أصدرت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها – بمحكمة النقض – حكما يتصدى لبطئ التقاضى في استرداد الحقوق، أرست فيه مبدأ جديدا يقضي بجواز تصحيح شكل الخصومة في الدعوي، إذا ما تبين رفعها على متوفي، وذلك باختصام ورثته في الدعوي، ومن ثم انعقاد الخصومة صحيحة منذ بدايتها، وبذلك تكون الهيئة العامة للنقض انهت على إنعدام الخصومة لوفاة المدعى عليه قبل رفع الدعوى.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 5436 لسنة 86 قضائية "هيئة عامة"، برئاسة المستشار محمد عيد محجوب، وعضوية المستشارين محمود سعيد، وعبد العزيز إبراهيم الطنطاوى، وعاطف عبد الجليل الأعصر، ورفعت أحمد فهمى، ونبيل أحمد صادق، ومحمد أحمد أبو الليل، وسمير حسن حسين، وصلاح الدين محمود مجاهد، والدكتور مصطفى سالمان، والدكتور محمد عصام الترساوى، وبحضور كل من المحامى العام الأول لدى محكمة النقض معتز صابر، وأمانة سر بيومى زكى.
الوقائع.. نزاع بين بنك وورثة المدين
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن البنك الطاعن أقام على مورثى المطعون ضدهم الثانى والثالث والسابع وباقي المطعون ضدهم الدعوى رقم 628 لسنة 7 قضائية القاهرة الاقتصادية الاستئنافية يطلب الحكم بإلزامهم بالتضامن بأداء مبلغ 14،695،801 (أربعة عشر مليونا وستمائة وخمسة وتسعين ألفا وثمانمائة وجنيه واحد) ومبلغ 24،697،739،98 (أربعة وعشرين مليونا وستمائة وسبعة وتسعين ألفا وسبعمائة وتسعة وثلاثين جنيها وثمانية وتسعين قرشا) حق 30 أغسطس 2015 بخلاف ما يستجد من عائد مركب بواقع 12،25 % سنويا، وعمولة 1،5% نحتسب على الحد الأعلى للرصيد المدين خلال كل شهر حتى تمام السداد والمصاريف، وعائد تأخير بواقع 14،25% من تاريخ المطالبة القضائية وحتى تمام السداد، على سلك من أن الشركة المطعون ضدها الأولى حصلت بموجب عقدی اعتماد بحساب جارٍ من البنك الطاعن على مبلغ أربعة ملايين جنيه بضمان باقى المطعون ضدهم، والتي نشأت عنها المديونية المطالب بها.
المحكمة تقضى بانعدام الخصومة بعد أكتشاف أن الدعوى أقيمت على متوفى
وبتاريخ 1 فبراير 2016 قضت المحكمة أولا: بانعدام الخصومة بالنسبة لمورثي المطعون ضدهم الثاني والثالث والسابع، ثانيا: بإلزام باقى المطعون ضدهم بالتضامن بأداء مبلغ 30083،240،11 (ثلاثة ملايين جنيه وثلاثة وثمانين ألفا ومائتين وأربعين جنيها وأحد عشر قرشا) سنويا من تاريخ 13 أكتوبر 2015 وحتى تمام السداد بما لا يجاوز أصل الدين المحكوم به.
وفى تلك الأثناء - طعن البنك الطاعن في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي برفض الطعن، وإذ عرض الطعن على دائرة فحص الطعون الاقتصادية في غرفة مشورة والتي رأت أنه جدير بالنظر فأحالته إلى هذه المحكمة والتي حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
البنك يطالب بتصحيح شكل الدعوى.. والمحكمة ترفض
وإذ تباينت الأحكام الصادر من محكمة النقض حول مسألة قبول أو رفض طلب تصحيح شكل الدعوى باختصام ورثة المتوفى الذى ثبتت وفاته قبل رفعها، والتحقق من انعدام الخصومة من عدمه لا سيما إذا ما كانت أمام ذات درجة التقاضى الواحدة، وتعذر علم المدعى أو جهله بحالة الوفاة قبل رفعها.
البنك يطعن مستندا على مبدأ أخر مخالف للحكم
وذهبت بعض دوائر هذه المحكمة في أحكامها إلى عدم جواز تصحيح شكل الخصومة، أو إدخال ورثة المتوفى قبل رفع الدعوى، لأن الخصومة ولدت منعدمة، واستندت في ذلك إلى أن الأصل أن تقوم الخصومة بين طرفيها من الأحياء مدع أو مدعى عليه، فلا تنعقد إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة، وإلا كانت معدومة، ولا ترتب أثرًا، ولا يصححها إجراء لاحق، وعلى من يريد عقد الخصومة أن يراقب ما يطرأ على خصمه من وفاة أو تغيير في الصفة قبل اختصامه حتى تأخذ الخصومة مجراها القانوني الصحيح.
كما ذهبت بعض الدوائر الأخرى في أحكامها إلى عدم إعمال أحكام الانعدام، وذلك بقبول طلب تصحيح شكل الدعوى واختصام ورثة الخصم المتوفي أمام ذات درجة التقاضي الواحدة، الذي ثبت وفاته قبل رفع الدعوى، بموجب صحيفة جديدة مستوفية كافة شرائطها القانونية، وفى الميعاد المقرر قانونا، وتحقق الغاية من الإجراء بهذا التصحيح، وتقليلا من دواعي البطلان، بتغليب موجبات صحة الإجراءات واكتمالها على أسباب بطلانها.
النقض تحيل الطعن للهيئة العامة بسبب تباين الأحكام بين القبول والرفض
وإزاء هذا الاختلاف قررت الدائرة التجارية والاقتصادية المختصة بجلستها المنعقدة بتاريخ 3 مايو سنة 2023 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها، عملا بالفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية الصادر بالقرار بقانون رقم 46 لسنة 1972 المعدل للفصل في هذا الإختلاف وإقرار المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني، والعدول عن المبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الأول.
وإذ حددت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها جلسة 23 مايو سنة 2023 لنظر الطعن، وأودعت النيابة العامة لدى محكمة النقض مذكرة برأيها انتهت فيها إلى الأخذ بالمبدأ الذي قررته أحكام الاتجاه الثاني بجواز تصحيح الإجراء المتعلق بتصحيح شكل الخصومة، باختصام ورثة المتوفي قبل رفع الدعوى، وأمام ذات الدرجة الواحدة.
الهيئة العامة تقبل المبدأ المغاير تيسيرا على المتقاضين
وقد تداولت الهيئة في المسألة المعروضة عليها من الدائرة المُحيلة، وقد التزمت النيابة رأيها، وقررت الهيئة إصدار الحكم بجلسة الثلاثاء الموافق 30 مايو 2023، ورأت الهيئة وبالأغلبية المنصوص عليها في الفِقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية إقرار الاتجاه الذي تبنته احكام الاتجاه الثاني والذي يجيز اختصام ورثة المتوفى بصحيفة جديدة تودع قلم الكتاب مستوفية لكافة شرائطها القانونية بما يسهم في سرعة الفصل في القضايا تحقيقاً للعدالة الناجزة.
المحكمة في حيثيات حكمها قالت إن الرسالة الأولى والأخيرة للتشريعات الإجرائية أن تكون أداة طيعة لعدل سهل المنال، مأمون الطريق، لا يغرق في الشكليات، وإذ كان قانون المرافعات هو حجر الأساس في بناء القوانين الإجرائية، وتمتاز نصوصه بالدقة والشمول والمرونة، لذلك فقد حرص المشرع فيه على الأخذ بالمعايير التي تتيح للقاضي تغليب موجبات صحة الإجراءات على غيرها من المعايير.
الهيئة العامة للنقض: جواز تصحيح الخصومة فى الدعوى على المتوفى باختصام ورثته
ووفقا لـ"المحكمة": ولما كان من المقرر أن الخصومة لا تقوم ابتداء إلا بين طرفين من الأحياء فلا تنعقد أصلا إلا بين أشخاص موجودين على قيد الحياة وإلا كانت معدومة، إلا أنه وتيسيرا على الخصوم وتحقيقا لموجبات سير العدالة، وهو ما يستتبع معه جواز اختصام ورثة المتوفى بإجراءات جديدة بموجب صحيفة مستوفية لكافة شرائطها القانونية إيداعا وإعلانا يتحقق به مبدأ المواجهة في الخصومة، على أن يكون في ذات درجة التقاضى ومرعية فيها المواعيد المقررة للخصومة الجديدة التي تكون مستقلة بذاتها ومرتبة لكافة آثارها من تاريخ انعقادها.
لما كان ما تقدم، وكانت بعض أحكام دوائر المحكمة قد ذهبت إلى عدم جواز تصحيح شكل الخصومة وتجديد الإجراء الباطل باختصام ورثة المتوفى واعتبار الخصومة منعدمة لوفاة مورثه، فقد رأت الهيئة وبالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية المشار إليه آنفا؛ العدول عن هذا المبدأ والاعتداد بالمبدأ الذي ورد بأحكام الاتجاه الثاني وفقا للأسباب الواردة سلفا، ومن ثم فإن الهيئة وبعد الفصل في المسألة المعروضة عليها تعيد الطعن إلى الدائرة التي أحالته إليها للفصل فيه وفقا لما سبق وطبقا لأحكام القانون.
لذلك:
قررت الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1072 المعدل أولا: إقرار الاتجاه الذي تبنته أحكام الاتجاه الثانى والذى يجيز اختصام ورثة المتوفى بصحيفة جديدة تودع قلم الكتاب مستوفية لكافة شرائطها القانونية على النحو الوارد بالأسباب، ثانيا: بإعادة الطعن إلى الدائرة المحيلة للفصل فيه.