للحروب المطولة تأثيرات طويلة الأمد على العالم بأثره، ولكن الأكثر تضررا من تلك الحروب والنزاعات هي الدول المجاورة لأماكن الصراع، فخريطة العالم لم تخل يوماً من صراعات ملتهبة، وأغلب تلك الصراعات اندلع في قلب قارات العالم القديم "آسيا، وأفريقيا، وأوروبا"، ما يجعل العالم بأثره يقف اليوم "خائفا يترقب" من حرب عالمية ثالثة على الأبواب، وفي القلب من تلك المناطق على مستوى العالم هى منطقة الشرق الأوسط، صاحبة النصيب الأوفى من تلك الصراعات المحتدمة.
ولكن يظل السؤال الأكثر تداولا خلال هذه الأيام حول مدى جواز تعويض الدول المجاورة لأماكن الحروب والنزاع حال تضررها وفقا للقانون الدولى والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، خاصة أن فكرة تعويض ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاكات القانون الدولي الإنساني هي فكرة حديثة نسبيًّا في القانون الدولي، ونري أن التعويض عما تسببه انتهاكات القانون الدولي قاعدة أساسية من قواعد الدولي العرفي المنطبقة في النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية، وأيّ خرق للقانون الدولي في هذا الشأن يسلتزم واجب القيام بالتعويض.
مدى جواز تعويض الدول المجاورة لأماكن الحروب والنزاع حال تضررها
في التقرير التالى، يلقى "برلماني" الضوء على إشكالية الإجابة على السؤال مدى جواز تعويض الدول المجاورة لأماكن الحروب والنزاع حال تضررها وفقا للقانون الدولى والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، حيث توجد مسؤولية على الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً فواجبها القيام بالتعويض الكامل عن الأذى الذي تسببه من الأفعال غير المشروعة دولياً، والجبر الكامل للخسارة الناجمة عن الأذى الذي تتسبب فيه - بحسب الخبير القانوني الدولى والمحامى بالنقض هانى صبرى.
في البداية - إن انتهاكات القانون الدولي الإنساني يستوجب واجب الالتزام بالتعويض وفق البروتوكول الثاني لاتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية، ويرد أيضاً ضمناً في القاعدة التي تتضمنها اتفاقيات جنيف، والتي لا تجيز للدول أن تتحلل من المسؤوليات التي تقع عليها أو أن تحلّ طرفاً متعاقداً آخر منها في ما يتعلق بالمخالفات الجسيمة، والقاعدة القانونية التى تنصّ على وجوب دفع الدولة التي تنتهك القانون الدولي الإنساني تعويضاً، إذا اقتضت الحالة ذلك وردت في اتفاقية لاهاي الرابعة لعام 1907 الخاصة باحترام قوانين وأعراف الحرب البرية، وأعيد النصّ عليها في البروتوكول الإضافي الأول – وفقا لـ"صبرى".
وجوب دفع الدولة التي تنتهك القانون الدولي الإنساني تعويضاً
هذا وقد جرى وضع هذا الواجب في الممارسة من خلال العديد من تسويات ما بعد النزاع كما تضمّنته أيضاً مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، والتي يُلزم الدولة التعويض عن الضرر الناتج في حال عدم إصلاح هذا الضرر، ويؤكّد عدد من البيانات الرسمية على واجب التعويض عن الأضرار التي تتسبب بها انتهاكات القانون الدولي الإنساني كما نصّ عليه عدد من القرارات التي تم اعتمادها من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة – الكلام لـ"صبرى".
وينصّ قانون المحكمة الجنائية الدولية الذي صدر في يوليو 1998 ودخل حيّز التنفيذ في 1 يوليو 2002 على إمكانية منح تعويضات لضحايا جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، فإن نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ينص على تعويض ضحايا جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وفق المادة 75-1 من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن: "المحكمة ستضع مبادئ تتعلق بالتعويضات للضحايا ومن أجلهم، بما في ذلك رد الحقوق والتعويض وإعادة التأهيل، وعلى هذا الأساس، يجوز للمحكمة أن تقضي في قرارها، إما بطلب أو بإجراء منها في ظروف استثنائية، بتحديد نطاق أو حجم أي ضرر أو خسارة أو إصابة لحقت بالضحايا أو من أجلهم، وستعلن المبادئ التي تتخذ قرارها على أساسها" – هكذا يقول الخبير القانوني الدولى.
نظام روما الأساسي وإنشاء صندوق خاص للضحايا وأسرهم
وتنص المادة (المادة 79-1) من نظام روما الأساسي على إنشاء صندوق خاص للضحايا وأسرهم، ويحدد شروط وقواعد التعويض عن الأضرار التي لحقت بالضحايا وأسرهم، وليس التعويضات المباشرة من جانب الأفراد، وينص التنظيم 51 لصندوق الضحايا على أن الصندوق يمكن أن ينفذ أنشطة ومشروعات تهدف إلى إعادة التأهيل النفسي، أو الدعم المادي، أو غير ذلك من الأنشطة بعد إبلاغ المحكمة بنيته، وينبغي لأي مشروع أو نشاط يديره الصندوق ألا يبت مسبقًا في مسألة ما ستبت فيها المحكمة، ولا يخالف افتراض براءة المتهم، ولا يتحامل على محاكمة عادلة ومحايدة، ولا تعتبر أنشطة الصندوق تعويضات قضائية للضحايا، وغالبًا ما تنفصل برامج الصندوق عن أحكام المحكمة – طبقا لـ"صبرى".
إن التعويضات التي تقررها المحكمة الجنائية الدولية قد تُمنح للفرد أو الجماعة، ويمكن أن تكون على حساب المتهم بعد إدانته أو تُدفع من الصندوق إذا أُعلن المدان معوزًا، ويمكن دفعها للضحايا مباشرة أو عبر منظمات دولية أو وطنية معتمدة من الصندوق، وللتسهيل على الضحايا، وضعت المحكمة استمارة موحدة يمكن استخدامها لطلب التعويض، غير أن المحكمة الجنائية الدولية ليست مختصة بإجبار دولة ما على دفع تعويضات للضحايا عن الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الدولة أو وكلاؤها، فهي تفصل فقط في المسؤولية الجنائية الفردية وليست مسؤولية الدولة، أما محكمة العدل الدولية ومحاكم العدل الإقليمية فهي المختصة بالحكم في مسائل تتعلق بمسؤولية الدولة.
اختلاف حق تعويض الضحايا عن نظام المسؤولية الدولية بين الدول
ويختلف حق تعويض الضحايا عن نظام المسؤولية الدولية بين الدول، والذي يجبرها على دفع تعويضات عن الأضرار التي لحقت بدولة أخرى بسبب انتهاك التزاماتها الدولية، وتنظر هذه المسائل محكمة العدل الدولية التي تختص بتسوية مسائل المسؤولية والتعويضات بين الدول، ويمكن للدول أيضًا أن تطبق آليات للتعويض حين يتعلق الأمر بالمسؤولية عن ضرر لحق بهيئات أو أفراد أجانب، ويحدث هذا كثيرًا في العمليات العسكرية الدولية، وتُتخذ القرارات غالبًا على أساس التسويات الودية التي تباشرها القوات المسلحة.
ويتساءل الكثيرين عن المبادئ الدولية لجبر الضرر؟
أن جبر الضرر وتقديم تعويضات للضحايا هي من المبادئ المستقرة في القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومنها:
1- أن الحق في جبر الضرر والتعويض هو من حقوق الإنسان الأساسية الراسخة.
2- جميع الضحايا يُعاملون بعدالة ومساواة فيما يتعلق بجبر الضرر، بصرف النظر عما إذا كانوا شاركوا في إجراءات المحاكمة، وستُراعى احتياجات جميع الضحايا، وخاصة الأطفال منهم والمسنين وذوي الإعاقة وضحايا العنف الجنسي أو القائم على النوع، وسيُعامل الضحايا بإنسانية وكرامة، وتُمنح التعويضات للضحايا دون تمييز سلبي على أساس النوع أو السن أو العرق أو اللون أو اللغة أو الدين أو المعتقد أو الرأي السياسي أو غيره من الآراء أو التوجه الجنسي أو الأصل القومي أو العرقي أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو غير ذلك من الأوضاع.
لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان والتعويض للضرر
جدير بالذكر إنه في عام 2005، اعتمدت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: المبادئ والتوجيهات الأساسية بشأن الحق في الانتصاف والجبر لضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي، واعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في مارس 2006، المبادئ الخاصة لكل دولة بعرض سبل الانتصاف الملائمة لضحايا الانتهاكات، وتؤكد مبادئ الأمم المتحدة على أنه وفقًا للقوانين المحلية والقانون الدولي، وبمراعاة الظروف الفردية، ينبغي أن يحصل ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع فداحة الانتهاك وظروف كل حالة، على تعويضات كاملة وفعالة.
ويمكن أن يتضمن جبر الضرر أشكالًا مختلفة: رد الحقوق، تعويض، إعادة تأهيل، التسوية المالية، وضمانات عدم التكرار وينبغي أن يعيد رد الحقوق، متى أمكن، الضحايا إلى الوضع الأصلي قبل وقوع الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان أو الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني، ويمكن أن يشمل رد الحقوق استعادة الحرية، والتمتع بحقوق الإنسان والهوية وحياة الأسرة والمواطنة وعودة المرء إلى مكان إقامته، واستعادة الوظيفة، واستعادة الممتلكات.
كما تنصّ المادة 37 من مشاريع المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً على أنّ:
1- الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دولياً ملزمة بتقديم ترضية عن الخسارة التي تترتب على هذا الفعل إذا كان يتعذر إصلاح هذه الخسارة عن طريق الرد أو التعويض.
2- قد تتخذ الترضية شكل إقرار بالخرق، أو تعبير عن الأسف، أو اعتذار رسمي، أو أي شكل آخر مناسب.
3- ينبغي ألاّ تكون الترضية غير متناسبة مع الخسارة، ولا يجوز أن تتخذ شكلاً مذلاً للدولة المسؤولة .
4- ضرورة تقديم الجناة إلى العدالة، ومحاكمتهم.
مبادئ تعويض ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان
كما أنّ الضمانات بعدم تكرار الانتهاكات شكل ممكن من أشكال الترضية، وهذا يتطلب من الدولة المسؤولة عن فعل غير مشروع دولياً أن تكفّ عن الفعل، وتقدم التأكيدات والضمانات الملائمة بعدم التكرار، إذا اقتضت الظروف ذلك.
تجدر الإشارة أن مبادئ تعويض ضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان ما زالت مرتبطة بمسؤولية الدولة وهو ما يستتبع أيضًا التزامها بالتعويض المالي لدولة أخرى في حالة السلوك الدولي غير المشروع. ويعترف القانون الدولي بهذه المبادئ، ودور التعويض هو تغطية أية فوارق لضمان الجبر الكامل للضرر المتكبد، فإنّ الغرض من التعويض إعادة الحالة إلى ما كانت عليه قبل ارتكاب الفعل غير المسروع دولياً، وهذا أبسط أشكال الجبر.
وينبغي دفع تعويضات عن أي أضرار يمكن قياسها اقتصاديًّا، حسب الاقتضاء وبما يتناسب مع فداحة الانتهاكات وظروف كل حالة، وتشجع هذه المبادئ الدول أيضًا على إعداد وسائل لإبلاغ الجمهور وخاصة ضحايا الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني.