يحتفل العالم وعلى رأسه الأوروبيون كل عام بـ"كذبة إبريل" أو يوم الكذب في الأول من الشهر الرابع من السنة الميلادية في كل عام، من خلال الخدع وإطلاق النكات، حيث يسمى "ضحايا" ذلك اليوم بأغبياء كذبة إبريل، وتشارك وسائل إعلام وصحف ومجلات في الكذب أيضاً، بأن تنشر مثلاً أخبارا ملفقة أو قصصا وتقارير ليست لها أي أساس من الصحة، وعلى الرغم من شعبية هذه المناسبة منذ القرن التاسع عشر إلا أنها لم تصبح احتفالاً رسمياً في أي بلد بالعالم، حيث ظلت فقط مرتبطة بالدعابات حتى لو أنها كانت مؤلمة أحياناً.
وفى الواقع تعد كذبة أبريل التي يطلقها السواد الأعظم فى العالم عبر منصات السوشيال ميديا ووسائل الإعلام سنوياً في أول شهر إبريل، من أشهر التقاليد التي يتم ممارستها عبر الإنترنت، والتي يصفها البعض بأنها مزعجة بسبب النكات التي يتم إطلاقها من بعض المشاهير، حيث جرت العادة السنوية في العديد من دول العالم أن يتبادل الناس في اليوم الأول من شهر أبريل المزاح وخداع بعضهم بعضًا وإطلاق الأخبار غير الحقيقية على سبيل المزاح، وعلى الرغم من ان العديد من الناس باتوا يستعدون لتفادي تصديق "كذبة أبريل"، فإن الكثير من الأشخاص تنطلي عليهم تلك القصص المفبركة.
كدبة أبريل بين البلاغ الكاذب والإفتراء
فى التقرير لتالى، يلقى "برلمانى" الضوء على إشكالية فى غاية الخطورة وهى بعيدة كل البعد عن مسألة الشائعات المعروفة والتى يعاقب عليها القانون، وإنما تتمثل الخطورة فى "كذبة أبريل" أنها تستند على مناسبة يتم فيها بث الكذب والافتراء على سبيل السخرية حيث يفاجأ العديد من الأشخاص أن السخرية تصل للأسر والجيران والأصدقاء حتى تصل لحد ترويج كذبة وفاة شخص أو سجنه أو إصابته بمرض ما، ما يكشف معه عن مستوى المسؤولية الأخلاقية والمهنية التي تتمتع بها بعض الأفراد والشخصيات وكذا المؤسسات الإعلامية التي تقع في "شراك" كذبة أبريل خلال الأونة الأخيرة بما يدعو للدهشة ويثير الناس – بحسب الخبير القانونى والمحامى بالنقض رجب السيد قاسم.
التشريعات العربية تتصدى لكذبة أبريل
الحقيقة الغائبة عن الكثيرين أن القوانين أو التشريعات العربية وعلى رأسها القانون المصرى تصدت لمثل هذه الوقائع بعيداَ عن تطبيق عقوبة الشائعات وقانون الجريمة الالكترونية حيث يؤكد الكثيرين أن الأمر بعيداَ عن الشائعة وهو مجرد "كذبة أبريل"، فقد حدد القانون المصرى جريمة "البلاغ الكاذب" والمعروفة في الدول العربية بجريمة "الإفتراء"، وجريمة الافتراء يترتب على ارتكابها تبعات كبيرة جدًا، ويتم من خلالها اتهام الآخرين بجرم، قد يكون بعيدًا عن الحقيقة وملفق وبه افتراء لغرض في نفس المبلغ وقد يحبس إنسان بلا جريمة إلا نتيجه بلاغ به افتراء وكيدية – وفقا لـ"قاسم".
كيف تصدى القانون المصرى لكذبة أبريل؟
نص القانون المصري على: مادة 305 من قانون العقوبات: "وأما من أخبر بأمر كاذب مع سوء القصد فيستحق العقوبة ولو لم يحصل منه إشاعة غير الأخبار المذكورة ولم تقم الدعوى بما أخبر به"، وتكون عقوبة البلاغ الكاذب، هي عقوبة "القذف" المنصوص عليها في المادة 303 عقوبات، وهي: "الحبس مدة لا تجاوز سنة وغرامة لا تقل عن آلفين وخمسمائة جنيه ولا تزيد على سبعة آلاف وخمسمائة أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط"، فإذا كان البلاغ الكاذب في حق موظف عام أو شخص ذي صفة نيابية عامة أومكلف بخدمة عامة وكان ذلك بسبب أداء الوظيفة أو النيابة أوالخدمة العامة كانت العقوبة الحبس مدة لا تجاوز سنتين وغرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرة آلاف جنيه أو إحدى هاتين العقوبتين فقط – الكلام لـ"قاسم".
كيف تصدى القانون العماني لكذبة أبريل؟
في المادة 182 للمشرع العماني: "يعد مفتريًا ويعاقب بالسجن من عشرة أيام إلى ثلاث سنوات وبالغرامة من عشرة ريالات إلى خمسمائة ريال أو بإحدى هاتين العقوبيتـن كل شخص:
1-أقدم على إبلاغ السلطات المختصة بملاحقة الجرائم عن جريمة لم ترتكب فعلاً وهو يعلم أنها لم ترتكب، أو كان سببًا فيها، لمباشرة التحقيق بها باختلاقه أدلة مادية على وقوع مثل هذه الجريمة.
2-عزا إلى أحد الناس جريمة يعرف أنه بريء منها، أو اختلق عليه أدلة مادية على وقوع مثل هذه الجريمة.
أما إذا كان موضوع الافتراء جناية تستحق العقوبات الإرهابية، فيعاقب المفتري بالسجن خمس سنوات على الأكثر، وإذا أفضى فعل الافتراء إلى حكـم بالسجن المؤبد أو بالإعدام فيعاقب المفتري بالسجن لمدة عشر سنوات على الأقل، أما إذا نفذ حكم الإعدام فتكون عقوبة المفتري الإعدام أو السجن المؤبد.
وجدير بالذكر أنه إذا رجع المفتري عن افترائه قبل أي ملاحقة خففت العقوبة وفقاً لما جاء في المادة "109" من قانون الجزاء العماني والتي تنص على: "العذر المُحل إذا توفر حصوله يعفي المجرم من كل عقاب، أما العذر المخفف فيؤدي إلى تخفيف العقوبة على الوجه الآتي:
1-إذا كان الفعل جناية توجب عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، تخفض العقوبة إلى السجن المؤقت سنة على الأقل.
2-إذا كان الفعل يؤلف إحدى الجنايات الأخرى، تخفض العقوبة إلى السجن من ستة أشهر إلى سنتين وإذا كان الفعل جنحة تخفض العقوبة من عشرة أيام إلى ستة أِهر أو الغرامة حتى خمسة ريالات.
3-إذا كان الفعل قباحة أمكن تخفيض العقوبة إلى الحد الأدنى من الغرامة المنصوص عليها قانونيًا.
كيف تصدى القانون اللبنانى لكذبة أبريل؟
أما قانون العقوبات اللبناني فقد حدد عقوبة جريمة الإفتراء حسب نوع الجريمة المسندة للمفترى عليه بحيث قسم الواقعة الجرمية من حيث وصفها القانوني إلى جنايات و جنح و مخالفات واتخذ من جسامة العقوبة معيارا لهذا التقسيم، ويترتب على ذلك أن الإفتراء يعتبر مخالفة إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المفترى عليه من نوع المخالفة، ويعتبر جنحة إذا كانت الجريمة المعزوة للمفترى عليه من نوع الجنحة كما يعتبر جناية إذا كانت الجريمة المنسوبة للمفترى عليه من نوع الجناية – هكذا يقول "قاسم".
أما عن العقوبة المقررة للمخالفة في قانون العقوبات اللبناني هي الحبس من يوم إلى عشرة أيام "حبس تكديري" وبالغرامة، وتعتبر الواقعة الجرمية موضوع الإفتراء جنحة، إذا كان القانون يعاقب عليها بالحبس مع التشغيل، أو الحبس البسيط أو الغرامة، وتتراوح عقوبة الحبس بين عشرة أيام و ثلاث سنوات، وتعتبر الواقعة من نوع الجناية إذا كان القانون يعاقب عليها بالإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة، أو الإعتقال المؤبد، أو الأشغال الشاقة المؤقتة، أو الإعتقال المؤقت، والحد الأدنى للعقوبة الجنائية المؤقتة هو ثلاث سنوات بينما الحد الأقصى لها هو خمس عشرة سنة .
الافتراء في بعض التشريعات العربية
استخدم المشرع المصري مصطلح البلاغ الكاذب وكذلك القانون الجزائري وكثير من القوانين العربية الإجرائية، بينما يستخدم قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري واللبناني والأردني مصطلح جريمة الافتراء واستخدم قانون المسطرة الجنائية المغربي مصطلح الوشاية الكاذبة.
كدبة أبريل فى التشريع السورى
وقد ورد النص على جريمة البلاغ الكاذب في قانون العقوبات السوري، وذلك في مادته "393" التي جاء فيها:
1-من قدم شكاية أو إخباراً إلى السلطة القضائية أو إلى سلطة يجب عليها إبلاغ السلطة القضائية فعزا إلى أحد الناس جنحة أو مخالفة يعرف براءته منها أو اختلق عليه أدلة مادية على وقوع مثل هذا الجرم عوقب بالحبس.
2ـ وإذا كان الفعل المعزو يؤلف جناية عوقب المفتري بالأشغال الشاقة الموقنة عشر سنوات على الأكثر.
ولقد استقر القضاء السوري على أنه لابد لقيام جريمة الافتراء من العلم ببراءة المفترى عليه، وإقامة الدليل عليه، وهي من الجرائم المقصودة فلا بد من توافر القصد الجرمي لدى المفتري.
كذبة أبريل فى التشريع السعودى
أما نظام الإجراءات الجزائية السعودي فقد أخذ باصطلاح "الإدعاء الكيدي" للدلالة على جريمة البلاغ الكاذب حيث نص في مادته (217) على أنه "ولكل من أصابه ضرر نتيجة اتهامه كيداً، أو نتيجة إطالة مدة سجنه أو توقيفه أكثر من المدة المقررة الحق في طلب التعويض"، والقضاء السعودي لا يذهب بعيداً عما استقر عليه الفقه والقضاء العربيين وما تنص عليه غالبية القوانين العربية الإجرائية فهو يقرر أن عدم قدرة المدعي على إثبات صحة دعواه لا يترتب عليه قيام جريمة البلاغ الكاذب في حقه.
حق المفتري عليه في تقديم شكواه
تكاد تجمع القوانين الإجرائية العربية على حق المتهم - في الدعوى الأساسية - في إقامة دعوى البلاغ الكاذب ضد المدعي في تلك القضية التي صدر فيها الأمر بحفظ الدعوى، إضافة إلى إقامة الدعوى العامة من قبل النيابة أو الادعاء العام، فقانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني نص صراحة في مادته "62" على أنه:
1ـ إذا كان التحقيق قد جرى بحق شخص معين بناء على اتخاذ المشتكي صفة المدعي الشخصي وفقاً للمادة 52 وانتهى بقرار منع المحاكمة فللمشتكي عليه أن يطالب الشخص المدعي بالتعويض أمام المرجع المختص.
2ـ ولا يحول ذلك دون إقامة دعوى الحق العام بجريمة الافتراء المنصوص عليها في قانون العقوبات..وهذا النص مطابق لنص المادة "68" من قانون أصول المحاكمات الجزائية السوري، فالقانون الأردني وكذلك السوري وفقاً للنص السابق يمنحان المتهم الذي يصدر بحقه أمر بمنع المحاكمة أن يطالب بالتعويض أمام المحكمة المختصة, كما يمكن إقامة الدعوى العامة ضده في جريمة الافتراء، ولكن لا يعني ذلك أن قرار منع المحاكمة يترتب عليه تقيد المحكمة به عند نظرها لدعوى الافتراء التي قد تقيمها النيابة العامة.
كذبة أبريل فى التشريع الكويتي
وأضاف قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية الكويتي إلى الإدعاء الكيدي كواقعة تمنح المتهم الحق في طلب تعويضه، بسبب ما أصابه من ضرر نتيجة ذلك الإدعاء واقعة الإدعاء الذي يكون مشوب بخطأ المدعي أو المبلغ في شخص الفاعل أو في وصف الفعل الذي قد نسبه إليه.
ولا يشترط في القانون الكويتي قصد الإضرار في الإدعاء بل يكفي الخطأ فيه طالما قد ألحق الضرر بالمتهم ولكن بالتأكيد، فهذا يخرج عن جريمة البلاغ الكاذب إلى الخطأ المدني، ومن المؤكد أن ذلك يستند على القاعدة العامة التي تقضي بأن كل خطأ سبب ضرر للغير يلتزم مرتكبه بالتعويض وهذا يدخل في الدعوى المدنية لا الجزائية .
كذبة أبريل فى التشريع الفلسطيني
وخالف قانون الإجراءات الجزائية الفلسطيني شأنه في ذلك شأن القانون الأردني والسوري النهج الذي سار عليه المشرع الكويتي، فالمشرع الفلسطيني اشترط صراحة أن يقصد المدعي بالحق الخاص إلحاق الضرر بالمدعى عليه إذ نص في مادته 200 على أنه:
"إذا صدر قرار بحفظ التهمة أو صدر حكم بالبراءة فللمتهم أن يطالب المدعي بالحق المدني بالتعويض أمام المحكمة المختصة إلا إذا كان الأخير حسن النية"، فيستفاد من هذا النص أن المدعي بالحق الخاص إذا كان حسن النية فلا يسأل عن دعواه ضد المتهم حتى وإن ثبت عدم صحتها، ومن ثم يتعين على المحكمة وهي تنظر في طلب المتهم للتعويض في مواجهة المدعي بالحق الخاص أن تثبت سوء النية أي قصد الإضرار لدى المدعي بالحق الخاص.
كذبة أبريل فى التشريع الإماراتى
وهو أيضا ما نصت عليه المادة 25 من قانون الإجراءات الجزائية الإماراتي من أنه للمتهم أن يطلب من المحكمة أن تقضى له بتعويض عن الضرر الذي أصابه بسبب توجيه اتهام كيدي من جانب المبلغ أو المجني عليه وللمحكمة الجزائية أن تقضي بالتعويض للمتهم على من تحكم بإدانته في جريمة شهادة الزور والبلاغ الكاذب بناء على طلب المتهم، ومن ثم فإن كان من المستقر عليه أن للمتهم الذي يصدر بحقه أمر بحفظ الدعوى مطالبة المدعي بالحق الخاص إلا أن هذا لا يعني بأي حال من الأحوال هذا إلزامية القول بثبوت جريمة البلاغ الكاذب الافتراء.
موقف المشرع البحرينى من كذبة أبريل
وعن موقف التشريعات البحرينية من الكذب وبث الأخبار الكاذبة، فإن موضوع كذبة أبريل الذي يوافق تاريخ اليوم، بات من ضمن الأعراف المجتمعية التي يتداولها الأفراد بغرض التسلية والمرح والتغيير دون قصد أو إساءة، حيث أن بث الإشاعات الكاذبة ينطوي على جريمة خطرة على المجتمع، فقد تعاظمت حاليًا في ظل التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والمواقع المختلفة والمتعددة التي تساعد على انتشار الكذب والإشاعات دون اعتبار لمصدرها، وقد بات الكثير من الأشخاص يستخدمون هذه الوسائل لترويج الإشاعات، الأمر الذي يؤدي لاضطراب المجتمع.
والأديان باعتبارها تشريعات وقوانين سماوية سبقت القوانين الوضعية في تنظيم هذه المسائل والنهي عنها، وقد تطرق القرآن الكريم والسنة النبوية لذلك، ودعا الدين لتحري الدقة في نقل الأخبار ومراعاة مصدرها لتجنب الوقوع في المحظور، وتجدر الإشارة إلى أن قانون العقوبات المعني بالتجريم وفق مبدأ الشرعية القاضي بأنه (لاعقوبة ولا جريمة إلا بقانون) يتطلب توفر الركن المعنوي إضافة إلى الركن المادي، وينطوي الركن المعنوي على القصد الجنائي، وهو أن يرتكب الشخص السلوك المؤثم عن علم ودراية بينما يغطي المادي السلوك المؤثم.
الحبس والغرامة العقوبة في البحرين
وجريمة البلاغ الكاذب تمس وتؤثر على سير العدالة، وأن أحكام قانون العقوبات البحريني نظمت هذا الأمر وجرمته، ونصت المادة 234 على أن يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من أبلغ كذبًا بنية الإساءة السلطة القضائية أو الإداية ضد شخص بأمر مستوجب لعقوبته جنائيًا أو مجازاته إداريًا ولو لم يترتب على ذلك إقامة الدعوى، وتكون العقوبة الحبس والغرامة إذا كانت الجريمة المفتراة جناية، وتكون العقوبة السجن إذا أفضى الافتراء إلى الحكم بعقوبة جناية، فإذا كانت العقوبة التي ترتبت على الافتراء هي الإعدام ونفذت فعلاً عوقب المفتري بالإعدام أيضًا، وفيما يتعلق بالبلاغ الكاذب، ويعرف بتعمد إبلاغ إحدى السلطات العامة كذبا، ما يتضمن إسناد فعل معاقب عليه إلى شخص معين بنية الإضرار بسمعته وشرفه، وركنها الأساسي أن يتم الإبلاغ عن أمر مكذوب مستوجب لعقوبة فاعله.
وبشأن بث وإثارة أخبار كاذبة، فإن القانون البحريني يعاقب بالحبس وبالغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين من أذاع عمدًا أخبارًا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة إذا كان من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، لافتًا إلى أن التزوير أيضًا يعد كذب مكتوب وقد جرمه القانون وعاقب عليه.