تنفيذ الأحكام واحدة من المشاكل الرئيسة التي تؤرق أصحاب الحقوق، حيث هناك آلاف الأحكام التي تصدر بشكل يومي، خاصة بعد أن وصل "رول" محكمة الجنح في الدائرة الواحدة في كثير من الأحيان إلى 500 قضية، ورغم الصعوبة الشديدة والمعاناة التي يعانيها القضاة لإصدار الأحكام من أجل سرعة التقاضي كأمر اجتماعي مهم في قضية العدالة الاجتماعية، وتحقيق السلم المجتمعي، إلا أن مسألة تنفيذ الأحكام تحتاج نظرة موضوعية كضمانة أكثر لمصير دولاب العدالة فيما يصدر عنه.
سنوات من التقاضي يذوق فيها الناس الويلات من أجل الوصول إلي حقوقهم في أروقة المحاكم، ويتنفسون الصعداء عندما يحصلون علي أحكام قضائية إن كانوا علي قيد الحياة، وما أن يشرعوا في التنفيذ حتي يواجهون بحزمة من الثغرات القانونية والإشكالات التي تجعل الحكم حبرا علي ورق وتعيده من جديد إلي ساحة المحاكم، حيث تلعب إشكالات التنفيذ دورا هاما في عرقلة التنفيذ والحيلولة بين حصول المحكوم له علي حقه فور صدور الحكم، وذلك حين يقوم المحكوم ضده بالاستشكال أو تسخير الغير من أقاربه أو أصدقائه لرفعه.
أولا: صعوبة الحصول على الصيغة التنفيذية
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تهم ملايين المتقاضين تتمثل في معوقات ومشاكل تنفيذ الأحكام وعرقلتها بداية من صعوبة الحصول على الصيغة التنفيذية، حيث لا تمنح الصيغة التنفيذية للأحكام الغيابية إلا بعد إعلان الحكم إعلان صحيح، و توجد هناك تعليمات لقلم الصور بعدم إعطاء الصيغة التنفيذية للأحكام المدنية الغيابية إلا إذا كان الإعلان بالحكم مخاطباً مع شخص المدعي عليه أو مع تابعه أو بالامتناع عن الاستلام – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض أحمد توفيق.
في البداية - قد تواجه صاحب الحكم مشكلة غلق السكن للمدعي عليه ولا يعرف له محل إقامة لإعلانه عليه، وفي هذه الحالة نتقدم بطلب إلى رئيس المحكمة باستلام الصيغة التنفيذية وإرفاق صور الإعلانات في الدعوى وبناء عليه يأمر رئيس المحكمة بالتحري عن محل إقامة المدعي عليه وعقب ورود تحريات المباحث يتم تسليم الصيغة التنفيذية في ضوء تحريات المباحث - - وفقا لـ"توفيق".
المشكلة الثانية: هو طول إنتظار المدعي عليه:
وتتمثل تلك الإشكالية في طول إنتظار المدعي عليه حتى يوم تنفيذ الحكم، فيقوم بعمل اشكال في التنفيذ ليوقف به تنفيذ الحكم، لذلك يلجأ صاحب الحكم إلى عمل اشكال معكوس بالاستمرار في التنفيذ، ويختصم المدعي عليه بحيث يصدر الحكم بالاستمرار في التنفيذ – الكلام لـ"توفيق".
المشكلة الثالثة: الهروب من التنفيذ بطرق ملتوية
وتتمثل تلك الإشكالية بعد أن يتيقن المدعي عليه برفض اشكاله، والحكم بالاستمرار في التنفيذ يترك الشقة مغلقه يوم التنفيذ حتى يوقف عملية التنفيذ وتعود قوة الشرطة ومعاون التنفيذ، ولكن هذه الحيلة الرخيصة فطن لها القضاء المصري، وفي هذه الحالة يقوم معاون التنفيذ بالاتصال هاتفيا بقاضي التنفيذ للحصول منه على أمر بكسر باب الشقه وتسليمها لصاحب الحكم بعد جرد ما بها من منقولات وتسليمها إليه على سبيل الأمانة – هكذا يقول "توفيق".
المشكلة الرابعة: وضع لوحة على باب الشقة وتركها لعدم التنفيذ
وتتمثل تلك الإشكالية في قيام المدعي عليه بوضع لوحة على باب الشقه باسم مكتب أحد المحامين أو باسم منزل أحد المستشارين أو الضباط أو يضع على الباب شمع أحمر، وبالطبع صاحب الحكم يجب أن يكون "مصحصح" وواعي لهذا التلاعب، وعليه أن يراقب الشقة بعد صدور الحكم يوميا وإذا لاحظ أي لوحة من هذا النوع عليه أن يتحرى الدقة وسؤال الجيران عن صحة هذه اللوحة، فإذا تبين له وعلى يقين تام أنها لوحة مخادعة فعليه يوم التنفيذ أن ينزع هذه اللوحة والوقوف أمام باب الشقة لحين وصول قوة التنفيذ ويمنع أي أحد من وضع لوحات على الشقة.
المشكلة الخامسة: طول فترة الدراسة الأمنية
هي طول فترة الدراسة الأمنية، والتعذرات الأمنية يوم التنفيذ، وحل هذا الموضوع المتابعة في قسم الشرطة ومدرية الأمن وإذا شعرت بأن الأمر قد طال عن المعتاد تقدم بشكوى في وزارة الداخلية، ولذا فإننا نري ضرورة تعديل بعض النصوص التي تحكم الإشكالات حتي ينص فيها علي أن يكون الفصل في إشكالات التنفيذ الوقتية التي ترفع من المحكوم ضده أو الغير في مدة لا تتجاوز أسبوعين من ميعاد الجلسة الأولي.
كما نقترح أن ينص فيها علي عدم تأجيل الدعوي لتقديم مستندات من المستشكل بعد أن سمحت له المادة 312 مرافعات بتقديم مستنداته إلي معاون التنفيذ عند رفع الإشكال أمامه، وأيضا يجب مضاعفة الغرامة المنصوص عليها في المادة 315 مرافعات والتي يجوز الحكم بها علي المستشكل الذي يخسر دعواه، ويجب أن تكون وجوبيه وليست جوازيه للقاضي بل وإذا ثبتت عدم جدية الاستشكال ينبغي معاقبة المستشكل بالحبس.
مقترحات بخصوص المحضرين
1- وأولي خطوات الإصلاح في تنفيذ الأحكام المدنية والتجارية يجب أن تمتد إلي المحضرين فهم القائمون عليه، فيجب توفير الأعداد الكافية في أقسام المحضرين بما يتناسب مع عدد الأحكام واجبة التنفيذ والتي أصبحت تحقق رقما قياسيا..
2- ولابد من توافر الكفاءة فيمن يعين محضر فلابد أن يكون من خريجي كليات الحقوق أو الشريعة والقانون وأن يجتاز اختبارا في أحكام التنفيذ الوارد في قانون المرافعات والمداومة علي تدريبه.
3- ولابد من القضاء علي مشكلة تواجه محضري التنفيذ منذ الأزل وتؤدي إلي إرهاقهم وتكاسلهم عن أداء عملهم وهي عدم وجود وسيلة انتقال خاصة بهم لا سيما في المناطق النائية وتلك التي لا يتوافر فيها وسائل مناسبة للمواصلات.
بخصوص تنفيذ الأحكام الجنائية
وعن تنفيذ الأحكام الجنائية فإنه الآن يصيبه البطء الشديد بما لا يتحقق معه الزجر الفردي أو الردع الجماعي، ويشوبه عدم الدقة في بعض الأحيان وعلاجا لذلك يجب المبادرة إلي إنشاء شرطة قضائية متخصصة في تنفيذ الأحكام تلحق بالنيابات المختلفة، ويعهد إليها بإجراءات تنفيذ الحكم وبذلك تكون تحت إشراف النيابة العامة، ونضمن بذلك سرعة التنفيذ من ناحية وسلامة الإجراءات من ناحية أخري، فيتم التنفيذ في إطار من المشروعية حفاظا علي حقوق المحكوم عليه.
ثغرات التنفيذ
فالأحكام الجنائية المنوط بتنفيذها هو ضابط التنفيذ لا غير، أما الأحكام المدنية فالقائم بتنفيذها هو قلم المحضرين في المحكمة وقد رسم القانون إجراءات متعددة لتنفيذ الحكم المدني، وقد أورد المشرع ثغرات عديدة للحيلولة دون تنفيذ الحكم منها علي سبيل المثال جواز إقامة استشكال من المحكوم ضده رغم أن الحكم أصبح نهائياً، وكذلك جواز إقامة الاستشكال من الغير رغم كيدية هذا الطريق ورغم القضاء غالبا برفض هذين الاشكاليين.
ومع ذلك أجاز المشرع أيضا للمستشكل خاسر اشكاله وهو المحكوم ضده أن يعترض مرة أخري علي تنفيذ الحكم، وذلك بإثاره عقبه في تنفيذه أي كانت هذه العقبة وذلك لإطالة أمد التنفيذ لأن الأمر في هذه الحالة سوف يعرض علي قاضي التنفيذ لتذليل هذه العقبة، وقاضي التنفيذ يقوم بإصدار القرار بتأشيرة دون تسبيب لتنفيذ الحكم، ومن هنا يتضح أن صاحب الحق في سبيل الحصول علي حقه ينبغي عليه أن يمر بالمراحل الآتية:
1- إقامة دعوي ابتدائية وصدور حكم فيها لصالحه والانتظار لمدة أربعين يوم للوقوف علي ما إذا كان المحكوم ضده سيقوم بالاستئناف من عدمه.
2- وعند انقضاء الاستئناف وصدور حكم نهائي لصاحب الحق، فإنه يتعرض لكل من استشكال التنفيذ ثم عقبه التنفيذ كل علي حدا.
3- أي يتعين عليه أن يخوض أربع مراحل مما يعرضه لخسارة الوقت والجهد والمال نظرا لما يلاقيه من كيدية المحكوم ضده.
4- فيما يثيره من نزاع هذا من ناحية وما يعانيه من روتين وبطء قلم المحضرين القائم بالتنفيذ من جهة أخري.
5- فهو يعاني الأمرين حتي يحصل علي حقه ويتم تنفيذ الحكم القضائي نظرا لطول إجراءات التقاضي ووقوف المشرع دائما مع الجانب الذي يعتبر ضعيفا وهو المحكوم ضده.
6- الأحكام القضائية التي تصدر علي مختلف درجات التقاضي بدأ من الدرجة الأولي ووصولا إلي محكمة النقض والدعاوي المدنية بصفة عامة تأخذ وقتا طويلا حتي يصير الحكم نهائيا باتا
7- وتبدأ مرحلة جديدة هي مرحلة تنفيذ الحكم وهي مرحلة أخري تبدأ منذ صيرورة الحكم نهائيا حتي تمام التنفيذ وفيها يتعرض الحكم لصور شتي من عقبات التنفيذ واشكالاته.
أما الأولي فهي دائما تكون عقبات مادية - مثال ذلك - تغيير الوضع القانوني للخصوم، فمثلا قطعة أرض عليها نزاع وعند التنفيذ يجد الخصم أن عليها مبني عبارة عن برج شاهق ففي هذه الحالة يكون أمام قاضي التنفيذ عقبة مادية تحول دون تسليم الأرض وتنفيذ الحكم، كما أن الخصوم قد يلجأوا إلي اشكالات التنفيذ، وهي اشكالات قانونية تكون قد ظهرت بعد صدور الحكم وقد تكون متعلقة كذلك بعقبة مادية، وعلي العموم فإن اخطر مرحلة من مراحل التقاضي التي تقتضي عناية خاصة هي مرحلة تنفيذ الحكم، فالخصوم يتناضلون لسنوات وسنوات للحصول علي حكم نهائي بغية تنفيذه فإذا لم نهتم بتنفيذه فإن الحكم يصبح حبرا علي ورق فقط.
وللعناية بتنفيذ الحكم فإنه يجب اتباع المسائل الآتية:
أولا: إعادة تنظيم وهيكلة نظام المحضرين وإعادة التنظيم التشريعي لهذه الفئة مع تقرير حوافز مادية لهم منعا للتلاعب أو التواطؤ عند تنفيذ الحكم.
ثانيا: إنشاء شعبة خاصة تابعة لوزارة العدل من الشرطة القضائية تكون وظيفتها تسيير ومعاونة تنفيذ الحكم.
ثالثا: التخصص القضائي بجعل قاض متخصص في تنفيذ الأحكام حتي يستطيع أن يدرك العقبات والاشكالات التي تعترض التنفيذ ويصدر قرارات حاسمة بغية تنفيذ الحكم في أسرع وقت ممكن.
رابعا: إعادة التنظيم التشريعي لتنفيذ الأحكام وعرقلة كل ما يتعرض للتنفيذ ورد المتحايلين عن قصدهم السيء في مسألة عرقلة التنفيذ حتي يتسني التنفيذ في سهولة ويسر وفي أقل وقت ممكن.
تحقيق العدالة
بالنسبة لتنفيذ الأحكام المدنية والتجارية طبقا لقانون المرافعات نصت المادة 82 من القانون علي انه: "لا يجوز التنفيذ الجبري إلا لسند تنفيذي وهو أحكام المحاكم والأوامر والمحررات الموثقة ومحاضر الصلح التي تصدق عليها المحاكم"، وأكد المشرع في المادة 281 مرافعات علي وجوب أن يسبق التنفيذ الإعلان بالسند التنفيذي، والتنفيذ يجري تحت إشراف قاضي التنفيذ ويعاونه عدد كاف من المحضرين ويفصل في جميع منازعات التنفيذ أيا كانت قيمتها كما يختص بإصدار الأوامر المتعلقة بالتنفيذ.
والاشكال الأول يوقف التنفيذ طبقا للمادة 312 مرافعات، ويقدم إما عن طريق رفع دعوي توضع في قلم كتاب المحكمة أو لدي المحضر عند إجراء التنفيذ، ولضمان جدية الاشكال نصت المادة 310 مرافعات معدله علي أنه: إذا خسر المستشكل دعواه يحكم عليه بغرامة لا تقل عن 200 ولا تزيد علي 800 جنيه مع عدم الإخلال بالتعويضات إذا كان لها وجه، وقرر المشرع في المادة 123 عقوبات معاقبة كل موظف استعمل سلطة وظيفته في وقت تنفيذ الحكم أو امتنع عن تنفيذه عمدا بالحبس والعزل من وظيفته إذا كان تنفيذ الحكم داخلا في اختصاص الموظف.