تصدى المشرع فى قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته لإشكالية التعيين فى وظيفة المعيد والمدرس المساعد بالجامعة بأن جعل المعيار العام للتعيين هو الجدارة العلمية والتفوق الدراسى، وجعل للتعيين فى هذه الوظيفة السامية طريقين لا ثالث لهما أحدهما أصلى وهو "الإعلان "، والثانى استثنائى وهو "التكليف"، والذى يهمنا فى هذا الإطار هو التعيين عن طريق الإعلان وهو الأصل، فقد تغيا منه المشرع كفالة المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الخريجين، كإطار لا يجوز تجاوزه.
فقد دأبت بعض الجامعات على أن يتضمن الاعلان الخاص بحاجتها لتعيين اعضاء هيئة التدريس أو المعيدين بها أن يكون المتقدمين من خريجى جامعة معينة أو سنة محدده، وقد استقر قضاء مجلس الدولة على أنه يجوز أن يتضمن الإعلان قصر التعيين علي خريجي كلية معينة أو سنة محددة لما في ذلك من إخلال بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص اللذين التزم بهما المشرع في الشروط التي حددها .
"الإدارية العليا" تنتصر للمبادئ القضائية الراسخة
وفى هذا الشأن – يقول سامى البوادى – المحامى بالنقض وخبير التشريعات – إلى أن المشرع حدد الشروط التي تكفل هذه الغاية، وهي شروط قوامها وجوهرها التفوق العلمي بين محمودي السيرة وحسني السمعة، لا أفضلية فيها للمتخرجين في كلية بذاتها ولا في سنة محددة، فالكل فيها سواء تجري المفاضلة بينهم على وفق قواعد محددة لا مجال فيها للاجتهاد، وهو ما أرسته المحكمة الإدارية العليا فى العديد من أحكامها في الطعن المقيد برقم 10323 لسنة 56 قضائية.
وبحسب "البوادى" في تصريح لـ"برلماني": كما نصت المادة 133 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 أنه: "يُعين المعيدون والمدرسون المساعدون بقرار من رئيس الجامعة بناءً على طلب مجلس الكلية أو المعهد بعد أخذ رأي مجلس القسم المختص ويكون التعيين من تاريخ صدور هذا القرار"، ونصت المادة 135 من ذات القانون أنه: "يشترط فيمن يعين معيداً أو مدرساً مساعداً أن يكون محمود السيرة حسن السمعة"، ونصت المادة 136 منه – المعدلة بالقانون رقم 142 لسنة 1994 - أنه: "يكون تعيين المعيدين بناءً على إعلان عن الوظائف الشاغرة.
ومع مراعاة حكم المادة السابقة، يُشترط فيمن يعين معيداً ما يأتي:
1-أن يكون حاصلاً على تقدير جيد جداً على الأقل في التقدير العام في الدرجة الجامعية الأولى.
2-أن يكون حاصلاً على تقدير جيد على الأقل في مادة التخصص أو ما يقوم مقامها.
والمحكمة تؤكد: أفضلية التفوق العلمى كمعيار للتعيين فى قانون تنظيم الجامعات
ووفقا لـ"البوادى": ومع ذلك إذا لم يوجد من بين المتقدمين للإعلان من هو حاصل على تقدير جيد جداً في التقدير العام في الدرجة الجامعية الأولى، فيجوز التعيين من بين الحاصلين على "جيد" على الأقل في هذا التقدير وبشرط أن لا يقل التقدير في مادة التخصص أو ما يقوم مقامها عن "جيد جداً"، وفي جميع الأحوال تُجرى المفاضلة بين المتقدمين على أساس تفضيل الأعلى في التقدير العام، وعند التساوي في هذا التقدير يفضل الأعلى في مجموع الدرجات، وعند التساوي في هذا المجموع يفضل الأعلى تقديراً في مادة التخصص، وعند التساوي في هذا التقدير يفضل الأعلى في درجات مادة التخصص، وعند التساوي في هذه الدرجات يفضل الحاصل على درجة علمية أعلى بنفس القواعد السابقة.
فما هو تأثير التحريات الأمنية فى هذه الحالة؟
إلا أن السؤال يثور بشأن نص المادة 135 سالفة الذكر من اشتراط أن يكون المتقدم للوظيفة محمود السيرة حسن السمعة ، فما هو تأثير التحريات الأمنية فى هذه الحالة؟ يُجيب "البوادى": فقد تصدت المحكمة الإدارية بالإسكندرية مؤخراً لهذه الإشكالية فى الحكم الصادر فى الدعوى رقم 9034 لسنة 69 قضائية والمقامة من الطاعن ضد قرار استبعاده من التعيين فى وظيفة معيد بالجامعة بسبب عدم صلاحيته وفقاً للتحريات الجهات الأمنية"، فبعد أن استعرضت المحكمة المبادئ القانونية سالفة الذكر بشأن الشروط العامة للتعيين، ومدى انطباقها على الطاعن الذى ثبت تفوقه علمياً وحصوله على أعلى التقديرات وبترتيب متقدم يخوله أحقية التعيين فى الوظيفة المذكورة، عرجت إلى مسألة التحريات الأمنية .
فقد أوردت المحكمة بداءة أن: "التعيين وإن كان من الملائمات المتروك تقديرها للإدارة إلا أنة يحد من هذة السلطة التقديرية ما وضعة القانون من ضوابط وما إلتزمت بة جهة الإدارة من شروط وضوابط فى هذا الشأن"، وقررت بشأن تسبيب القرار الإدارى أن: " القرار الإدارى يجب أن يقوم على أسباب تبررة صدقا وحقا فى الواقع والقانون كركن من أركان إنعقادة بإعتبارة تصرفا قانونيا ولا يقوم أى تصرف قانونى بغير سببه والسبب فى القرار الإدارى حالة واقعية أو قانونية تحمل الإدارة على التدخل بقصد إحداث أثـر قانونى هو محل القرار إبتغاء وجة الصالح العام الذى هو غاية القرارالإدارى وإذا ذكرت الإدارة لقرارها أسبابا فإنها تكون خاضعة لرقابة القضاء الإدارى للتحقق من مدى مطابقتها له وأثر ذلك فى النتيجة التى إنتهى إليها القرار وهذة الرقابة تجد حدها الطبيعى فى التحقق مما إذا كانت هذة النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونيا ".
المنظومة التشريعية دأبت بحق على إبقاء التوازن الدستوري بين حقوق المواطنين
حتى انتهت أخيراً إلى قضاءها الحاسم بأن: ولئن كانت الجهات الرقابية عموما، وكذا ما يطلق عليه الجهات والأجهزة الأمنية السيادية، تضطلع بدور رقابي وأمني تخصصي حميد في سبيل الوقوف على الوقائع أو العناصر التى قد تمثل نوعا من التأثير السلبي على مسيرة مؤسسات الدولة نحو أهدافها المرجوة، بيد أن ذلك يجب أن يكون ضمن إطار المنظومة الدستورية والتشريعية في ظل دولة المؤسسة القانونية وسيادة القانون، وبناء على إجراءات صحيحة يتطلبها القانون، مما لا يجوز معه أن يتغول هذا الدور الرقابي أو الأمني لتلك الجهات داخل الأعمال الإدارية، أو الفنية للسلطات الدستورية الثلاث، أو الجهاز الإداري للدولة والقطاع العام والخاص، بالمخالفة لإرادة المشرع وتراتيبه.
حتى لو كان تعقيبا مسبقا أو لاحقا على شخوص شاغلي الوظائف المختلفة في أي منها بلا سند قانوني دامغ، لا ترقى إليه بالطبع تقارير التحريات المرسلة النائية عن الفلك المستندي الرسمي، التي يجب أن يكتفى حال وجودها بدور استرشادي لا غير، إذ لو تغيا المشرع ذلك بداية لنص عليه صراحة، إلا أن المنظومة التشريعية المصرية دأبت بحق على إبقاء التوازن الدستوري بين حقوق المواطنين الواجبة وحرياتهم، والدور الرقابي والأمني المطلوب من تلك الجهات المتخصصة، ولم تنص مطلقا على اشتراط موافقة الأجهزة الرقابية أو الأمنية للتعيين في الوظائف العامة أو الاستمرار فيها .
التفوق العلمى يحسم النزاع
ويضيف "البوادى": أن الاتجاه السابق لا يعدو أن يكون ترسيخاً محموداً لمبادئ المحكمة الإدارية المستقرة فى هذا الشأن، ومن ثم خلصت المحكمة فى قضائها إلى إلغاء قرار جهة الإدارة برفض تعيين الطاعن بوظيفة معيد بالجامعة مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها أحقيته فى التعيين بالوظيفة، استناداً إلى تفوقه العلمى الثابت بالأوراق وترتيبه المتقدم على دفعته، بحسبان أن التحريات الأمنية لا تصلح بذاتها لأن تكون سبباً للقرار الإدارى، سيما وأنه لم يُنسب للطاعن وقائع محددة تؤدى إلى التقرير بعدم صلاحيته أمنياً .