنه طبقا لما جاء في كتاب "وصف مصر" فأن علماء الحملة الفرنسية وجدوا المصريين وهم يدخنون الشيشة أمام منازلهم، لكن ذلك كان مقصورا على أحياء بعينها داخل القاهرة، وفيما بعد صارت النرجيلة حاضرة في كل منزل من منازل كبار القوم، اقتداء بالوالى محمد الذى كان التدخين عادة يومية له، بخاصة أنه كان في الأصل تاجر دخان.
بداية الشيشة حول العالم
ويذكر البعض أن بداية تدخين المعسل بدأت منذ قرون بدأت: "عندما انكسرت زلع عسل أسود كانت مشحونة على مركب وكان بجوار العسل شحنة من أوراق التبغ، حيث اختلط العسل بالتبغ وراح صاحب الشحنة يبكي على خسارته ثم حاول أن يجد حلا ينقذ به بعضا من الشحنة، فكان أن حاول تدخين التبغ المختلط بالعسل فلم ينجح في اشعاله فقام بتجريب تدخينه عن طريق وضعه في حجر فخاري يوضع فوقه فحما مشتعلا"، فكانت تلك بداية تدخين المعسل في الشيشة أو النرجيلة وقريبتهما الجوزة، وسميت هكذا لأنها كانت تصنع من ثمرة جوزة الهند بعد تفريغها.
هل تدخين الشيشة أقل ضررا من تدخين السجاير؟
ويعتقد بعض الناس أن تدخين الشيشة أقل ضررا من تدخين السجائر، ولكن أظهرت الابحاث الحديثة عن علاقة تدخين الشيشة بالصحة أظهرت أن تدخين الشيشة في أحسن الأحوال لا يقل ضررا عن تدخين السجائر، كما أظهرت الدراسة أن تدخين ساعة من كاملة من الشيشة يطلق في الجو المحيط من المواد المسرطنة والسامة ما تطلقه 10-20 سيجارة.
أي أن تأثير التدخين السلبي الناتج عن تدخين الشيشة قد يفوق في خطره تدخين السجائر، و دعا الباحثون إلى منع تدخين الشيشة في الأماكن العامة أسوة بالسجائر، كما أظهر بحث نشر في مجلة الصدر (المجلة الرسمية لكلية الصدر الأمريكية) على عينة من المتطوعين الرجال والنساء أن تدخين الشيشة نتج عنه زيادة مباشرة في ضغط الدم وسرعة التنفس، وقد أظهر بحث آخر أن النساء أكثر عرضة لآثار التدخين الضارة مقارنة بالرجال.
8 شروط لشرب الشيشة
من ناحيته - يقول الخبير القانونى والمحامى محمد عبد الرحمن الشريف، أن شرب "الشيشة" أصبح مرتبطا بقانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 الذى تم تطبيقه الأحد الماضى، وأصبح من شروط التصريح بها بعدما كانت لا يوجد شروط لشربها أو تصاريح من المجهات المختصة، فأصبح من ضمن تصاريحها مقابل مبلغ 10 ألاف جنيه، وفيما يلى شروط الحصول على رخصة تقديم الشيشة فى المطاعم والكافيهات والمقاهى:
1- أن يكون لديه ترخيص سارى لنشاط مطعم أو مقهى أو كافيه أو كافتيريا.
2- أن يكون المحل بعيدًا عن دور العبادة والمدارس وغيرها من المؤسسات التعليمية والتدريبية ومحطات الوقود بمسافة لا تقل عن 1000 متر.
3- ألا تزيد المساحة المسموح فيها بالتدخين في محال تقديم المشروبات والمطاعم على 50% من إجمالي مساحة المحل.
4- عدم تغطية أرضية المحل بمواد قابلة للاشتعال أو بمواد يصعب تنظيفها.
5- أن تكون الأبواب آلية الإغلاق وأن تبقى مغلقة في جميع الأوقات باستثناء أوقات الدخول والخروج.
6- توفير التهوية الكافية لتدوير الهواء بالمحل واستخدام وسائل لطرد الهواء الملوث للخارج مباشرة، وتزويد أماكن تقديم الشيشة بنظام وأجهزة تنقية الهواء وعدم تدويره في منظومة التهوية والتكييف والإبقاء على نظام التهوية في وضع التشغيل طوال ساعات العمل والسماح بتقديم الشيشة في الأماكن المفتوحة.
7- وضع الفحم المستهلك بالموقع في حاويات خاصة من مواد معدنية أو خزفية للوقاية من خطر الحريق وتوضع بعيدًا عن أي مواد قابلة للاشتعال مع وضع لافتة تحذيرية عليها باحتوائها على فحم حار ويتم التخلص من الفحم الذى تم تجميعه في الأماكن المخصصة لذلك.
8- تخصيص مكان مستقل لتخزين الفحم معزول عن بقية الأقسام وتكون الأرفف والخزانات من مواد ثابتة مقاومة للحريق أو معادن غير قابلة للصدأ وفى حالة تخزين كميات كبيرة من الفحم يجب توفير مخزن مستقل.
وبحسب "الشريف" فى تصريح لـ"برلمانى": ووفقا لقانون المحال العامة رقم 154 لسنة 2019 : "لا يجوز للمحال العامة المعدة لبيع أو تقديم المأكولات أو المشروبات، أو لإقامة أو استقبال الجمهور تقديم النارجيلة (الشيشة)، وغيرها من أدوات التدخين، إلا بعد الحصول على ترخيص بذلك من المركز المختص، وفقًا للاشتراطات الخاصة والضوابط التى تحددها اللجنة، على أن يتم سداد رسم بما لا يجاوز عشرة آلاف جنيه وتحدد فئاته بقرار من اللجنة"، وبالتالى وفقًا لقانون المحال العامة الجديد فإن أى كافيه أو مقهى سيقدم الشيشة للجمهور بدون ترخيص سيتعرض لفرض غرامات عليه.
وفى هذا الشأن – يقول الحاج مصطفى حنفى طنطاوى – من أصحاب المقاهى القدامى بمحافظة القاهرة وبالأخص في أحياء بولاق أبو العلا وعين شمس – أن الشيشة مظلومة في المجتمعات العربية وحينما يأتي الحديث عنها لا يكون إلا بالسلب من الناحية الصحية والجسدية وهذا صحيح مئة بالمئة، فتدخين الشيشة له أضرار جسيمة ولا يستطيع أن يصمت أي "أب" حينما يعلم بتدخين ابناءه لها، فلابد أن يعنفهم، ولكن هناك وجه أخر لـ"الشيشة" يجب التطرق له ألا وهو "فوائد الشيشة"، وقد يستغرب البعض من هذا المصطلح، ففلشيشة فوائد عدة رغم ضررها، فهى تعمل على التقريب بين الناس في جلساتهم وأفراحهم وأحزانهم، وتؤلف بين قلوبهم لأنها تكون السبيل لنسيان هموم الدنيا ومتاعب اليوم بعد العمل الشاق.
ويضيف "طنطاوى" في تصريح لـ"برلماني": "الشيشة" تذيب الفوراق الاجتماعية بين البطقات الاجتماعية المختلفة، فالكل يجلس و"يشيش"، وتجعل الكل حولها في تلاحم وترابط مهما اختلفت المراكز والمناصب العلمية والعملية، والذى لن يصدقه الكثيرين ولا يعلمه إلا "مدخى الشيشة" أنها تحافظ على احترام الوقت وتقديره والإلتزام بالحضور في المواعيد المحددة، وتمنح الشيشة مدخنيها الشعور بالسعادة والارتياح النفسي، وتقتل أوقات فراغهم، تشيع بين "مدخنيها" روح التسامح والمودة والتعاون والألفة، وترسم على وجوهم الابتسامة الدائمة التي لا تفارقهم مع تبادل النكات والضحكات، ويكون مدخنيها الأقرب إلى تقديم النصح والإرشاد بين بعضهم البعض، تمنح "الشيشة" مدخنيها المساحة الكافية والوقت الواسع للتخطيط والتشاور والتآمر الحميد وتبادل المعلومات والأخبار، وفى الأاخير لا ننصح أحد بتدخينها فهى مضرة جدا بالصحة.