أكد تقرير للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن مصر أكدت مرارًا رفضها لمخططات التهجير القسري للفلسطينيين خارج أراضيهم، وسعت كذلك إلى خلق رأي عام إقليمي وعالمي داعم لهذا الموقف ومؤيد لحق الفلسطينيين في أراضيهم وحقهم في إقامة دولتهم المستقلة وفقًا لمبدأ حل الدولتين، مع حماية مكتسبات الأرض وعدم تحقيق المخطط الإسرائيلي بالسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عقب يونيو 1967 في مخالفة لقراري مجلس الأمن 242 و334.
وأشار تقرير المركز المصري، إلى أن مصر حشدت الرأي العام الدولي للحفاظ على الحق الفلسطيني وفقًا للتشريعات والقوانين الدولية، مشددا أن الأحداث التي تلت عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر والحصار الذي طبقته إسرائيل على قطاع غزة من قطع الإمدادات الأساسية لتجويع وتهجير القطاع ليست الأولى من نوعها، ولكنها محاولات مستمرة لتفريغ القطاع من سكانه الأصليين لتحقيق الهدف الأكبر في تهويد الأرض الفلسطينية لصالح اليهود، والقضاء على مبدأ حل الدولتين.
ورصد عواقب ونتائج التهجير القسري حال حدوثه، إذ تنطلق الرؤية المصرية نحو وقف سيناريو التهجير، واستهداف بناء دولة جديدة للفلسطينيين على حساب دول الجوار، ممثلة في مصر والأردن، فتستضيف مصر نحو 9 ملايين مواطن أجنبي على أراضيها، دون التعامل بالإجراءات المتبعة عالميًا من وضع اللاجئين في أطراف الدولة وفي خيام، ولكن تعمل مصر على دمجهم داخل المجتمع المصري.
وأوضح أن ذلك هو جوهر الاختلاف مع الخطة الإسرائيلية التي تعمل على تفريغ وطمس الهوية الفلسطينية عبر سياسة الأرض المحروقة، وبناء دولة جديدة للفلسطينيين بعيدًا عن حدودهم الأصلية بالضغط عليهم بدعوى الحرب ضد الإرهاب، وخلق ممرات آمنة؛ فيما تمنع وصول المساعدات لمناطق النزاع حتى تم فتح المعبر لعدد شاحنات لا تمثل ربع احتياجات القطاع للوصول إلى تحقيق خطتها المعلنة.
كما أن ذلك يمكن أن يترتب عليه توسيع رقعة الصراع، كما جاء على لسان وزير الخارجية المصري سامح شكري، وممثل مصر في الأمم المتحدة، وكذلك تصريحات الرئيس عبد الفتاح السيسي في المؤتمر الصحفي المستشار الألماني أولاف شولتس؛ إذ إن أي انتقال ونزوح جماعي من القطاع إلى طرفي الحدود سواء إلى سيناء المصرية أو الأردن، سيترتب عليه نقل الصراع إلى تلك الأماكن، واحتمالية انتقال عناصر مسلحة ستقوم باستكمال عمليات المقاومة عبر الحدود المصرية في حال تنفيذ الهجوم من سيناء، وهو ما يهدد اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل والتي جنبت المنطقة صراعًا كان من الممكن أن يعصف بالمنطقة.
يضاف إلى ذلك أن مصر هي حلقة الوصل التي أوقفت عمليات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا من الجنوب، وأمنت خطوطهم التجارية وحركة التجارة البينية ونقل الطاقة، وهو ما دفع قادة ودول العالم إلى التواصل مع مصر للعمل على حل الأزمة الحالية، بوصفها الطرف الأكثر استقرارًا وتواصلًا مع كافة الاطراف، للحد الذي جعل من وساطتها هي الأكثر تأثيرًا بدايةً فتح معبر رفح، وأخيرًا الإفراج عن السيدتين الإسرائيليتين المحتجزتين لدى كتائب عز الدين القسام.
ويتبعها أيضا تصفية القضية الفلسطينية: باعتبار أن الحل المعترف به دوليًا هو تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم ٢٤٢ والعودة إلى مبدأ حل الدولتين، وكذلك الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي التي احتلتها في يونيو 1967، والممثلة في غزة والضفة الغربية والعودة إلى حدود ٤ يونيو.
وذكر التقربر أن تفريغ الضفة الغربية من سكانها ونقلهم إلى الأردن، وكذلك بنقل سكان قطاع غزة إلى سيناء؛ سيصفي القضية ويعيدها إلى الحالة الصفرية ويفرغها من مضمونها.
ونوه أن الموقف المصري تجلى في العمل على الحشد الدولي لتوضيح مفهوم القضية الفلسطينية في ضوء القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة، وذلك على الصعيد الدبلوماسي واللقاءات الثنائية والقمم الدولية، بجانب التنسيق مع الجهات الفاعلة دوليًا لتبني قرارات لصالح القضية في مجلس الأمن.
وتمكنت مصر من انتزاع مواقف دولية وإقليمية ومن المنظمات الدولية كالأمم المتحدة والمجلس الأوروبي وجامعة الدول العربية برفض تصفية القضية الفلسطينية والوقف ضد انتهاكات حقوق الإنسان المتمثلة في حصار وتجويع الفلسطينيين وتهجيرهم قسريًا بوصفها قضية ترقى لقضايا جرائم الحرب، وهو ما ظهر في قمة القاهرة للسلام واللقاءات والاتصالات الثنائية بين القيادة السياسية ودول وقادة العالم.
ورصد التقرير، الموقف المصري، والذي كان واضحًا سواء من خلال القرارات الصادرة عن اجتماع مجلس الأمن القومي برئاسة الرئيس عبد الفتاح السيسي يوم 15 أكتوبر 2023 بالتشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار، وكذلك من خلال تصريحات الرئيس السيسي المتوالية برفض التهجير وتصفية القضية، ولا سيّما خلال المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس يوم 18 أكتوبر والذي أكد فيه هذا الموقف، وقال “إذا كان هناك فكرة لتهجير الفلسطينيين فتوجد صحراء النقب في إسرائيل”.
واستكمل التقرير، حديثه برصد المواقف الواضحة لوزير الخارجية سامح شكري وآخرها خلال جلسة النقاش المفتوح رفيع المستوى لمجلس الأمن الدولي بشأن الوضع بالشرق الأوسط خاصة القضية الفلسطينية يوم 24 أكتوبر بأن “حل القضية الفلسطينية ليس التهجير وليس إزاحة شعب بأكمله إلى مناطق أخرى بل إن حلها الوحيد هو العدل بحصول الفلسطينيين على حقوقهم المشروعة في تقرير المصير والعيش بكرامة وأمان في دولة مستقرة على أرضهم مثلهم مثل باقي شعوب الأرض؛ فالشعب الفلسطيني لن ينزح عن أرضه بل متشبث بها، ولن تقبل مصر أن يهجر أو أي محاولة لتصفية القضية الفلسطينية على حسابها والدول بالمنطقة”.
واختتم التقرير، مؤكدا أن مخطط تصفية القضية الفلسطينية عبر نقل الصراع إلى دول الجوار، ينتهك كافة الأعراف الدولية في ظل تصريحات إسرائيلية داخلية تحاول زيادة أمد الصراع إما بالإبادة الجماعية لسكان القطاع أو التهجير القسري، وهو ما يمكن أن يصل إلى حد التطهير العرقي.
والذي يتطلب بدوره مواقف أكثر صرامة في عدم التعامل بالمعايير المزدوجة خاصة في القضايا التي تنتهك حقوق الإنسان التي يتشدق بها الغرب، واتخاذ مجلس الأمن قرارًا لإيقاف الهجرة القسرية وخلق ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية، مع التعامل مع جذور المشكلة وهي عدم إقامة دولة فلسطينية وعدم تنفيذ مبدأ حل الدولتين حتى الآن.