ما زال الحديث مستمرا حول مناقشة مجلس النواب مشروع تعديل بعض مواد قانون الإجراءات الجنائية، والذي منحه "النواب" الأهمية القصوى، باعتباره يمس بشكل مباشر حقوق وحريات المواطنين، خاصة أن القانون القديم محل التعديل، مضى عليه ما يزيد على 72 عامًا تقريبًا، وتعاقبت عليه العديد من الدساتير وصدرت في شأنه العديد من أحكام المحكمة الدستورية العليا.
ومن المفترض أن يستهدف مشروع القانون الجديد الذي تقدمت به الحكومة، مواكبة المحاكمات الحالية أمام المحاكم المصرية، للتطور التكنولجي، في ظل ميكنة إجراءات التقاضي، وتحقيق المزيد من ضمانات جديدة للحبس الاحتياطي والحريات للمتقاضين، كما يستهدف تحقيق العدالة الناجزة، والقضاء على تكدس قضايا أمام المحاكم.
أهم "عوار قانون الإجراءات الجنائية" التي تحتاج للمعالجة
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تتعلق بحزمة من العوار في قانون الإجراءات الجنائية" التي تحتاج للمعالجة قبل خروج القانون للنور أبرزها الحبس الاحتياطي، وسماع شهود النفي، والفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الإحالة، ووجوب البطلان في حالة بدء التحقيق في جناية دون محام، ووجوب سماع شهود الإثبات أمام المحكمة، فضلا عن إشكالية حضور المتهم بتوكيل خاص.. هل تميز لمتهم دون آخر؟ - بحسب الخبير القانوني والمحامى إسلام الخطيب.
في البداية - قديما قال العرب: "إن لكل وقت آذان"، وهو ما يعني أن لكل وقت قانون، ولما كانت منظومة العدالة غير منفكه عن التطور المجتمعي والاقتصادي والسياسي، فإنها من حين لآخر تجدد نفسها وتطور من قوانينها، لذلك تجرى الآن مناقشات عديدة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي يعتبر العمود الفقري للمحاكم الجنائية وشريان الحياة بالنسبة للقضاء العادي، ولما كان المشرع الدستوري والقانوني لم يستأثر بهذا التعديل فئة معينة دون غيرها، فأننا نضع أمام اللجنة المشكلة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية بعض الملاحظات التي تواجه المشتغلين والقائمين على العمل القانوني والقضائى - وفقا لـ"الخطيب".
ونلقى الضوء على أبرز النقاط التي ينبغي للمشرع معالجتها في تعديلات قانون الإجراءات الجنائية الحالي كالتالى:
1 – الحبس الاحتياطي.. هل هو إجراء ينقضى بانتهاء علته.. أم عقوبة بدون سند قانوني؟
أصبح الحبس الاحتياطي عقوبة بدون مسوغ قانوني تواجه كل من يوجه له اتهام بجناية أو حتى جنحة، وعلى الرغم من أن المشرع القانوني نص على أن الحبس الاحتياطي هو بمثابة إجراء خاص يواجه به كل من ليس له محل إقامة ثابت أو معروف أو يخشى منه من الهرب أو التأثير في مجريات الأدلة، إلا أننا نجد أن أغلب من تنتفي في حقه مبررات الحبس الاحتياطي يتم حبسه احتياطيا دون مسوغ قانوني، بل وفي أحيانا كثيرة يستمر حبس المتهم رغم انتهاء التحقيقات الأولية، وعلى الرغم من أن المشرع في القانون 145 لسنة 2006 أشار إلى لزوم تسبيب أمر الحبس الاحتياطي إلا محكمة النقض غضت الطرف عن هذا الأمر وتسامحت فيه ولم ترتب عليه البطلان على الرغم من اتصاله الوثيق بحرية الأفراد – الكلام لـ"الخطيب".
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 20465 لسنة 85 قضائية، فقد عرض على محكمة النقض واقعة كان فيها المتهم قد دفع ببطلان حبسه احتياطيا وبطلان اجراءات محاكمته وحكم الادانة عملا بالمادة 3/134 من قانون الإجراء الإجراءات الجنائية لعدم عرض أمر الحبس الاحتياطي علي المحكمة المختصة قبل انتهاء المدد المحددة في تلك المادة والتي نصت أنه: "لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على ثلاثة أشهر، ما لم يكن المتهم قد أعلن بإحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة، ويجب على النيابة العامة في هذه الحالة أن تعرض أمر الحبس خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الإعلان بالإحالة على المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 151 من هذا القانون لإعمال مقتضى هذه الأحكام وإلا وجب الإفراج عن المتهم.
وتضيف "المحكمة": فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطي على خمسة شهور إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو مدد أخرى مماثلة وإلا وجب الإفراج عن المتهم" غير أن محكمة النقض رفضت هذا الوجه من الطعن لانتفاء المصلحة بقاله أنه لا جدوى من النعي بحبس الطاعن احتياطيا مدة تزيد على ستة أشهر قبل اتصال المحكمة بالدعوى طالما أن هذا الإجراء لم يسفر عن دليل منتج في الدعوى وإضافة أنه لما كان ما يثيره الطاعن من حبسه احتياطيا مدة تزيد عن ستة أشهر قبل اتصال المحكمة بالدعوى - على فرض صحته - لا جدوى منه - طالما أنه لا يدعى أن هذا الإجراء قد أسفر عن دليل منتج من أدلة الدعوى، ويكون منعى الطاعن في هذا الشأن غير مقبول.
2 – سماع شهود النفي.. من استطاع إليهم سبيلا
على الرغم من النيابة العامة تحتل مركز قانوني وهي خصم شريف في الدعوى الجنائية إلا أن القانون لم يلزمها بسماع شهود النفي الذين يستشهد بهم المتهم ويتمسك بهم في التحقيق الابتدائي، وغالبا ما يقوم محامي المتهم بتقديم طلب لسماع شهود النفي إلا ان إرفاق الطلب بالقضية "دون سماع شهود النفي" هو المصير المكتوب له في أحيان كثيرة، والسبب في ذلك راجع إلى أن النيابة العامة هي المهيمنة على إجراءات التحقيق الابتدائي وحدها دون وضع ضوابط واضحة ومحددة يعرف بها المتهم ما له من حقوق وما عليه من واجبات حتى تضمن له الاحتفاظ بحقوقه في الوقت الذي تجرى فيه الإجراءات بوتيرة سريعة ومتلاحقة – هكذا يقول "الخطيب".
3 – الفصل بين سلطة التحقيق وسلطة الإحالة
تمتلك النيابة العامة في النظام القضائي الحالي ثلاثة سلطات بيدها هي سطلة الاتهام وسلطة التحقيق وسلطة الإحالة، وقديما كان هناك ما يسمى بـ"مستشار الإحالة" وهي عبارة عن قاض ترسل له سطلة التحقيق الأوراق للإطلاع عليها تمهيديا لإحالتها لمحكمة الجنايات المختصة.
ولم يكن هذا فقط عمل مستشار الإحالة بل كانت له وظيفة أسمى من ذلك وهي فحص الأوراق لاستيفاء أي نقص بها، فمثلا إذا ذكر على لسان المتهم بالتحقيق اسم شاهد يرجع مستشار الإحالة الأوراق بتأشيرة لسلطة التحقيق بسؤال هذا الشاهد، وهكذا جميع إجراءات التحقيق الابتدائي التي تمت في القضية يقوم مستشار الإحالة بفحصها ومراجعتها حتى تكون الأوراق جاهزة للفصل فيها من قبل محكمة الجنايات المختصة بمحاكمة المتهم، وهي خطوة محمودة نريد من المشرع القانوني إعادتها لقانون الإجراءات مرة أخرى حتى تحقق طلبات المتهم على أكمل وجه أثناء مرحلة التحقيق الابتدائي.
4 – وجوب البطلان في حالة بدء التحقيق في جناية دون محام
من باب الإحقاق بالحق أن قانون الإجراءات الجنائية الحالي نص في مواده على وجوب حضور محام لكل متهم بجناية يحضر معه إجراءات التحقيق، إلا أن المشرع ومن بعده محكمة النقض لم يرتبا البطلان على بدء التحقيقات مع متهم بجناية دون حضور محام معه يشهد إجراءات التحقيقات، وإذا كان أمر الاتهام بجناية له خطورته كما تقول محكمة النقض فلا يعقل من ناحية العقل والمنطق أن ينفرد المحقق بمتهم بجناية دون محام يشهد إجراءات التحقيق ويحافظ على حقوق المتهم، لذا حريا بالمشرع أن يرتب البطلان في حالة بدء المحقق إجراءات التحقيق مع متهم بجناية دون حضور محام معه أو ندب محامي له من قبل سلطة التحقيق.
5 – وجوب سماع شهود الإثبات أمام المحكمة.. عودة للأصل
من ضمن العوار الذي أصاب قانون الإجراءات الجنائية في غفلة من الزمن هو أن المشرع جعل سماع شهود الإثبات جوازي للمحكمة، مما يعني أن المحكمة غير ملزمة بسماعهم ولو تمسك بهم المتهم لمناقشتهم في شهادتهم ضده، والمقصود بشهود الإثبات هم الشهود الذين ترتكن إليهم النيابة العامة لإثبات التهمة ضد المتهم، وتسمع النيابة شهادتهم أثناء التحقيق الابتدائي الذي يجري بمعرفة النيابة العامة وليس المحكمة.
وإذا كان المتهم يحاكم بشهادة هؤلاء الشهود فمن باب أولى أن يكون له مطلق الحق في مناقشة شهادتهم أمام القاضي المختص بمحاكته، ولا يجوز التعلل من أن النيابة العامة قامت بسماع شهادتهم لأن العبرة في المحاكمات الجنائية هي بالتحقيق النهائي الذي تجريه المحكمة وتسمع فيه شهادة الشهود طالما كان سماعهم ممكنا، ثم أنه في أحيانا كثيرة يكون الدفاع في حاجة للاستفسار عن جزئيات كثيرة تخص وقائع الدعوى غابت عن النيابة العامة أو لم تلق لها بالا ويرى الدفاع أن لها أهمية في درء الاتهام عن المتهم.
من أجل ذلك كله لا بد من العودة للأصل العام وهو وجوب سماع شهود الإثبات إذا ما تمسك بهم الدفاع لأنه كما تنص محكمة النقض أن الأصل في المحاكمات الجنائية أنها تبني على التحقيقات التي تجريها المحكمة في الجلسة.
6 – إشكالية حضور المتهم بتوكيل خاص.. هل تميز لمتهم دون آخر؟
ومن البدع التي أدخلت على قانون الإجراءات الجنائية هو جواز حضور المتهم بتوكيل خاص أمام محكمة الجنايات فقط دون محكمة الجنح، وهو أمر غير محمود لأنه كيف للمشرع أن يجعل حضور المتهم بشخصه وجوبي أمام محكمة الجنح المستأنفة وأجاز لمحكمة الجنايات أن تقبل توكيل خاص عن المتهم بجناية دون حضوره شخصيًا، فهل أصبح المتهم بجنحة سرقة "حضور المتهم فيها وجوبي أمام محكمة الجنح بدرجتيها" أشد من المتهم بجناية شروع في قتل أو سلاح ناري أو الاتجار في المواد المخدرة.
بالإضافة إلى أن بعض دوائر محاكم الجنايات تقبل حضور المتهم بتوكيل خاص ودوائر أخرى ترفض وتطلب حضور المتهم بجناية شخصيا وهو ما يفتح بابا للتمييز بين المتهمين بجناية يتوقف فيه أمرهم على سعة حظهم أن تنظر قضيتهم أمام محكمة الجنايات التي تقبل الحضور بتوكيل خاص، وهو تميز حري بالمشرع أن يتدخل ويفصل فيه بكلمة نهائية إما أن يكون حضوري المتهم بجناية حضور شخصي أو بتوكيل خاص يلزم به كل المحاكم.