أصدرت محكمة النقض – حكما فريدا من نوعه، يهم ملايين المتعاملين بالأوراق العرفية والتوقيع على بياض لضمان حقوقهم، رسخت فيه لـ 5 مبادئ قضائية حول حجية التوقيع دون الكتابة، قالت فيه: "التوقيع على بياض يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوقه حجية الورقة العرفية، وجواز أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، أما شرطه اعتباره بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر، ويكون الموقع قاصداً الارتباط بالبيانات التي سترد بالورقة وتسليمها اختياراً ولم يثبت أخذه منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري أو خيانة من أستؤمن عليها".
الخلاصة:
1- النص في المادة 136 من التقنين المدني على أنه: "إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا".
2- أن صورية السبب المذكور في العقد أو سند المديونية لا يترتب عليها بمجردها بطلانه، بل العبرة بالسبب الحقيقي المستتر، فإذا تخلف هذا السبب، أي ثبت انعدام سبب الالتزام أو عدم مشروعيته، بطل العقد.
3- تحرير السند كضمان يتوافر به السبب في وجوده ومشروعيته، وتتوقف براءة ذمة المدين من قيمة هذا السند على ثبوت تنفيذه للالتزام الصادر السند ضمانا للوفاء به.
4- التوقيع على بياض من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية.
5- عدم بطلان العقد لصورية سببه وعدم براءة ذمة المدين إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الآخر الصادر سند الدين بسببه وحجية المحرر الموقع على بياض.
صدر الحكم في الطعن المقيد برقم 9869 لسنة 84 قضائية، برئاسة المستشار مجدي مصطفي، وعضوية المستشارين رفعت هيبة، وياسر فتح الله العكازي، وهاني عميرة ومحمد راضي.
الوقائع.. النقض ترسخ 5 مبادئ تكشف خطورة التوقيع على بياض
الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن الطاعنة - بعد رفض أمر الأداء - أقامت على المطعون ضده دعوى قضائية، بطلب الحكم بإلزامه بأن يؤدى لها مبلغ 950 ألف جنيه قيمة إيصال الأمانة والفوائد القانونية بواقع 4% حتى السداد، على سند من أنها تداين المطعون ضده بهذا المبلغ، ومن ثم أقامت الدعوى .
وفى تلك الأثناء - وجه المطعون ضده دعوي فرعية بطلب الحكم ببراءة ذمته من المبلغ المطالب به، أحالت المحكمة الدعوى إلى التحقيق، وبعد أن استمعت لشهود الطرفين، حكمت في الدعوى الفرعية بالطلبات، وبرفض الدعوى الأصلية، ثم استأنفت الطاعنة هذا الحكم أمام محكمة استئناف طنطا، وبتاريخ 12 مارس 2014 قضت بتأييد الحكم المستأنف، ثم طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بنقض الحكم المطعون فيه، وإذ غرض الطعن على هذه المحكمة، في غرفة مشورة، حددت جلسة لنظره، وفيها التزمت النيابة رأيها.
مذكرة الطعن تستند على عدة أسباب لإلغاء الحكم
مذكرة الطعن استندت على عدة أسباب لإلغاء الحكم حيث ذكرت إن مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والفساد في الاستدلال، إذ تمسكت في دفاعها أمام محكمة الموضوع بدرجتيها بعدم جواز إثبات ما يخالف الثابت في الإيصال موضوع الدعوى إلا بالكتابة، فأطرح الحكم دفاعها استنادا إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضده من أن تسليمه للإيصال الموقع على بياض لم يكن تسليما اختياريا، واعتبر ملء بياناته تزويرا وينطوي على غش، وخلص من ذلك إلى براءة ذمته من قيمته، في حين أن أقوال هذين الشاهدين لا تؤدي إلى ما استخلصه منها، مما يعيبه ويستوجب نقضه.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت: هذا النعي في محله، ذلك بأن النص في المادة 136 من التقنين المدني على أنه "إذا لم يكن للالتزام سبب، أو كان سببه مخالفا للنظام العام أو الآداب كان العقد باطلا" يدل - وعلى ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون المدني - أن صورية السبب المذكور في العقد أو سند المديونية لا يترتب عليها بمجردها بطلانه، بل العبرة بالسبب الحقيقي المستتر، فإذا تخلف هذا السبب، أي ثبت انعدام سبب الالتزام أو عدم مشروعيته، بطل العقد . وكان تحرير السند كضمان يتوافر به - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة – السبب في وجوده ومشروعيته، وتتوقف براءة ذمة المدين من قيمة هذا السند على ثبوت تنفيذه للالتزام الصادر السند ضمانا للوفاء به.
التوقيع على بياض يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوقه حجية الورقة العرفية
وبحسب "المحكمة": وكان المقرر – أيضا – في قضاء هذه المحكمة - أن التوقيع على بياضي من شأنه أن يكسب البيانات التي ستكتب بعد ذلك فوق هذا التوقيع حجية الورقة العرفية، باعتبار أن هذه الحجية تستمد من التوقيع لا الكتابة فيستوي أن تكون البيانات قد حررت قبل التوقيع أو بعده، إذ يعد التوقيع على بياض بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر، ما دام قصد الموقع أن يرتبط بالبيانات التي سترد بالمحرر وسلمه اختياريا، ولم يثبت أنه أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية أو بأي طريقة أخرى خلاف التسليم الاختياري، أو أن من أستؤمن عليها خان الأمانة، فإنه تكون حجة بما فيها.
ووفقا لـ"المحكمة": وإذ خالف الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه القواعد القانونية سالفة البيان، وأقام قضاءه ببراءة ذمة المطعون ضده من قيمة الإيصال موضوع الدعوى، على ما استخلصه من أقوال شاهديه، من أنه كرر هذا الإيصال كضمان لتنفيذ حكم اللجنة العرفية التي احتكم الطرفان إليها للفصل فيما شجر بينهما من خلاف على ميراث الطاعنة من والديها، وهو ما أصر عليه المطعون ضده في دفاعه طوال مراحل النزاع، في حين أن هذا الذي تساند إليه الحكم وتمسك به المطعون ضده، لا يؤدي إلى بطلان الإيصال المذكور، لأن تحريره كضمان يتوافر به السبب الصحيح للالتزام في وجوده ومشروعيته، ولا تبرأ ذمة المطعون ضده إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الآخر المقابل الذي صدر سند الدين بسببه، ولا ينال من ذلك ما قرره الحكم من أن تسليم الإيصال سند الدعوى الموقع على بياض من المطعون ضده لم يكن تسليما اختيارا وما رتبه على ذلك من أن ملء بياناته يعد تزويرا وينطوي على غش استنادا إلى ما استخلصه من أقوال شاهدي المطعون ضده، وهو ما يتناقض مع ما استخلصه من ذات الأقوال من أن الإيصال المذكور سلم من المطعون ضده ضمانا لتنفيذ حكم اللجنة العرفية التي احتكم الطرفان إليها.
النقض تقرر: التوقيع على بياض بمثابة تفويض بملء بيانات المحرر
وتضيف: مما لازمه ومقتضاه أن التسليم كان اختياريا، ويدل على قصد المطعون ضده الموقع على بياض الارتباط بالبيانات التي سترد فيه، هذا فضلا عن أن البين من مطالعة أقوال هذين الشاهدين - بعد ضم الملفات - أنها قد خلت من أي عبارات يستفاد منها أو يمكن حملها على أن الإيصال موضوع الدعوى لم يسلم من المطعون ضده طواعية واختيارا، وهو ما يعتبر من الحكم تحريفا لأقوالهما وخروجا بها عن مدلولها، لما كان ذلك، وكان المطعون ضده لم يدع طوال مراحل النزاع بأن الإيصال سند الدعوى أخذ منه خلسة أو نتيجة غش أو طرق احتيالية، وما تمسك به من توقيعه على بياض وأن السبب الحقيقي لتحريره هو ضمان لتنفيذ حكم اللجنة العرفية يدل - وعلى ما سلف بيانه - على قصد الارتباط بالبيانات التي سترد فيه، فإن هذا الإيصال تكون له حجية الورقة العرفية قبل المطعون ضده ولا تبرأ ذمته من قيمته إلا بإثبات الوفاء بالالتزام الذي ادعى تحرير الإيصال ضمانا للوفاء به، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر، فإنه يكون معيبا بالفساد في الاستدلال والخطأ في تطبيق القانون، بما يوجب نقضه.
فلهذه الأسباب:
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولا تقدم، وكانت المستأنفة أقامت استئنافها بغية القضاء بإلغاء الحكم المستأنف وإلزام المستأنف ضده بالمبلغ المدون بإيصال الأمانة سند الدعوى وقدره تسعمائة وخمسون ألف جنيه، ولم يطعن عليه بأي مطعن، ينال من حجيته، ومن ثم تقضي المحكمة بإلزام المستأنف ضده بأداء قيمته للمستأنفة.